الذكاء الاصطناعي وقفات ولافتات

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2025-07-25 - 1447/01/30 2025-07-24 - 1447/01/29
عناصر الخطبة
1/نعمة الذكاء الاصطناعي 2/ تأكيدُ وجوب شكر اللهِ تعالى على هذه النعمةِ 3/ الحذر من استعمالِ تقنيات الذكاءِ الاصطناعي فيما حرمته الشريعة 4/ نداءٌ لعموم متلقي ما يطرحه مستخدمو الذكاء الاصطناعي 5/ الحذر من عواقب نشرِ الكذب والبهتان على المجتمعات والأفراد 6/ سؤال: هل يجوز استفتاء الذكاء الاصطناعي.؟

اقتباس

وعلى المسلمِ أنْ يتثبَّتَ ويتبيَّن من الأخبارِ قبلَ نشرِها، وألا ينساق بتصديق كل ما ينشر في وسائل التواصل الحديثة، وقد وصف النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- من يحدث بكل ما سمع بالكذاب والآثم فقال: «‌كَفَى ‌بِالْمَرْءِ ‌كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وفي رواية «كَفَى بِالْمَرءِ إِثْماً»..

الخُطْبَة الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ الذي خلق لنا ما في الأرضِ جميعًا منه، واستعمَرَنا فيها لنعمرها ونعبده ونشكره ولا نكفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فسوى وقدَّرَ فهدى، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُالله ورسولُه النبيُ الأميُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا..

 

أما بعد:

أيها الإخوة: اتقوا الله تعالى حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، يقول الله تعالى حاثًا على شُكرِ نعمه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7] أي: أَعْلَمَ وَوَعَدَ، (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) من نِعمِيِ (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ومن ذلك أن يزيلَ عنهم النعمةَ التي أنعَمَ بها عليهم..

 

ومن فضله تعالى وإحسانه عليكم أنه: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ) [الجاثية:13] قال الشيخ السعدي: "ما فيها من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية دليل على سعة رحمته، وشمول فضله وإحسانه وبديع لطفه وبره.."

 

ومن بديع لطفه وإحسانه توفيقُه تعالى لاختراع "تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)" وهو مجالٌ في علومِ الحاسب الآلي قادرٌ على تطوير أنظمةٍ تحاكي الذكاء البشري.. تتضمنُ القدرةُ على التعلم، وحلُّ المشكلات، واتخاذُ القرارات، والفهمُ اللغوي، ورؤيةُ الأشياء، والتكيفُ مع الظروفِ المتغيرة.. أو: هو تكنولوجيا تجعلُ الآلاتِ تتصرفُ بطُرقِ ذكيةٍ تشابِهُ في الغالبِ السلوك البشري، وهذا الاختراعُ توفيقٌ وفتحٌ من الله تعالى للإنسانِ، ومِنَحِةٌ عظيمةٌ جديرةٌ بشكرِهِ سبحانه، وهو خيرٌ لمن سخره للخيرِ، وبلاءٌ مستطيرٌ لمن استعمله في الشر.. ومثل هذه النازلة الجديدة على العالم تحتاج منا أن نقف معها بعض الوقفات:

 

الوقفة الأولى: تأكيدُ وجوب شكر اللهِ تعالى على هذه النعمةِ التي اختصرت الوقتَ الكثير والجهدَ الكبير من كمال في جمعِ المعلوماتِ بتميزٍ وبراعةٍ وحسنِ سَبْكٍ، وسلاسةِ عبارَتِها وجودةِ لغتِها ومنطقيةِ ترتيبِها.. وعليه فحمد الله تعالى وشكره على ذلك من أعظم ما يُقَيدُ هذه النعمةَ ويزيدُها..

 

الوقفة الثانية: الحذر كل الحذر من استعمالِ تقنيات الذكاءِ الاصطناعي فيما حرمته الشريعة ونهت عنه من الكذب والبهتان والافتراء والتزوير.. ومن أعظمِها تزييف الصور والمقاطع الصوتية والمرئية، وانتحال الشخصيات، لقلب الحقائق ونشر المعلومات المضللة، والمساس بسمعة المسلمين والدول والولوغ في أعراضهم، والإضرار بالأبرياء، وتلفيق الفتاوى المكذوبة على ألسنة العلماء.

 

ونشر ذلك من خلال برامج التواصل الاجتماعي بغفلةٍ عن علم الله ورقابته التامة، قال الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18] (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) خيرٍ أو شر (إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي: مراقبٌ له، حاضرٌ لحاله، كما قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ) [الانفطار:10-11]، أي قد أقامَ اللهُ عليكم ملائكةً كرامًا يكتبون أقوالَكم وأفعالَكم.. ويعلمونها، ودخلَ في هذا أفعالُ القلوبِ، وأفعالُ الجوارحِ، فاللائقُ بكم أن تكرموا هؤلاء الملائكة وتجلوهم وتحترموهم، والأعمالَ السيئةَ التي قد يجرُّها الذكاءُ الاصطناعيُ التي ذكرنا من كبائرِ الذنوبِ وعظائِمها.. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ ‌لَا ‌يُلْقِي ‌لَهَا ‌بَالًا، يَرْفَعُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ ‌لَا ‌يُلْقِي ‌لَهَا ‌بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ.» رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

 

أيها الإخوة: الوقفة الثالثة: نداءٌ لعموم متلقي ما يطرحه مستخدمو الذكاء الاصطناعي، ورواد وسائل التواصل الاجتماعي.. فما يطرحونه يحمل الغث والسمين والحق والباطل والصواب والخطأ، وواجبنا نحن المتلقين أن نقيسَ ما يُقدمُ في ميزان الشرعِ والعقل، وأهم ما تجبُ مراعاتُه التثبت مما يطرح فليس كل ناقلٍ ثقة قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].

 

قال الشيخ السعدي رحمه الله: "هذا من الآدابِ التي على أُوْلِيِ الألبابِ، التأدب بها واستعمالها، وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره، ولا يأخذوه مجردًا، فإن في ذلك خطرًا كبيرًا، ووقوعًا في الإثم، فإن خبره إذا جُعِلَ بمنزلة خَبرَ الصادقِ العدلِ، حُكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال، بغير حق، بسبب ذلك الخبر ما يكون سببًا للندامة.. بل الواجب عند خبر الفاسق، التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه، عمل به وصُدِّقَ، وإنْ دلت على كذِبِهِ، كُذِّبَ، ولم يعملْ به" أهـ

 

وعلى المسلمِ أنْ يتثبَّتَ ويتبيَّن من الأخبارِ قبلَ نشرِها، وألا ينساق بتصديق كل ما ينشر في وسائل التواصل الحديثة، وقد وصف النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ- من يحدث بكل ما سمع بالكذاب والآثم فقال: «‌كَفَى ‌بِالْمَرْءِ ‌كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وفي رواية «كَفَى بِالْمَرءِ إِثْماً» رواه أبو داود وصححه الألباني.

 

الوقفة الرابعة: الحذر كل الحذر من عواقب نشرِ الكذب والبهتان على المجتمعات والأفراد، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ وَهُوَ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ». رواه مسلم عَنْ سَمُرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-..   وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْكَذِبَ ‌يَهْدِي ‌إِلَى ‌الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا.» رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

 

وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَالَ فِي مُؤمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ ‌أَسْكَنَهُ ‌اللهُ ‌رَدْغَةَ ‌الْخَبَالِ حَتَّى يَخرُجُ مِمَّا قَالَ». رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- وصححه الألباني وأغلب ما يَحْمِلُ صَاحبَ الْكَذِب على الْكَذِب طلبُ رضَا النَّاس أَو التزين لَهُم وَطلبُ الجاه عِنْدهم.. ومن ذلك تكثير المتابعين في وسائل التواصل الاجتماعي.. وخيرُ زاجرٍ عن الكذاب العلم بالعاقبة السيئة له وهي الفجور.. ثم النار.. بل وَ‌رَدْغَةُ ‌الْخَبَالِ وهي [عصارة أهل النار أو ما يخرج من أجسادهم من قيح وصديد] لمن قال في مؤمن ما ليس فيه.. وفي هذا ذكرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.. أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا وصلى الله وسلم وبارك على عبدالله ورسوله محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمدُ للهِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، البَشِيرُ النَذِيرُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أُلِي العَزْمِ والتَشْمِيرِ وَتَسْلِيمًا كَثِراً.. أَمَا بَعْدُ أيها الإخوة اتقوا الله حق التقوى.

 

وآخر الوقفات فيما يجب علينا تجاه الذكاء الاصطناعي سؤال: هل يجوز استفتاء الذكاء الاصطناعي.؟

 

لم أرى في ذلك فتوى من جهة رسمية.. لكن قال بعض أهل العلم: الذكاء الاصطناعي أداة مباحة في الأصل، لكن لا يجوز استفتاؤه أو الاعتماد على أجوبته في الأمور الشرعية، لأنه يفتقر إلى أهلية الفتوى من فقهٍ في الدين، وفهمٍ للواقع، وغيرها من الشروط.. وأجوبتُه تُولَّدُ آليًّا من بيانات قد تكون مجهولة أو مغلوطة، وقد تحتوي على انحيازات، ولا تراعي أجوبته الفروق المؤثرة بين الناس، لكن يجوز للباحث الاستفادة منه في جمع المادة أو فهم الواقع، بشرط التحقق من المصادر.. أما العامي، فلا يحل له العمل بفتوى الذكاء الاصطناعي، وإنما يسأل أهل العلم الموثوقين..

 

أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا وصلوا وسلموا....

المرفقات

الذكاء الاصطناعي وقفات ولافتات.doc

الذكاء الاصطناعي وقفات ولافتات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات