عناصر الخطبة
1/شدة عداوة الشيطان للمسلمين 2/أصل الشيطان ومعناه 3/أعظم مداخل الشيطان على الإنسان 4/خطورة الغضب ونتائجه 5/حكم طلاق الغضبان.اقتباس
أعظم مداخل الشيطان على الإنسان ثلاثة، مداخله كثيرة، لكن أعظمها ثلاثة؛ عند شدة الغضب، وعند شدة الحزن، وعند شدة الفرح، هذه المداخل الثلاثة يضعف فيها قلب الإنسان وعقله، وربما ضعف معهم دينه، فيدلج الشيطان إلى قلبه وهو لا يشعر....
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، و(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبَد كما الرسولُ لا يُكذَّب، فاللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجه، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد أيها الناس: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق التقوى؛ فإن أجسادنا على النار لا تقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بالعروة الوثقى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: أتدرون مَن هو أعدى أعدائكم، وأضر خلق الله عليكم؟ إنه عدو الله إبليس، إنه الذي أطال الله عمره حتى تقوم الساعة، ليتمكن مِن إضلال مَن يستطيع من بني آدم، ويفترس من أراد افتراسه، ومَن قدر على فراسته من بني آدم، بل ومن الجن أيضًا ليكونوا من أصحابه ومن حزب السعير؛ (إِنَّ الشَّيطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: 6].
والشيطان –يا عباد الله- اسمٌ لكل مَن شطن من الجن؛ أي ابتعد عن الحق وكفر بالله -عَزَّ وَجَلَّ-، ورأسهم وأبوهم هو إبليس -أعاذنا الله وإياكم منه-، إبليس كان من الصالحين من صالحي الجن، فقرَّبه الله -جَلَّ وَعَلَا- حتى جعله مع الملائكة، حتى إذا أتى أمر الله بالسجود لآدم سجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين.
شطن وتكبر وتعالى، كيف يسجد لمخلوقٍ أضعف منه خُلق من طين وهو خُلق من نار؟ فتكبر على أمر الله -جَلَّ وَعَلَا-، وعارض شرع الله -عَزَّ وَجَلَّ- بقدره فكان من الملعونين، ومن المطرودين، فقال لربه: (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ)[ص: 79- 80].
ليس هذا فحسب -يا عباد الله- بل حلف بالله وهو يعرف ربه، قال: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)[ص: 82- 83].
فانظر نفسك -يا عبد الله-؛ هل أنت من المضَلِّين من عباد الله مع إبليس، أو من عباد الله المخلصين الذين نجوا منه لما استمسكوا بالله، ولجأوا إليه، وتمسكوا بدينهم واستقاموا عليه، فإن هؤلاء هم المخلَصون الذين ينجون من إبليس ومن جنده من شياطين الإنس والجن.
واعلموا –عباد الله- أن أعظم مداخل الشيطان على الإنسان ثلاثة، مداخله كثيرة، لكن أعظمها ثلاثة؛ عند شدة الغضب، وعند شدة الحزن، وعند شدة الفرح، هذه المداخل الثلاثة يضعف فيها قلب الإنسان وعقله، وربما ضعف معهم دينه، فيدلج الشيطان إلى قلبه وهو لا يشعر.
قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيحين : "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم"، وسبب ورود هذا الحديث: أنه أتت أم المؤمنين صفية -رَضِيَ اللهُ عَنْها- تعود النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وهو في معتكفه في العشر الأواخر من رمضان.
فلما أرادت أن ترجع إلى بيتها قام -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يقلبها، فيمشي معها، فرأى في المسجد رجلان، فلما رأيا نبي الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ومعه امرأة تحركا سريعًا؛ فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "على رِسْلكما إنها صفية"، قالوا: أمنك يا رسول الله؟ -أي: نسيء الظن بك يا رسول الله؟-، قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم".
وأعظم مداخله -يا عباد الله- عند شدة الغضب، فإن الإنسان إذا اشتدَّ غضبه وطاش عقله ربما خرج منه من الكلام ما لو تدبَّره وتأمله حال صحته واعتداله لندم على ذلك أشد الندم. ولقد جاء رجلٌ إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله، أوصني، قال: "لا تغضب"، قال: أوصني، قال: "لا تغضب"، قال: أوصني، قال: "لا تغضب"؛ لأن شدة الغضب من أعظم مداخل إبليس.
وأعظم ما يرِدُنا في الاستفتاء، وما يرِد المشايخ في القضاء إنما هو من هؤلاء المطلقين الذين يعتذرون بأن طلاقهم كان في غضب، يعتذرون بذلك لعلهم أن ينجوا فيبيحها له الشيخ أو يحللها له.
والطلاق –يا عباد الله- في الغضب نوعان:
النوع الأول: طلاقٌ في غضبٍ معه شعوره، وهذا يقع طلاقه.
والنوع الثاني: طلاقٌ في غضبٍ لا يدري ما يقول، وقد أُغلق عليه بهذا الغضب، فهذا الذي لا يقع طلاقه، ولا يقع بيعه ولا شراؤه، ولا يقع إعتاقه ولا عقوده؛ لأنه في حال ارتفاعٍ من عقله.
الحالة الثانية التي يكون فيها الشيطان في أعظم ما يكون من الإنسان مدخلاً في حال شدة الحزن، ولقد مرَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- على امرأةٍ تبكي عند قبر ابنٍ لها، فقال: "يا هنتاه، اصبري واحتسبي"، فقالت: إليك عني، فو الله ما أصابك الذي أصابني، فولَّى عنها -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-، ولم يجادلها، ولم يطاولها؛ لأنها في حالٍ نفسيةٍ وفي حالٍ عقليةٍ من شدة الحزن لا تستوعب كلامه.
فلما راق إليها عقلها قيل لها: إنه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فأتت إليه بعد ذلك تعتذر، فقال لها -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إنما الصبرُ عند الصدمة الأولى".
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من إخوانه، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم، وأحبهم وذبَّ عنهم، إلى يوم رضوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد -عباد الله- فإن المدخل الثالث من مداخل الشيطان، وكما قلنا أن مداخله كثيرة لكن أعظمها ثلاثة؛ عند شدة الغضب، وعند شدة الحزن، وعند شدة الفرح؛ فإن الإنسان عند شدة فرحه ربما خرج منه الكلام الذي لا يعقله ولا يتبصر ولا يتدبر فيه.
ففي الصحيحين عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه ذكر: "أن رجلاً أضلَّ راحلته في فلاةٍ من الأرض، وعليها طعامه وشرابه وزاده، فلما آيس منها وأيقن بالموت أسند ظهره إلى جذع شجرة ينتظر أن يأتيه الموت، فبينما هو كذلك إذ غفت عيناه، فانتبه وإذا خطام ناقته -التي عليها سبب بقائه ونجاته- يتدلى أمام عينيه، فأخذه فرِحًا فرَحًا عظيمًا، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك"، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أخطأ من شدة الفرح""؛ أي: لم يستبصر بما يخرج منه من لسانه لما طغا على عقله شدة الفرح.
فاحذروا –عباد الله- مداخل الشيطان، واحذروا –عباد الله- حِيله وأساليبه، فإنه لا يزال بالناس يتحايلون على أوامر الله، وعلى شرعه، حتى يبيحوا الحرام، وحتى يحرموا الحلال.
ولكم عبرةٌ -يا عباد الله- فيما جرى من بني إسرائيل؛ فإن الله أمرهم الأوامر، فتعنتوا عليها، ولفّوا وداروا حتى يحلوا ما حرَّم الله عليهم، أمرهم -سبحانه- أن يذبحوا بقرة فتعنتوا؛ ما لونها؟ ما صفتها؟ ما هيئتها؟ فذبحوها بعد ذلك كله وما كادوا يفعلون، وما وقع في بني إسرائيل يقع في هذه الأمة ويزداد ويتكاثر، كل ذلك من حبائل الشيطان وحِيَله عليكم.
أما أهل الإيمان حقًّا وأهل التوحيد صدقًا فإذا جاءهم الأمرُ عن الله وعن رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- امتثلوه، وقالوا: سمعنا وأطعنا، وكذا إذا جاءهم النهي عن الله وعن رسوله امتثلوه وقالوا: سمعنا وأطعنا.
ثُمَّ اعلموا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
ثُمَّ إنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد أمرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته؛ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ- في آخر الأحزاب: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إذا كان يوم الجمعة وليلتها؛ أكثروا من الصَّلَاة عليَّ، فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ".
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيمًا.
اللَّهُمَّ أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللَّهُمَّ أبرم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ ارحمنا والمسلمين والخلق أَجْمَعِينَ برحمتك الواسعة.
اللَّهُمَّ اجعلنا دعاة رسلٍ وخيرٍ إِلَى دينك، اللَّهُمَّ اهدِ بنا خلقك وعبيدك، اللَّهُمَّ آجرنا بهدايتهم، اللَّهُمَّ وضعَّف لنا ولهم المثوبة عندك يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ اصرف عنَّا وعن المسلمين في كل مكانٍ، اصرف عنَّا وعنه أسباب البلاء والمحن، اللَّهُمَّ من ضارَّنا فضره، ومن كادنا فكد له، ومن مكر بنا فامكر به، اللَّهُمَّ اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرج عبادك من بينهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ كُن لإخواننا المستضعفين المقهورين في كل مكان، اللَّهُمَّ كُن لهم وليًّا ونصيرًا وظهيرًا، اللَّهُمَّ بمن ضارَّهم، اللَّهُمَّ عليك بمن أساء إليهم، اللَّهُمَّ عليك بمن قتلهم وسفك دماءهم وخوَّفهم وأرعبهم يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ اكفنا شر الظالمين.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكَّرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم