عناصر الخطبة
1/تعريف الغيبة 2/ أَضْرَارِ الْغِيبَةِ عَلَى الْفَرْدِ 3/أَضْرَارِهَا عَلَى الْمُجْتَمَعِ 4/ أَهَمِّ أَسْبَابِ الْوُقُوعِ فِي الْغِيبَةِ 5/ الْوَسَائِلِ الْمُعِينَةِ عَلَى تَرْكِ الْغِيبَةِ 6/ مِنْ فَوَائِدِ تَرْكِ النَّمِيمَةِ 7/علاج النميمةاقتباس
وَمِنْ أَسْبَابِ الْوُقُوعِ فِي الْغِيبَةِ: أَنْ يَنْشَأَ الْمَرْءُ فِي بِيئَةٍ دَأْبُهَا النَّمِيمَةُ وَالْوَقِيعَةُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيُحَاكِيَهَا، وَيَتَأَثَّرَ بِهَا. وَحُبُّ الْإِسَاءَةِ لِلْآخَرِينَ، وَإِيقَاعِ الْإِيذَاءِ بِهِمْ؛ وَهِيَ شَهْوَةٌ عُدْوَانِيَّةٌ فِي قُلُوبِ الْأَشْرَارِ. وَالْخَوْضُ فِي الْبَاطِلِ، وَفُضُولِ الْحَدِيثِ..
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَجَدِيرٌ بِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ وَسَمْعَهُ، وَيُمْسِكَ عَنِ الشَّرِّ، وَيُمْسِكَ عَنِ الْخَوْضِ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَا خَيْرَ فِي أَكْثَرِ كَلَامِ النَّاسِ، قَالَ تَعَالَى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ) [النِّسَاءِ: 114]. وَحَدِيثُنَا فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ.
وَتُعَرَّفُ الْغِيبَةُ: بِأَنَّهَا ذِكْرُ الْإِنْسَانِ فِي غَيْبَتِهِ بِمَا يَكْرَهُ([1]).
وَمِمَّا جَاءَ فِي ذَمِّ الْغِيبَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) [الْحُجُرَاتِ: 12]؛ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الْهُمَزَةِ: 1]؛ يَعْنِي: الطَّعَّانَ الْمُغْتَابَ الَّذِي إِذَا غَابَ عَنْهُ الرَّجُلُ اغْتَابَهُ مِنْ خَلْفِهِ([2]).
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا – تَعْنِي: قَصِيرَةً، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَمِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي ذَمِّ الْغِيبَةِ: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى بَغْلٍ مَيْتٍ، فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «لَأَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ هَذَا حَتَّى يَمْلَأَ بَطْنَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»([3]). وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ خَطَايَا أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِخَطَايَا النَّاسِ»([4]).
وَمِنْ أَعْظَمِ أَضْرَارِ الْغِيبَةِ عَلَى الْفَرْدِ: أَنَّهَا تَزِيدُ فِي رَصِيدِ السَّيِّئَاتِ، وَتُنْقِصُ مِنْ رَصِيدِ الْحَسَنَاتِ. وَصَاحِبُهَا مُفْلِسٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَتَكُونُ سَبَبًا فِي هَجْرِ الْمُغْتَابِ. وَهِيَ تَجْرَحُ الصِّيَامَ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَتَبَّعُ عَوْرَةَ الْمُغْتَابِ، وَيَفْضَحُهُ- وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ. وَالْمُغْتَابُونَ هُمْ فِي عِدَادِ أَهْلِ النَّارِ. وَأَثَرُ الْغِيبَةِ أَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ.
وَمِنْ أَضْرَارِهَا عَلَى الْمُجْتَمَعِ: كَشْفُ عَوْرَاتِ الْآخَرِينَ، وَنَشْرُ عُيُوبِهِمْ، وَالِاسْتِهَانَةُ بِهِمْ. وَالْغِيبَةُ تُؤَدِّي إِلَى الْغِيبَةِ الْمُتَبَادَلَةِ؛ حَيْثُ إِنَّ مَنِ اغْتِيبَ يَدْفَعُهُ غَضَبُهُ إِلَى غِيبَةِ مَنِ اغْتَابَهُ، وَبِهَذَا تَنْتَشِرُ هَذِهِ الصِّفَةُ الذَّمِيمَةُ، وَتُصْبِحُ مَرَضًا عُضَالًا، يَصْعُبُ اسْتِئْصَالُهُ. وَبِالْغِيبَةِ يَنْتَشِرُ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَالْكَرَاهِيَةُ وَالْبَغْضَاءُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ. وَتَفْسُدُ الْمَوَدَّةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَتُقْطَعُ أَوَاصِرُ الْأُخُوَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ. وَتُمْلَأُ الْقُلُوبُ بِالضَّغَائِنِ وَالْعَدَاوَاتِ([5]).
وَمِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الْوُقُوعِ فِي الْغِيبَةِ: أَعْظَمُ سَبَبٍ لِلْغِيبَةِ عَدَمُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرْكُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ. وَالْكَرَاهِيَةُ الْبَاطِنَةُ لِمَنْ يَغْتَابُهُ. وَالْمُنَافَسَةُ السَّيِّئَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالَّتِي تُوَلِّدُ حَسَدًا بَيْنَهُمْ، فَيَلْجَؤُونَ لِلْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ. وَالرَّغْبَةُ فِي الْبُرُوزِ وَالتَّصَدُّرِ فِي الْمَجَالِسِ؛ وَلَوْ كَانَتِ الْوَسِيلَةُ هِيَ الْغِيبَةَ. وَمُوَافَقَةُ الْأَقْرَانِ، وَمُجَامَلَةُ الرُّفَقَاءِ، وَمُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى الْغِيبَةِ؛ فَإِنَّهُ يَخْشَى – إِنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَثْقِلُوهُ. وَإِرَادَةُ رَفْعِ النَّفْسِ بِتَنْقِيصِ غَيْرِهِ؛ فَيَقُولُ: "فُلَانٌ جَاهِلٌ"، "وَفَهْمُهُ رَكِيكٌ"! وَاللَّعِبُ وَالْهَزْلُ وَالسُّخْرِيَةُ بِالنَّاسِ، فَيَذْكُرُ غَيْرَهُ بِمَا يَضْحَكُ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُحَاكَاةِ. وَكَثْرَةُ الْفَرَاغِ، وَالشُّعُورُ بِالْمَلَلِ وَالسَّأَمِ، فَيَشْتَغِلُ بِالنَّاسِ وَأَعْرَاضِهِمْ وَعُيُوبِهِمْ!
وَمِنَ الْوَسَائِلِ الْمُعِينَةِ عَلَى تَرْكِ الْغِيبَةِ: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَتَقْدِيمِ رِضَاهُ عَلَى رِضَا الْمَخْلُوقِينَ. وَزِيَادَةُ رَصِيدِ الْإِيمَانِ، وَتَقْوِيَتُهُ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَاخْتِيَارُ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ. وَانْشِغَالُ الْإِنْسَانِ بِمُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ، وَالْبَحْثِ عَنْ عُيُوبِهِ، وَتَرْكِ عُيُوبِ النَّاسِ. وَاسْتِثْمَارُ أَوْقَاتِ الْفَرَاغِ بِمَا يَنْفَعُ الْمُسْلِمَ، وَيُقَوِّي إِيمَانَهُ. وَالْقَنَاعَةُ بِرِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى. وَتَرْكُ مُرَاقَبَةِ النَّاسِ، وَعَدَمُ الِانْشِغَالِ بِخُصُوصِيَّاتِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَأَنْ يَضَعَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ مَكَانَ الشَّخْصِ الَّذِي اغْتِيبَ؛ لِيَجِدَ أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى هَذَا لِنَفْسِهِ. وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَكَظْمُ الْغَيْظِ.
لَا تَلْتَمِسْ مِنْ مَسَاوِي النَّاسِ مَا سَتَرُوا … فَيَهْتِكَ اللَّهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاوِيكَا
وَاذْكُرْ مَحَاسِنَ مَا فِيهِمْ إِذَا ذُكِرُوا … وَلَا تَعِبْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِمَا فِيكَا ([6])
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَأَمَّا النَّمِيمَةُ: فَهِيَ نَقْلُ الْحَدِيثِ، وَرَفْعُهُ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ، عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ وَالشَّرِّ([7]).
وَمِمَّا جَاءَ فِي ذَمِّ النَّمِيمَةِ، وَالنَّهْيِ عَنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [الْقَلَمِ: 10-13]؛ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الْهُمَزَةِ: 1]. قَالَ مُقَاتِلٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: "فَأَمَّا "الْهُمَزَةُ": فَالَّذِي يَنِمُّ الْكَلَامَ إِلَى النَّاسِ، وَهُوَ النَّمَّامُ"([8]).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ([9])» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَلمَّا مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ، قَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَمِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي ذَمِّ النَّمِيمَةِ: قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: "مَنْ نَمَّ لَكَ؛ نَمَّ عَلَيْكَ". وَيُقَالُ: "عَمَلُ النَّمَّامِ أَضَرُّ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّ عَمَلَ الشَّيْطَانِ بِالْوَسْوَسَةِ، وَعَمَلَ النَّمَّامِ بِالْمُوَاجَهَةِ"([10]). وَقِيلَ: "النَّمِيمَةُ مِنَ الْخِصَالِ الذَّمِيمَةِ، تَدُلُّ عَلَى نَفْسٍ سَقِيمَةٍ، وَطَبِيعَةٍ لَئِيمَةٍ، مَشْغُوفَةٍ بِهَتْكِ الْأَسْتَارِ، وَكَشْفِ الْأَسْرَارِ"([11]).
وَمِنْ أَسْبَابِ الْوُقُوعِ فِي الْغِيبَةِ: أَنْ يَنْشَأَ الْمَرْءُ فِي بِيئَةٍ دَأْبُهَا النَّمِيمَةُ وَالْوَقِيعَةُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيُحَاكِيَهَا، وَيَتَأَثَّرَ بِهَا. وَحُبُّ الْإِسَاءَةِ لِلْآخَرِينَ، وَإِيقَاعِ الْإِيذَاءِ بِهِمْ؛ وَهِيَ شَهْوَةٌ عُدْوَانِيَّةٌ فِي قُلُوبِ الْأَشْرَارِ. وَالْخَوْضُ فِي الْبَاطِلِ، وَفُضُولِ الْحَدِيثِ؛ لِلتَّرْوِيحِ عَنِ النَّفْسِ. وَالتَّظَاهُرُ بِمَحَبَّةِ الْمَحْكِيِّ لَهُ، وَكَسْبِ وُدِّهِ. وَعَدَمُ رَدْعِ النَّمَّامِ وَزَجْرِهِ؛ بَلِ اسْتِحْسَانُ عَمَلِهِ وَمُسَايَرَتُهُ. وَوُجُودُ الْفَرَاغِ الْكَبِيرِ فِي حَيَاةِ النَّاسِ، فَيَشْغَلُ نَفْسَهُ بِإِيذَاءِ الْآخَرِينَ، وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِ النَّاسِ، وَحُبِّ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا. وَالْعَمَلُ لِصَالِحِ أَفْرَادٍ أَوْ جِهَاتٍ مَشْبُوهَةٍ. وَضَعْفُ الْإِيمَانِ، وَعَدَمُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ، وَنِسْيَانُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ. وَجَهْلُ النَّمَّامِ بِالْعَوَاقِبِ السَّيِّئَةِ لِلنَّمِيمَةِ، سَوَاءٌ عَلَى الْفَرْدِ أَوِ الْمُجْتَمَعِ. وَالْحَسَدُ لِلْآخَرِينَ، وَعَدَمُ حُبِّ الْخَيْرِ لَهُمْ.
وَمِنْ آثَارِ النَّمِيمَةِ وَمَضَارِّهَا: أَنَّهَا طَرِيقٌ مُوصِلٌ إِلَى النَّارِ. وَهِيَ تُذْكِي نَارَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْمُتَآلِفِينَ. وَتُؤْذِي وَتَضُرُّ، وَتُؤْلِمُ، وَتَجْلِبُ الْخِصَامَ وَالنُّفُورَ. وَتَدُلُّ عَلَى سُوءِ الْخَاتِمَةِ. وَهِيَ عُنْوَانُ الدَّنَاءَةِ، وَالْجُبْنِ، وَالضَّعْفِ، وَالدَّسِّ، وَالْكَيْدِ، وَالْمَلَقِ، وَالنِّفَاقِ. وَالنَّمِيمَةُ مُزِيلَةٌ كُلَّ مَحَبَّةٍ، وَمُبْعِدَةٌ كُلَّ مَوَدَّةٍ وَتَآلُفٍ وَتَآخٍ. وَهِيَ عَارٌ عَلَى قَائِلِهَا وَسَامِعِهَا. وَتَحْمِلُ عَلَى التَّجَسُّسِ، وَتَتَبُّعِ أَخْبَارِ الْآخَرِينَ. وَتُؤَدِّي إِلَى قَطْعِ أَرْزَاقِ النَّاسِ. وَتُفَرِّقُ وَتُمَزِّقُ الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُلْتَئِمَةَ([12]).
تَنَحَّ عَنِ النَّمِيمَةِ وَاجْتَنِبْهَا … فَإِنَّ النَّمَّ يُحْبِطُ كُلَّ أَجْرِ
يُثِيرُ أَخُو النَّمِيمَةِ كُلَّ شَرٍّ … وَيَكْشِفُ لِلْخَلَائِقِ كُلَّ سِرِّ
وَيَقْتُلُ نَفْسَهُ وَسِوَاهُ ظُلْمًا … وَلَيْسَ النَّمُّ مِنْ أَفْعَالِ حُرِّ([13]).
وَمِنْ فَوَائِدِ تَرْكِ النَّمِيمَةِ: أَنَّ تَارِكَهَا مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ؛ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَتَرْكُ النَّمِيمَةِ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَتُعَالَجُ النَّمِيمَةُ: بِتَحْذِيرِ النَّمَّامِ بِخُطُورَةِ عَمَلِهِ. وَاسْتِشْعَارِ مَفَاسِدِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ. وَوُجُوبِ حِفْظِ اللِّسَانِ، وَعَدَمِ تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ الْآخَرِينَ. وَتَصَوُّرِ خَطَرِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي يَقْتَرِفُهَا النَّمَّامُ؛ بِإِفْسَادِهِ لِلْقُلُوبِ، وَتَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ. وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَتَقْدِيمِ رِضَاهُ عَلَى رِضَا الْمَخْلُوقِينَ. وَأَنَّ حِفْظَ اللِّسَانِ يَكُونُ سَبَبًا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ. وَتَقْوِيَةِ الْإِيمَانِ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَعَدَمِ السَّمَاعِ لِكَلَامِ النَّمَّامِ الَّذِي يَنِمُّ بِهِ عَنِ الْآخَرِينَ. وَالتَّأَدُّبِ بِآدَابِ الْإِسْلَامِ وَالْأُخُوَّةِ الْإِيمَانِيَّةِ([14]).
---------
([1]) انظر: فتح الباري، (10/469).
([2]) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان، (4/837).
([3]) صحيح موقوفًا – رواه المنذري في (الترغيب والترهيب)، (3/329).
([4]) المجالسة وجواهر العلم، للدينوري (5/166)، (رقم1992).
([5]) انظر: موسوعة الأخلاق الإسلامية، (2/420).
([6]) أدب الدنيا والدين، (ص266)؛ عيون الأخبار، (2/23).
([7]) انظر: إحياء علوم الدين، (3/156)؛ تحفة الأحوذي، (6/145).
([8]) تفسير مقاتل، (4/838).
([9]) قَتَّاتٌ: هُوَ النَّمَّام. يُقَالُ: قَتَّ الْحَدِيثَ يَقُتُّه؛ إِذَا زَوَّرَهُ وهَيَّأه وسَوّاه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (4/11).
([10]) الزواجر عن اقتراف الكبائر، (2/37).
([11])بريقة محمودية، لأبي سعيد الخادمي (3/193).
([12]) انظر: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، (11/5671).
([13]) موارد الظمآن لدروس الزمان، (5/10).
([14]) انظر: موسوعة الأخلاق الإسلامية، (3/30).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم