عناصر الخطبة
1/حديث بعث معاذ إلى اليمن 2/أولويات الدعوة إلى الله تعالى 3/أسس مخاطبة أهل الكتاب 4/تحريم الظلم وتخويف الظالم 5/إباحة الدعاء للمظلوم 6/كيفية الدعوة إلى الإسلام.اقتباس
وفي هذا الحديث: تحريم الظلم، وتخويف الظالم، وإباحة الدعاء للمظلوم عليه، والوعد الصدق بأن الله -تعالى- يستجيب للمظلوم فيه، غير أنه قد يُعجّل الإجابة فيه، وقد يُؤخّرها إملاءً للظالم.
الخطبةُ الأولَى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:
عباد الله: في الحديث المتفق عليه؛ "أن معاذًا -رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب؛ فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؛ فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة؛ فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تُؤخَذ من أغنيائهم فتُردّ في فقرائهم؛ فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
في هذا الحديث فوائد ودروس وأُسُس ووصايا علَّمها النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ ويهتدي بها كل أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ فقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذًا -رضي الله عنه- إلى اليمن قيل سنة عشر قبل حجة الوداع؛ كما ذكره البخاري في أواخر المغازي، واتفقوا على أنه لم يزل باليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها.
وبلاد اليمن تشمل جنوب الجزيرة العربية كلها، ونقل ياقوت الحموي -رحمه الله- قول الأصمعي أن اليمن وما اشتمل عليه حدودها بين عمان إلى نجران، ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن إلى الشحر، حتى يجتاز عمان فينقطع من بينونة وبينونة بين عمان والبحرين، وليست بينونة من اليمن، وفيه حضارات قديمة؛ كمملكة بلقيس زمن سليمان -عليه السلام-، وسميت اليمن بذلك قال البخاري -رحمه الله-: لأنها على يمين الكعبة، والشام لأنها عن يسار الكعبة.
في الحديث: التوطئة للتوصية لتستجمع همّته؛ لأن مخاطبة أهل الكتاب ليست كمخاطبة المشركين وعبدة الأوثان، فأهل الكتاب -يعني اليهود والنصارى- هم أهل علم سابق، وقد كانوا في اليمن أكثر من مشركي العرب أو أغلب، وإنما نبّهه على هذا؛ ليتهيأ لمناظرتهم، ويُعِدّ الأدلة لإفحامهم.
والمراد ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؛ أي إلى عبادة الله والشهادة لمحمد -عليه الصلاة والسلام- بالرسالة، وهي أصل الدخول في الإسلام، وبقية أركان الإسلام وشرائع الدين مندرجة تحتها.
وفي البداءة بالشهادتين لأن ذلك أصل الدين، البداءة بالأهم فالأهم، وقال القاضي عياض أمره معاذًا أن يدعوهم أولاً بتوحيد الله، وتصديق نبوة محمد دليل على أنهم ليسوا بعارفين الله -تعالى-، وهو مذهب حُذّاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله -تعالى-، وإن كانوا يعبدون ويظهرون معرفته.
ثم أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- إن هم "أطاعوا لك بذلك"؛ أي شهدوا وانقادوا، "فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة"، وفي هذا بيان أهمية إقامة الصلاة والمحافظة عليها ثم إن هم (أطاعوا لذلك)؛ أي أدوا وانقادوا، "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم"، وهذه الصدقة هي الزكاة وهي في أموالهم تُعطى للفقير من أهل البلد، ولا تنقل إلى بلد آخر إلا بتحقق مصلحة راجحة كمجاعة واقعة بالمسلمين، وفيه الحديث أنه يجوز للإمام صرف الزكاة إلى صنف واحد من أهل الزكاة؛ إذا رأى مصلحة في ذلك.
ثم حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من أخذ كرائم الأموال، والكرائم جمع كريمة التي تكرم على أصحابها لحاجتهم إليها وانتفاعهم بها من الأنعام وغيرها، وهي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف.
وفقنا الله لطاعته أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
عباد الله: في وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- في هذا الحديث تحريم الظلم، وتخويف الظالم، وإباحة الدعاء للمظلوم عليه، والوعد الصدق بأن الله -تعالى- يستجيب للمظلوم فيه، غير أنه قد يُعجّل الإجابة فيه، وقد يُؤخّرها إملاءً للظالم؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: 102].
وكما قد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله -تعالى- يرفع دعوة المظلوم على الغمام، ويقول لها: لأنصرنك ولو بعد حين"(رواه الترمذي)، ودعوة المظلوم ليست للصالح من عباد الله، بل ولو كان فاسقًا أو فاجرًا؛ قال النبي -عليه الصلاة والسلام: "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه"(رواه الإمام أحمد).
قال النووي: ومعنى ليس بينها وبين الله حجاب؛ أي أنها مسموعة لا تُرَدّ، في هذا الحديث ثلاث أركان من أركان الاسلام وهي الشهادتان وإقامة الصلاة وأداء الزكاة؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ولم يذكر في هذا الحديث الصيام؛ لأنه تبع وهو باطن ولا ذكر الحج؛ لأن وجوبه خاص ليس بعام، وهو لا يجب في العمر إلا مرة.
وقال -رحمه الله-: والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة: اعتقادي وهو الشهادة، وبدني وهو الصلاة، ومالي وهو الزكاة، اقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرّع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدني محض والحج بدني مالي، وأيضًا فكلمة الإسلام هي الأصل وهي شاقة على الكفار، والصلوات شاقة لتكررها، والزكاة شاقة لما في جبلة الإنسان من حب المال؛ فإذا أذعن المرء لهذه الثلاثة كان ما سواها أسهل عليه بالنسبة إليها. والله أعلم.
وأما كيفية الدعوة إلى الإسلام، فقد نقل الإمام العيني -رحمه الله- قول شيخه زين الدين باعتبار أصناف الخلق في الاعتقادات: "فلما كان إرسال معاذ إلى مَن يُقِرّ بالإله والنبوات وهم أهل الكتاب؛ أمره بأول ما يدعوهم إلى توحيد الإله والإقرار بنبوة محمد؛ فإنهم وإن كانوا يعترفون بإلهية الله -تعالى- ولكن يجعلون له شريكًا لدعوة النصارى أن المسيح ابن الله -تعالى-، ودعوة اليهود أن عزيرًا ابن الله -سبحانه عما يصفون-، وأن محمدًا ليس برسول الله أصلاً، أو أنه ليس برسول إليهم على اختلاف آرائهم في الضلالة؛ فكان هذا أول واجب يدعون إليه".
وأضاف -رحمه الله- قول القاضي عياض: "أمره معاذًا أن يدعوهم أولاً إلى توحيد الله وتصديق نبوة محمد، دليل على أنهم ليسوا بعارفين الله -تعالى-، وهو مذهب حذاق المتكلمين في اليهود والنصارى أنهم غير عارفين الله -تعالى- وإن كانوا يعبدون ويظهرون معرفته".
ثبتنا الله على دينه حتى نلقاه.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم