تفسير قوله تعالى: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن)

إسماعيل القاسم

2025-04-11 - 1446/10/13 2025-05-13 - 1446/11/15
عناصر الخطبة
1/أسباب الحياة السعيدة 2/أسس قبول العمل الصالح 3/معالم الحياة الطيبة 4/ انتفاع الكافر بعمله في الدنيا دون الآخرة 5/جزاء المعرضين عن الطاعة 6/أسباب للحياة الطيبة السعيدة.

اقتباس

ولا تُسمَّى الأعمال الصالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتضٍ لها فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات؛ فمَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح فإن له الحياة الطيبة؛ لأن الإيمان بالله شرط للحياة الطيبة؛ فلو كان غير مؤمن لما قُبِلَ منه ذلك العمل الصالح.

الخطبةُ الأولَى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]؛ أما بعد:

 

معشر المسلمين: ذكر الله -تعالى- في كتابه الكريم أسبابًا للحياة السعيدة؛ فقال -سبحانه-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97]؛ ففي هذه الآية الكريمة بيَّن أن كل عامل سواء كان ذكرًا أو أنثى عمل عملاً صالحًا فإنه -جل وعلا- يقسم ليُحيينه حياة طيبة، والطيب ما يطيب ويحسن وهو وعد بخيرات الدنيا، بالعافية والصحة وراحة البال ويوفق الله عبده إلى مرضاته، ويرزقه من النعم الظاهرة والباطنة.

 

والعمل الصالح أصل قبوله الإخلاص في أدائه؛ قال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البينة: 5]، والثاني: المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال -تعالى-: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر: 7].

 

ولا تسمى الأعمال الصالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتضٍ لها فإنه التصديق الجازم المثمر لأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات؛ فمَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح فإن له الحياة الطيبة؛ لأن الإيمان بالله شرط للحياة الطيبة؛ فلو كان غير مؤمن لما قُبِلَ منه ذلك العمل الصالح.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وربط السعادة مع إصلاح العمل به في مثل قوله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل: 97]، وقوله: (وَمَن أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعيَهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعيُهُم مَشكُورًا)[الإسراء: 19]، وأحبط الأعمال الصالحة بزواله في مثل قوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ)[النور: 39]، وقوله: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ)[إبراهيم: 18]، وقوله: (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ)[آل عمران: 117]، وقوله: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)[الفرقان: 23]، ونحو ذلك كثير".

 

قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذا الآية؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97]: هذا "وعد من الله -تعالى- لمن عمل صالحًا، وهو العمل المتابع لكتاب الله -تعالى- وسُنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- مِن ذَكر أو أنثى، من بني آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت".

 

عباد الله: وقوله -تعالى-: (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) على التبيين ليعمّ الوعد النوعين جميعًا دفعًا للتخصيص؛ وقال الطبري -رحمه الله-: "من عمل بطاعة الله، وأوفى بعهود الله إذا عاهد من ذكر أو أنثى من بني آدم وهو مؤمن: يقول: وهو مصدّق بثواب الله الذي وعد أهل طاعته على الطاعة، وبوعيد أهل معصيته على المعصية؛ (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).

 

ونقل القرطبي -رحمه الله- في معنى الحياة الطيبة أقوالاً منها: أنها الرزق الحلال، أو أنها القناعة، أو أن يُوفَّق العبد إلى الطاعات فإنها تُؤديه إلى رضوان الله، أو أن الحياة الطيبة هي السعادة، أو أنها هي حلاوة الطاعة، أو أنها هي المعرفة بالله، وصدق المقام بين يدي الله، أو أنها الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق. وقيل: الرضا بالقضاء.

 

عباد الله: والحياة الطيبة ينالها المؤمن في الدنيا وفي الآخرة؛ فمن أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة، وفي قوله: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، من أصناف اللذات في الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.

 

 وأما غير المؤمن فقد دلت آيات من كتاب الله على انتفاع الكافر بعمله في الدنيا، دون الآخرة؛ كقوله -تعالى-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)[الشورى: 20].

 

قال الإمام البيضاوي -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً): "في الدنيا يعيش عيشًا طيبًا فإنه إن كان موسرًا فظاهر، وإن كان معسرًا يطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة، وتوقع الأجر العظيم في الآخرة؛ بخلاف الكافر فإنه إن كان معسرًا فظاهر، وإن كان موسرًا لم يدعه الحرص وخوف الفوات أن يتهنأ بعيشه، وقيل في الآخرة".

 

وقال ابن القيم -رحمه الله-: خصهم -سبحانه وتعالى- بالحياة الطيبة في الدارين، ومثله قوله -تعالى-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)[هود: 3]، ومثله قوله -تعالى-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ  وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)[النحل: 30]، ومثله قوله -تعالى-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ  وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ)[الزمر: 10]؛ فبيَّن -سبحانه- أنه يُسْعِد المحسن بإحسانه في الدنيا وفي الآخرة؛ كما أخبر أنه يَشقى المسيء بإساءته في الدنيا والآخرة؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 124].

 

رزقنا الله وإياكم السعادة في الدنيا والآخرة.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

 

معشر الأخوة: وعد الله مَن آمَن بما يجب الإيمان به مِن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وأدوا الصالحات بالنعيم في الدنيا والآخرة؛ قال -سبحانه-: (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)[غافر: 40]، ومن أعرض عن الله وشرعه؛ قال الله فيه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124].

 

ثم اعلموا أن الحياة الطيبة السعيدة الهنية في العمل الصالح بالمحافظة على الصلاة جماعة؛ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "وجُعِلَت قرة عيني في الصلاة"، وذِكْر الله دومًا ومنه تلاوة القرآن الكريم؛ قال -تعالى-: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28]، والإيمان بالله وتوحيده وبِرّ الوالدين والصدقة والبذل والصلة وحسن الخلق وتلمُّس حاجات المحتاجين وكفّ الأذى كلها أسباب للحياة الطيبة السعيدة.

 

المرفقات

تفسير قوله تعالى (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن).doc

تفسير قوله تعالى (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن).pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات