عناصر الخطبة
1/الفرق بين البلوغ والرشد 2/اهتمام العالم بحقوق الطفل الأساسية 3/حقوق الطفل في الإسلام 4/ضوابط تأديب الأطفال 5/وجوب حماية الأطفال من الأمور المنافية للفطرة والأديان.اقتباس
من أهملَ تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سُدى، فقد أساءَ إليه غاية الإساءة، وأكثرُ الأولاد إنما جاءهم الفساد من قبل الآباء وإهمالهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله...
حديث اليوم عن حقٍ بالغ الأهمية غفل عنه الكثير، وللأسف بعضنا قد استأمن عليه من الله -عز وجل-، ثم استأمن عليه من ولي الأمر، ولكنه فرّط فيه بسبب سوء فهم أو مصلحة خاصة أو غير ذلك... حديث اليوم عن حقوق الطفل.
الطفل هو من لم يصل إلى البلوغ، ليكون أهلاً للتكاليف الشرعية. وفرق بين البلوغ، وبين الرشد الذي هو: الصلاح في المال لا غير وهذا عند أكثر العلماء. ومن هنا فقد يبلغ الإنسان لكنه لا يصل إلى الرشد.
والرشد قد يأتي مع البلوغ، وقد يتأخر عنه قليلاً أو كثيرًا، تبعًا لتربية الشخص واستعداده وتعقُّد الحياة الاجتماعية أو بساطتها، وكثيرًا ما يتحدث العالم عن حقوق الطفل. ولذا اهتمت المعاهدات الدولية ذاتُها بحقوق الطفل، كما في اتفاقية حقوق الطفل المشهورة الدولية 1989م، التي تحدثت عن حقوق الطفل الأساسية: كالحق في الحياة، وفي الرعاية الصحية، وفي التعليم، وفي التعبير، وفي كرامته، وسلامة جسده.. وكالحقوق المتصلة بأسرته أو والديه، بإقامته معهم، وحقه في الحصول على جنسية دولة ما منذ ولادته، وله أيضًا حقوق ثقافية.. وكذلك حقوق خاصة بحمايته في مجال التجريم والعقاب، وأيضا هناك لفته لحقوق الأطفال أصحاب الاحتياجات الخاصة أو المعاقين.
وهذه الحقوق التي يتحدث عنها الكثير في الأنظمة والقوانين العالمية تنسجم مع التشريع الإسلامي بشكل عام، الذي سبقهم في تنظيم تلك الحقوق، تنظيمًا دقيقًا يسبق مولد الطفل ويواكب نشأته ويستهدف حفظ بدنه وصحته وإنماء ذهنه وإحياء ضميره، وتحسين خلقه، حتى يبلغ الحلم ويتحمل تبعة التكليف الشرعي الإيمان والعمل الصالح، فيسهم في عمران الكون ويحقق الخير لذاته وأمته، ومن أمثلة ذلك:
أولاً: الاعتناء باختيار شريك الحياة قبل الزواج وقبل ولادة الطفل.
وقد دلت على ذلك أدلة كثيرة، كما في قوله -تعالى-: (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَو أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَو أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[البقرة: 221].
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَونَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ، فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(رواه الترمذي وابن ماجه)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"(رواه مسلم).
ثانيًا: الاهتمام بحق الحياة، وهذا عام خاص للصغار والكبار، وفيما يخص الصغار جاء اهتمام الإسلام بالجنين وهو في بطن أمه، ثم الرضاعة وتحريم الاعتداء عليه.. وما يتلوها من إحسان؛ قال الله -تعالى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَولَادَهُنَّ حَولَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)[البقرة: 233]، وفي تحريم الاعتداء عليه: (قُلْ تَعَالَوا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَولَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[الأنعام: 151].
ثالثًا: حق النسب: يضمن الإسلام للطفل حق النسب والانتساب لأبيه حتى لا يكون عُرضة للجهالة ومن ثَم ضياع حقوق أخرى مثل الإنفاق والإرث.. قال الله -تعالى-: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ)[الأحزاب: 5].
رابعًا: حق النفقة؛ فقد أجمع أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.(المغني لابن قدامة ج11ص373). وقد دل على ذلك الكتاب والسنة؛ فمن الكتاب قوله -تعالى-: (وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 233]، ومن السُّنة قوله -صلى الله عليه وسلم- لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"(رواه البخاري).
والنفقة على الأولاد، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم وكل ما يحتاجون إليه، وتُقدَّر بالمعروف، ويُرَاعى فيها حال الزوج؛ لقوله -تعالى-: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق: 7]، وهذا يختلف من بلدٍ لآخر، ومن شخصٍ لآخر. وإذا لم يستطع الوالد الإنفاق على ولده فلهم حق الإعاشة من بيت مال المسلمين.
وبالمناسبة يجب الحذر من الإسراف في النفقات على الأهل والأبناء في المطاعم والمآكل والمشارب.. قال الإمام ابن كثير في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)؛ أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، (كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، كما قال: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا)[الإسراء: 29]، وروي في الأثر: "ما أحسن القصد في الغنى، وأحسن القصد في الفقر، وأحسن القصد في العبادة".
خامسًا: حق التربية والتعليم... وحق التعليم شامل للكبار والصغار. ويتأكد من الصغر فإلى الآباء وإلى المعلمين وإلى مدراء المدارس وإلى رجالات التعليم؛ هذا حق ثابت منصوص عليه بالأنظمة والقوانين الدولية والمحلية وقبل ذلك في الشريعة الإسلامية؛ قد استأمنكم الله -عز وجل- ثم استأمنكم ولاة الأمور فهل أديتم هذا الأمانة واستعددتم لها يوم الحساب.. يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 7]. روي عن علي -رضي الله عنه- في تفسير الآية: "عَلِّموهم وأدِّبُوهم".
قال ابن القيم -رحمه الله-: "من أهملَ تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سُدى، فقد أساءَ إليه غاية الإساءة، وأكثرُ الأولاد إنما جاءهم الفساد من قبل الآباء وإهمالهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا..."(تحفة المولود في أحكام المولود ص38).
سادسًا: حق الطفل في الترفيه واللعب. وهذا الحق مما اعتنت به الشريعة الإسلامية، وقد عقد الإمام ابن مفلح -رحمه الله- فصلاً في "استحباب الانبساط والمداعبة مع الزوجة والولد"... ويكفي في هذا حديث عائشة -رضي الله عنها-: "كنت ألعب بالبنات عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل يتقمعن منه فيسربهن إليَّ فيلعبن معي".
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أيها الإخوة: والطفل الذي لم يبلغ مرفوع عنه القلم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة؛ عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق"، ولا يعني ذلك أن لا يُعزَّر الطفل ولا يُؤدَّب، فإن الصبي المميز يُؤدَّب ويُعزَّر على ما ارتكب من جناية أو فاحشة حسب ظروف واقعته بما يراه الإمام أو من ينوب عنه مصلحة في ذلك، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.
قال الشوكاني: "أقول: قد تقرر أن جناية الصبي والمجنون مضمونة من مالهما؛ لأن ذلك من أحكام الوضع لا من أحكام التكليف".
وقال الفقيه الكاساني الحنفي: "أما شرط وجوب التعزير فالعقل فقط.. فيُعزَّر كل عاقل ارتكب جناية ليس لها حد مقدر، سواء كان حرًّا أو عبدًا، ذكرًا أو أنثى، مسلمًا أو كافرًا، بالغًا أو صبيًّا بعد أن يكون عاقلاً؛ لأن هؤلاء من أهل العقوبة، إلا الصبي العاقل فإنه يُعزَّر تأديبًا لا عقوبة؛ لأنه من أهل التأديب، ألا ترى إلى ما روي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا"(سنن أبي داوود ج1ص133). وذلك بطريق التأديب والتهذيب لا بطريق العقوبة؛ لأنها تستدعي الجناية، وفعل الصبي لا يوصف بكونه جناية".
وذكر القرافي في الفرق بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير، في الرابع من الفروق: أن التعزير تأديب يتبع المفاسد، وقد لا يصحبها العصيان في كثير من الصور، كتأديب الصبيان والبهائم والمجانين استصلاحا لهم مع عدم المعصية".
وأخيرًا أيها الإخوة: يجب الانتباه لما يُروّج اليوم عنه في بعض المحافل الغربية ووسائل إعلامهم من إعطاء الطفل حق تغيير الجنس وحق ممارسة الشذوذ وما شابه ذلك من الأمور المنافية للفطرة والأديان والعقول، فهذه -والله- قمة الفساد والانحطاط الخلقي والأخلاق.
وما قلب الله -جل جلاله- قرى قوم لوط عاليها بسافلها إلا لممارستهم جزءًا من هذا الانحطاط.. سرى لوط بأهله كما وصف الله بقطع من الليل، ثم أمر الله جبريل -عليه السلام- فأدخل جناحه تحت مدائنهم فاقتلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب، ثم جعل عاليها سافلها، وأمطرت عليهم حجارة من سجيل.
عافانا الله وإياكم من ذلك.
وصلوا وسلموا....
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم