خطبة عيد الأضحى 1446

سليمان الحربي

2025-06-06 - 1446/12/10 2025-06-03 - 1446/12/07
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/تأملات في خطبة الوداع 2/فضل يوم النحر 3/الاختبار والابتلاء سنة ربانية 4/كثرة الفتن والمشتتات 5/وجوب توقي الفتن وعدم التعرض لها 6/من سنن الأضحية 7/ العيد فرصة للتواصل والتصافي.

اقتباس

فَمَنْ كَانَ عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهَاتِ وَالمَصَائِبِ يَثْبُتُ إِيمَانُهُ وَلَا يَتَزَلْزَلُ، وَيَدْفَعُهَا بِمَا مَعَهُ مِنَ الحَقِّ، وَعِنْدَ وُرُودِ الشَّهَوَاتِ المُوجِبَة وَالدَّاعِيَة إِلَى المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، أَوِ الصَّارِفَة عَنْ مَا أَمَرَ الله بِهِ وَرَسُولُهُ، يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى الإِيمَانِ، وَيُجَاهِدُ شَهْوَتَهُ؛ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِ وَصَحَّتِهِ....

الخُطْبَة الأُولَى:

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.

 

اللهُ أكبرُ كُلَّما طَلَبَ عَبدٌ مِنْ ربِّه العَفْوَ والغُفْرَانَ، اللهُ أكبرُ كلَّما أحرَم المُسلِمونَ وذَبَحُوا للهِ مِن الأَضاحِي والقُربانِ، اللهُ أكبرُ عَدَدَ ما أفاضَ الْمَولى منَ النِّعَمِ والإِحْسَانِ، اللَّهُمَّ لَكَ الحمدُ بالإيمانِ، ولكَ الحمدُ بالقُرْآنِ، وَلَكَ الحَمْدُ بالأمْنِ والأمَانِ.

 

نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ الدَّيَانُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ بَعَثَهُ اللهُ بالرَّحمَةِ لِلإِنْسِ والجَآنِّ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ، وَإِمَامِ الأَصْفِيَاءِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَوْفِيَاءِ، وَمَنْ تَبِعَهم بإِحْسَانٍ وِإِيمَانٍ إلى يَومِ الجَزاءِ.

 

أمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ: خَيْرُ مَا يُوصَى بِهِ الأَنَامُ تَقْوَى المَلِكِ العَلَّامِ، فَاتَّقوا اللهَ فِي الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ تَفُوزُوا بِالْحُسْنَى وَزِيَادَةٍ، وَاحْمَدُوا اللهَ عَلَى هَذَا الدِّينِ العَظِيمِ، وَاشْكُرُوهُ بِهَذَا العِيدِ السَّعيدِ، فَعيدُنا شُكْرٌ للهِ عَلَى عَطَايَاهُ، عِيدُنا تَوحِيدٌ خَالِصٌ وَعِبَادَةٌ وَعَقِيدةٌ للهِ ربِّ العالَمِينَ؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 162].

 

مَعْشَر الإِخْوَة: فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ وَقَفَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المِنْبَرِ فِي مَكَّةَ فِي حَجَّتِهِ الَّتِي سُمِّيَتْ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ؛ فَقَالَ أُصُولًا عَظِيمَةً مِنْ أُصُولِ الإِسْلَامِ، وَهِيَ مِنْ أَوَاخِرِ وَصَايَاهُ الَّتِي لَمْ يَعِشْ بَعْدَهَا طَوِيلاً؛ فَقَدْ حَذَّرَ مِنَ الشِّرْكِ، وَحَذَّرَ مِنَ القَطِيعَةِ وَالتَّدَابُرِ وَالاقْتِتَالِ، وَحَرَّمَ فِيهَا دَمَ المُسْلِمِ وَمَالَهُ وَعِرْضَهُ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ».

 

مَعْشَر الإِخْوَة: فِي هَذَا اليَوْمِ يُخْتَمُ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، فَيَوْمُكُمْ هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، هُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، وَهُوَ آخِرُ الأَيَّامِ المَعْلُومَاتِ، وَأَوَّلُ الأَيَّامِ المَعْدُودَاتِ.

 

فِي هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ يَجْتَمِعُ الحُجَّاجُ لِيُؤَدُّوا فِيهِ مُعْظَمَ مَنَاسِكِ الحَجِّ، وَيَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِالعَجِّ وَالثَّجِّ، فِيهِ يَرْمُونَ الجَمْرَةَ الكُبْرَىَ، وَيَنْحَرُونَ الهَدَايَا، فِيهِ يَحْلِقُونَ رُؤوسَهُمْ، وَيَطُوفُونَ بِالبَيْتِ العَتِيقِ، وَيَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ بِسَكِينَةٍ وَتَحْقِيقٍ، فِي هَذَا اليَوْمِ يَشْتَرِكُ الحُجَّاجُ وَغَيْرُ الحُجَّاجِ بِإِرَاقَةِ دِمَاءِ الهَدْي وَالأَضَاحِي تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

 

قَالَ -تَعَالَى-: (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الحج: 37]، وَقَالَ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة: 27]؛ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «المُرَاد بِالتَّقْوَى هُنَا اتِّقَاءَ الشِّرْكِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَمَنِ اتَّقَاهُ وَهُوَ مُوَحِّدٌ فَأَعْمَالُهُ الَّتِي تَصْدُقُ فِيهَا نِيَّتُهُ مَقْبُولَةٌ».

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.

 

مَعْشَر الإِخْوَة: يَأْتِي عَلَى المُؤْمِنِين أَوْقَاتٌ يُخْتَبَرُ فِيهَا إِيمَانُهُمْ، ويُبْتَلَى صِدْقُهُمْ وَثَبَاتُهُمْ، فَكَمْ فِي القُرْآنِ مِنَ الآيَاتِ المُنَبِّهَةِ عَلَى هَذِهِ الحِكْمَةِ؟! أَوَلَيْسَ اللهُ يَقُولُ: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ)[العنكبوت:2].

 

فَحِكْمَتُهُ لَا تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ قَال: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَادَّعَى لِنَفْسِهِ الإِيمَانَ، أَنْ يَبْقوا فِي حَالَةٍ يسْلمُونَ فِيهَا مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ وَالأَمْرَاضِ وَالمَصَائِبِ، وَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِمْ إِيمَانِهِمْ وَفُرُوعَهُ، فَإِنَّهُمْ لَوْ كَان الأَمْرُ كَذَلِكَ، لَمْ يَتَمَيَّزِ الصَّادِقُ مِنَ الكَاذِبِ، وَالمُحِقُّ مِنَ المُبْطِل.

 

وَلَكِنَّ سُنَّةَ الله وَعَادَتَهُ فِي الأَوَّلِينَ وَفِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالعُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَالغِنَى وَالفَقْرِ، وَإِدَالَةِ الأَعْدَاءِ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الأَحَيْانِ، وَمُجَاهَدَةِ الأَعْدَاءِ بِالقَوْلِ وَالعَمَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الفِتَنِ الَّتِي تَرْجِعُ كُلُّهَا إِلَى فِتْنَةِ الشُّبُهَاتِ المُعَارِضَةِ لِلْعَقِيدَةِ، وَالشَّهَوَاتِ المُعَارِضَةِ لِلإِرَادَةِ.

 

فَمَنْ كَانَ عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهَاتِ وَالمَصَائِبِ يَثْبُتُ إِيمَانُهُ وَلَا يَتَزَلْزَلُ، وَيَدْفَعُهَا بِمَا مَعَهُ مِنَ الحَقِّ، وَعِنْدَ وُرُودِ الشَّهَوَاتِ المُوجِبَة وَالدَّاعِيَة إِلَى المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، أَوِ الصَّارِفَة عَنْ مَا أَمَرَ الله بِهِ وَرَسُولُهُ، يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى الإِيمَانِ، وَيُجَاهِدُ شَهْوَتَهُ؛ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِ وَصَحَّتِهِ.

 

وَمَنْ كَانَ عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهَاتِ تُؤَثِّرُ فِي قَلْبِهِ شَكًّا وَرِيَبًا، وَعِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّهَوَاتِ تَصْرِفُهُ إِلَى المَعَاصِي أَوْ تَصْرِفُهُ عَنِ الوَاجِبَاتِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الفَقْرِ وَالمَرَضِ يُسِيءُ الظَّنَّ وَيَنْقَلِبُ عَلَى وَجْهِهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إِيمَانِهِ وَصِدْقِهِ.

 

وَنَحْنُ اليَوْمَ فِي زَمَنٍ كَثُرَتْ فِيهِ الفِتَنُ وَالمُشَتِّتَاتُ، وَفَسَادُ كَثِير مِنَ النَّاسِ، وَقَدْ أَخْبَرَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى القُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عَودًا عَودًا»، أَيْ: أَنَّ الفِتَنَ تُؤَثِّرُ عَلَى القَلْبِ كَمَا يُؤَثِّرُ الحَصِيرُ عَلَى النَّائِمِ؛ وَذَلِكَ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ عَلَى الظَّهْرِ إِذَا قَامَ مِنْ نَوْمِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةً، كُلَّمَا كَثُرَ النَّوْمُ عَلَيْهِ كُلَّمَا ظَهَرَ أَثَرُهُ أَكْثَرَ، وَهَذَا شَيْءٌ مُشَاهَدٌ.

 

وَقِيْلَ فِي ضَبْطِهِ: «عَوْدًا عَوْدًا»؛ وَذَلِكَ أَنَّ نَاسِجَ الْحَصِيرِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلَّمَا صَنَعَ عُودًا أَخَذَ آخَرَ وَنَسَجَهُ، فَشَبَّهَ عَرضَ الْفِتَنِ عَلَى الْقُلُوبِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى بِعَرْضِ قُضْبَانِ الْحَصِيرِ عَلَى صَانِعهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ.

 

قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا -أَوْ عَوْدًا عَوْدًا- فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا»، أَيْ: قَبِلَهَا وَسَكَنَ إِلَيْهَا وَخَالَطَهَا وَوَافَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا، «نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ»، أَيْ: أَصْبَحَ لَهَا أَثَرٌ فِي قَلْبِهِ، «وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ؛ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ»؛ وَذَلِكَ لِصَلَابَتِهِ وَمَلَاسَتِهِ وَشِدَّتِهِ، وَعَدَمِ تَأَثُّرِه، فَلَمْ تَلْتَصِقْ بِهِ هَذِهِ الفِتْنَةُ بَلْ أَنْكَرَهَا.

 

«وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا»، أَيْ: فِيهِ سَوَادٌ وَغَبْرَةٌ «كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا»، وَالكُوزُ: الإِنَاءُ الَّذِي يُشْرَبُ بِهِ المَاءُ، وَقَوْلُهُ: «مُجَخِّيًا»، أَيْ: مَائِلٌ مَنْكُوسٌ، فَهُوَ قُلِبَ ونُكِّسَ حَتَّى لَا يَعْلَق بِهِ خَيْرٌ وَلَا حِكْمَةٌ؛ كَالكَأْسِ المَنْكُوسِ وَالمَائِلِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلِقَ بِهِ المَاءُ.

 

«لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».

هَذِهِ نِهَايَةُ الاخْتِبَارُ، فَالنَّاسُ يُخْتَبَرُون بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ!

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

 

أَيُّهَا المُسْلِمُون: هَذَا العِيدُ يَوْمٌ سَعِيدٌ وَعِيدٌ مَجِيدٌ، هَذَا اليَوْمُ أَحَدُ اليَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ جَعَلَهُمَا اللهُ عِيدًا لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَلِلأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي عَامِهَا عِيدَانِ: عِيدُ الفِطْرِ وَعِيدُ الأَضْحَى، عِيدُ الفِطْرِ مِنْ صِيَامِنَا، وَعِيدُ أَكْلِنَا مِنْ نُسُكِنَا؛ رَوَى أَبُو دَاودَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِم النَّبِيُّ المَدِينَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: عِيْدَ الفِطْرِ، وَعِيْدَ الأَضْحَى».

 

فَضَحُّوا ضَحَايَاكُمْ تَقَبَّلَ اللهُ مِنْكُمْ، وَأَبْشِرُوا بِالأَجْزَلِ الجَزِيلِ، «فَمَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ فِي يَوْمِ أَضْحَى أَفْضَلَ مِنْ دَمٍ يُهْرَاقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَحِمًا يُوصَلُ، وَإِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».

 

وَرَوَى البَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا هَذِهِ الأَضَاحِي؟ قَالَ: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-». قَالُوا: مَا لَنَا فِيهَا مِنَ الأَجْرِ؟ قَالَ: «بِكُلِّ قَطْرَةٍ حَسَنَةٌ»، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا عَلَى المُحْتَاجِينَ، وَاهْدُوا لِلأَقَارِبِ وَالأَصْدِقَاءِ، فَإِنَّهَا سُنَّةُ الأُضْحِيَةِ وَالهَدَايَا.

 

ووَقْتُ الذَّبْحِ يَمْتَدُّ مِنْ هَذَا اليَوْمِ بَعْدَ صَلَاةِ العِيدِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ، وَتَكْفِي أَهْلَ البَيْتِ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، والسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا وَيُهْدُوا وَيَتَصَدَّقُوا، وَلْيُسَمِّ المُضَحِّي أُضْحِيَتَهُ فَيَقُولُ إِذَا أَضْجَعَهَا لِلذَّبْحِ عَلَى جَنْبِهَا الأَيْسَرِ مُتَّجِهَةً إِلَى القِبْلَةِ: بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، وَإِنْ كَانَ سَيُشْرِكُ أَحَدًا فَيَقُولُ: عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ مَنْ أَرَادَ ثَوَابَهَا لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُوصَى بِذَبْحِهَا فَيَقُولُ: عَنْ فُلانَ أَوْ فَلَانَةَ.

 

فَالحَمْدُ اللهِ الَّذِي هَدَانَا لِدِينِنَا، وَشَرَعَ لَنَا أَنْسَاكَنَا، وَعَلَّمَنَا مَا بِهِ يَرْضَى عَنَّا.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

 

وَفِي هَذَا اليَوْمِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَتَزَاوَرُ النَّاسُ وَيَتَصَافَحُونَ، وَيَتَوَاصَلُ القَرِيبُ مَعَ قَرِيبِهِ، وَالصَّدِيقُ مَعَ صَدِيقِهِ، فَإِنَّ الصِّلَةَ مِنْ أَخَصِّ مَعَانِي العِيدِ، فَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ مِنَ الغِلِّ وَالحِقْدِ وَالكَرَاهِيَّةِ، وَأَشِيعُوا السَّلَامَ وَالعَفْوَ وَالصَّفْحَ، وَلَا يَزِيدُ اللهُ بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا.

 

أَعَادَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ المُسْلِمِينَ صَالِحَ الأَعْمَالِ.

 

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ الهُدَى وَإِمَامِ الوَرَى؛ فَقَدْ أَمَرَكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نِبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهْدِيينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ المُعْتَدِينَ وَالنَّصَارَى المُحَارِبِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكِ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا يُرْضِيكَ وَجَنِّبْهُمْ مَعَاصِيكَ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَى التَّائِبِينَ، وَاهْدِ ضَالَّ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ رُدَّهُمْ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، اللَّهُمَّ ارْفَعْ مَا نَزَلَ مِنَ الفِتَن.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

 

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

المرفقات

خطبة عيد الأضحى 1446.doc

خطبة عيد الأضحى 1446.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات