خطبة عيد الفطر 1446هـ

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2025-03-31 - 1446/10/02 2025-04-22 - 1446/10/24
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/كلمات في وداع رمضان 2/التذكير بنعمة الأمن ووجوب المحافظة عليها 3/الحث على محاسبة النفس والمداومة على الطاعات 4/من آداب العيد 5/وصايا للنساء والتحذير من بعض الأخطاء

اقتباس

لا بأس في العيد أن يفرح المسلم ويدخل السرور على أهله، ولا بأس بشي من اللهو المباح، ولا بأس أن يتجمل الإنسان فإن الله جميل يحب الجمال، ولكن ليس من الفرح أن ينظر إلى ما حرم الله، وليس من الفرح أن يسمع المعازف، وليس من التجمل أن...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالناـ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبلَ منا ومنكم الصيام والقيام.

 

عباد الله: لقد ودعنا بالأمس شهراً عظيماً مباركاً كنا ننتظره بفارغ الصبر، فها نحن الآن نودعه وقلوبنا تتقطع على فراقه، ولا يعرف قدر رمضان إلا من ذاق لذة العبادة فيه.

 

مضى رمضان وها أنتم اليوم تخرجون من بيوتكم معظمين لله بقلوبكم وألسنتكم، تلهج بتكبيره: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.

 

مضى رمضان -عباد الله- وها أنتم اليوم تعيشون العيد فرحين بما مَنَّ الله -عز وجل- عليكم بنعمةِ الصيام والقيام.

 

مضى رمضان وها أنتم -عباد الله- تعيشون يوماً عظيماً توج الله به شهر رمضان، وجعله بداية أشهرِ الحج، إنه يومُ عيدِ الفطر، وهو أحدُ أعياد المسلمين، فالمسلمون ليس لهم إلا عيدان، عيد الفطر وعيد الأضحى، وأما ما سواها فأعياد مبتدعة كعيد رأس السنة وغيرها، أخرج أبو داود في سننه -والحديث صحيح- عن أنس قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال "ما هذان اليومان؟"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر".

 

عباد الله: اشكروا الله -سبحانه وتعالى- كثيراً على نعمه العظيمة ومنها نعمة الأمن، أنتم الآن قد خرجتم من بيوتكم لأداء صلاة العيد، واجتمعتم لأداء هذه الصلاة في أمن وأمان، وهذه نعمة عظيمة، فغيركم لا يستطيعون الخروج خوفاً على أنفسهم وأولادهم وزوجاتهم وأموالهم، فالأمن نعمة عظيمة.

 

عباد الله: حاسبوا أنفسكم فربنا -سبحانه وتعالى- يقول: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18]، علينا أن نحاسب أنفسنا بعد شهر رمضان، هل نحن استفدنا منه؟ هل حصلنا الحكمة التي من أجلها فرض رمضان؟ قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].

 

انظر -يا عبد الله- هل غير رمضان فيك شيء؟ هل ازددت تقوى لربك؟ هل خرجت من هذا الشهر بلباس التقوى؟ (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)[الأعراف: 26]، فإذا كنت تجد أنك ازددت تقوى لربك، وذلك بأن تفعل أوامر الله وتجتنب نواهيه فاحمد الله، وأما إذا كنت ترى من نفسك أنك لم تتغير بل حالك كما هو، تقصر في أوامر الله وتتساهل في نواهي الله فلُمْ نفسك، وفي حديث أبي ذر الحديث القدسي في صحيح مسلم: "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

 

عباد الله: اشكروا الله -سبحانه وتعالى- على ما مَنَّ عليكم بنعمةِ الصيام ونعمةِ القيام ونعمةِ تلاوةِ القرآن؛ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185]، فلنكثر من شكر الله بقلوبنا وبألسنتنا وبجوارحنا.

 

عباد الله: استمروا في الخير وفي الأعمال الصالحة، فالمسلم يعبد الله -سبحانه وتعالى- رب كل شيء وخالق كل شيء، فهو رب رمضان ورب شوال ورب غيره من الشهور.

 

فيا أيها المسلم: استمر في عبادة ربك وداوم عليها، فالمؤمن لا يترك العمل الصالح الذي كان يعمله في رمضان، بل يستمر على عمله حتى يلقى الله -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99]، أي: الموت، جاء سفيانُ بنِ عبدِ الله الثقفي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً، لا أسأل عنه أحد غيرك، قال: "قل: آمنت بالله ثم استقم"(أخرجه مسلم).

 

فلنستمر على العمل الصالح حتى نلقى الله -سبحانه وتعالى-، فإذا كان خرج شهر رمضان فالصيام مشروع للعبد في غيره، أعني صيام النفل، فيصوم الإنسان الست من شوال، وفي مسلم من حديث أبي أيوب: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر"، ويشرع له أن يقوم الليل، ويشرع له الصدقة، ويشرع له قراء ة القرآن، فلا يقطع الإنسان عمله من أجل خروج هذا الشهر بل يستمر في العمل الصالح.

 

عباد الله: إن العيد فرصة عظيمة لنشر المحبة بين المسلمين وإزالة الشحناء والبغضاء من القلوب، وأن نكونَ كما قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10]، فالعيد فرصة عظيمة أن يصل الإنسان قريبه الذي قطعه، وأخاه الذي هجره، العيد فرصة لأن تعفو عمن أساء إليك، قال -تعالى- وهي يذكر صفات المتقين: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 134]، وقال -تعالى-: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[فصلت: 34].

 

عبادَ الله: لا بأس في العيد أن يفرح المسلم ويدخل السرور على أهله، ولا بأس بشي من اللهو المباح، ولا بأس أن يتجمل الإنسان فإن الله جميل يحب الجمال، ولكن ليس من الفرح أن ينظر إلى ما حرم الله، وليس من الفرح أن يسمع المعازف، وليس من التجمل أن يتجمل الإنسان بما حرم الله.

 

أسال الله -تعالى- أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن ينفعنا بما سمعنا، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عبادَ الله: لقد كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخص النساء بموعظته في العيد.

 

أمةَ الله: اعلمي أنك بالنسبة للرجل أنت الأخت وأنت البنت وأنت الزوجة وأنت الأم، اعلمي أنك إن كنت صالحة فإن الله -سبحانه وتعالى- وعدك بالحياة الطيبة، قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

 

فاثبتي -أختاه- على الطريق المستقيم، ولا تغتري بدعاة الضلالة دعاة التبرج والسفور، فالله -عز وجل- أكرمك بالإسلام وأكرمك بالحجاب، ولك في نساء غيرِك من المجتمعات عظةٌ وعبرة، حيثُ أصبحت المرأة في بعض المجتمعات كالسلعة تعرض في المحلات، وتوضع صورها على المبيعات، أصبحت مخدوشةَ الحياء ينال منها الفاسق، فكوني -أختي- كالجوهرة المصونة، لا تمد إليها الأيدي ولا يأتيها الغبار.

 

أختاه: لعلي أنبهك على بعض الأخطاء حتى تحذري منها، فمن ذلك: مصافحةُ الرجال الأجانب الذين ليسوا محارم لك كأخِ الزوج، جاء عند الطبراني وهو حديث حسن عن مَعقل بن يسار، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يطعن أحدُكم بمخيط من حديد في رأسه خير له من أن يمس امرأة لا تحل".

 

ومن الأخطاء التي يجب الحذر منها: الخضوع بالقول مع الرجل الأجنبي، فبعض النساء قد تخضع بالقول وتضحك عند الرجال الأجانب ولو كانوا أبناء عمها، وهذا أمر لا يجوز، قال -تعالى-: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[الأحزاب: 32]، والمقصود بالمرض مرض الشهوة.

 

ومن الأخطاء: الخروج من البيت متطيبة، فيشم الرجال رائحة الطيب، فهذا محرم إذا كانت ستمر برجال أجانب، ولو كان هذا وهي ذاهبةٌ للمسجد، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة".

 

ومن الأخطاء: التي يجب الحذر منها -أيتها المسلمة- التساهل في الحجاب الشرعي، وإليك أختي ضوابط الحجاب الشرعي على عجالة:

أولاً: أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة، فلا يظهر لا الوجه ولا اليد ولا القدم، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 59]، تقول أم سلمه -رضي الله عنها-: "لما نزلت هذا الآية خرج نساء الأنصار يلبسن أكسية سود".

 

ومن شروط الحجاب: ألا يكون زينة، فالحجاب شرعه الله حتى يستر الزينة، فلا يجوز للمرأة أن تلبس العباءة المطرزة والمنقشة وذات الألوان؛ لأنها تحتاج إلى حجاب يسترها.

 

ومن شروط الحجاب: ألا يكون الحجاب ضيقاً بل يكون واسعاً؛ لكي يحصل الستر، وبذلك تعرفين -أيتها المسلمة- حرمة العباية المخصرة؛ لأنها ضيقة تصف جسم المرأة.

 

وعليك -أيتها الأخت- أن تحذري الملابس الضيقة حتى أمام النساء، وعليك -أيتها الأخت- أن تحذري الألبسة التي فيها تشبه بالكافرات، والألبسة التي فيها تشبه بالرجال.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].

 

 

المرفقات

خطبة عيد الفطر 1446هـ.doc

خطبة عيد الفطر 1446هـ.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات