صنائع المعروف

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2025-06-20 - 1446/12/24 2025-06-24 - 1446/12/28
عناصر الخطبة
1/فضل صنائع المعروف وثمراته 2/من أمثلة صنائع المعروف 3/من آداب صنائع المعروف 4/كف الأذى من صنائع المعروف

اقتباس

وَكُلُّ إِحْسانٍ يُقَدِّمُهُ العَبْدُ لِغَيْرِهِ فَهُو مِنْ صَنائِعِ المَعْرُوف، صَغُرَ الإِحْسانُ أَمْ كَبُر، ولَيْسَ لَصَنائِعِ المَعْرُوفِ حَصْرٌ، ولَيْسَ لِمَداها نِهايَةِ، وكُلَما عَظُمَ أَثَرُ المَعْرُوفِ عَظُمَ عِنْدَ اللهِ جَزاؤُه، ولَمْ يَزل أَرْبابُ المُروءَاتِ يَتَحَيَّنُونَ الفُرَصَ لِيَصْنَعُوا في النَّاسِ مَعْروفاً...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، خَلَقَ فَسوَّى، وقَدَّرَ فَهَدى، أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْماً، وأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدداً، واللهُ يَقُولَ الحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيْل، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ، شَهَادَةً قَامَ عليها في كُلِّ شَيءٍ دَلِيْل، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، بَلَّغَ الرِسالَةَ، وأَدَى الأَمانَةَ ونَصَحَ الأُمَةَ، أَيَدَهُ اللهُ بالتَّنْزِيْل، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلى يَومِ الدِّيْنِ .

 

أَمَّا بعدُ: "فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"، وتَقْوَى اللهِ أَشْرَفُ مَسْلَكٍ وأَكْرَمُ زاد؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5]

 

أيها المسلمون:

 

وَصَنَائِعُ المَعْرُوْفِ تُكسِبُ أَهْلَهَا *** شَرَفاً يُرَفْرِفُ فَوْقَهُمْ بِجَلالِ

وَتَقِيْ مِنَ المَكْرُوْهِ، تَعصِمُ أَهْلَهَا *** مِنْ سُوْءِ عَاقِبةٍ وَمِنْ إِذْلالِ

 

صَانِعُ المعروفِ لن يُخزى، وباذلُ الخيرِ لن يَخسر، ونافعُ الناسِ لَنْ يُنسى، وَنَاشِرُ البِرِّ لَنْ يُقْهَر،  صَانِعُ المَعْرُوْفِ كَرِيْمُ النَّفْسِ كَرِيْمُ الخِصال، وفِيُّ الطَبْعِ جَمِيْلُ الفِعال، يُنَافِسُ إِلى بَذْلِ الخَيْرِ وَنَفْسُهُ لِلعَطَاءِ تَوَّاقَة، وَيُسَارِعُ إِلى المَعْرُوْفِ وَرُوْحُهُ لِلبَذْلِ سَبَّاقَةُ.  

 

صَنَائِعُ المَعْرُوْفِ مَراكِبُ طُهْرٍ ومَنَازِلُ كَرامَة، ومَرابِعُ شَرَفٍ ومَراقِيْ كَمال، صَنائِعُ المَعْرُوفِ بَذْلٌ لِخصالِ الخيرِ صَغِيْرِها وَكَبِيْرِها، وَنَفْعٌ لِعُمومِ النَّاسِ قَرِيْبِهِم وَبَعِيْدِهِمْ، وإحسانٌ لِلخَلْقِ وَرَحْمَةٌ بِهِم. 

 

صَنَائعُ المَعْرُوْفِ هِيَ البَرَكَةُ المَنْشُوْرَةُ والنَّفْعُ المُتَعَدِّيْ، والخيرُ المَبْذُولُ والعَطاءُ المَمْدُوْدُ، قُرُبَاتٌ يُتَاجِرُ بِهَا العُظَمَاءُ، وَيُضَارِبُ فِيْ سُوْقِهَا الكُرَمَاءُ، صَنَائعُ المَعْرُوْفِ مِنْ أَسْمَى سِمَاتِ المُرْسَلِيْن، قَالَ عِيْسَى -عليه السلام- حِيْنَ تَكَلَّمَ في المَهْدِ: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)[مريم: 31]. 

 

صَنَائعُ المَعْرُوْفِ دَافِعَةٌ لِلمَصَائِبِ، مُنْجيَةٌ في الشَّدَائِدِ، مُخَلِّصَةٌ في الأَزَمَاتِ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ نَّصٌ صَحِيْحٌ، وَعَقْلٌ صَرِيْحٌ، اسْتَقَرَّ في نُفُوْسِ الأَسْوِياءِ أَنَّ صَنَائِعَ المعْرُوْفِ تَقِيْ مَوَارِدَ الخزي، وَتَدْفَعُ مَصَارعَ السُوْء.

 

لَمَّا نَزَلَ على رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الوَحْيُ أَوَّلَ ما نَزَل، وجاءَهُ جِبْرِيْلُ -عليه السلامُ- بالرسالةِ أَوَّلَ ما جاءَهُ، فَزِعَ رَسُولُ اللهِ -صل الله عليه وسلم- مما رأَى، فَرَجَعَ إِلى بِيْتِهِ مَذْعُوراً، فَدَخَلَ على زَوجَتِهِ خَدِيْجَةَ -رضي الله عنها- وقَالَ: "زَمِلُونِيْ زَمِلُونِي"، ثُمَّ أَخْبَرَها الخَبَرَ، وَقَالَ: "لَقَدْ خَشِيْتُ على نَفْسِي"، فَقالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: "كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ فَوَاللَّهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ"(رواه البخاري ومسلم).

 

لَقَدْ أَدْرَكَت المرأةُ الصَّالِحَةُ بِفِطْرَتِها، وَعَلِمَتْ بِخِبْرَتِهَا أَنَّ صَانِعَ المعْرُوْفِ لا يُـخْزَى أَبَداً، فَطَمْأَنَتْ رَسُوْلَ الله -صل الله عليه وسلم-، وَذَكَّرَتْهُ مَحَاسِنَ الأَفْعَالِ التي هُوَ عَلَيْهَا، وأَنَّ كَرَمَ البِدَايَةِ الذِيْ سَارَ عَلَيْهِ، لَنْ يَنْتَهِيْ بِهِ إِلا إِلى كَمَالِ النِّهَايَةِ التي يَلِيْقُ بِها.

 

صَنَائعُ المَعْرُوْفِ إِحْسَانٌ مِنْ نَفْسٍ كَرِيْمةٍ وَقَلْبٍ رَحِيْم، وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِيْنَ، وَيَجْزِيَ على الإِحْسَانِ إِحْسَاناً؛ (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60]، إِحْسَانٌ فِيْ عِبَادَةِ اللهِ، وَإِحْسَانٌ إِلى عِبَادِ اللهِ، وصَنائِعُ مَعْرُوفٍ تَصْنَعُ لِصاحِبِها أَعْظَمَ أَسْبابِ السَّعادَةِ وتَفْتَحُ لَهُ أَوسَعَ أَبْوابِ التَوْفِيْق.

 

وَكُلُّ صَنِيْعَةٍ مِنْ مَعْرُوفٍ يُقَدِّمُهَا العَبْدُ، فَإِنَّ اللهَ يَجْزِيَهُ بِمِثْلِها يَوْمَ القِيَامَةِ جزاءً وفاقاً، وَجَزَاءُ اللهِ أَوْفَرُ، وإِحْسَانُه أَكْمَلُ، وَعَطَاؤُهُ أَتَمّ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرو -رضي الله عنهما-، أَنَّ النَّبِيَّ -صل الله عليه وسلم- قَالَ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهمُ الرَّحمنُ"، رَحِمُوا الخَلْقَ فَرُحِموا، صَنَعُوا مَعْرُوفاً فَقُوبِلُوا بِمِثْلِه.

 

وكَذا هِيَ صَنائِعُ المَعْرُوفِ يَصْفُو جَزاؤُها، فَمِنَ الجزاءِ لَها ما هو في الدُّنيا مُعَجَّل، ومِن الجَزاءِ لِصَنائِعِ المَعْرُوفِ مَا هُو مَوفُورٌ في الآخِرَةِ مُؤَجَل، ومَن تَأَمَلَ حَدِيْثَ رَسُولِ اللهِ -صل الله عليه وسلم- أَدْرَكَ نَفاسَةَ صَنائِعِ المَعْرُوفِ، وأَنَّ كُلَّ صَنِيْعَةٍ حَسَنَةٍ مِنَ العَبْدِ سَيُجازِيِهُ اللهُ بِمِثْلِها، قالَ رَسُولُ اللهِ -صل الله عليه وسلم-: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"(رواه مُسْلِم)، فَمَنْ نَفَّسَ نُفِّسَ لَه، ومَنْ يَسَّرَ يُسِّرَ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً ستره الله، وَمَنْ كانَ في عَوْنِ أَخِيْهِ كانَ اللهُ في عَوْنِه، وَمَنْ كانَ في حَاجَةِ أَخِيْهِ كانَ اللهُ في حَاجَتِه.

 

وَكُلُّ إِحْسانٍ يُقَدِّمُهُ العَبْدُ لِغَيْرِهِ فَهُو مِنْ صَنائِعِ المَعْرُوف، صَغُرَ الإِحْسانُ أَمْ كَبُر، ولَيْسَ لَصَنائِعِ المَعْرُوفِ حَصْرٌ، ولَيْسَ لِمَداها نِهايَةِ، وكُلَما عَظُمَ أَثَرُ المَعْرُوفِ عَظُمَ عِنْدَ اللهِ جَزاؤُه، ولَمْ يَزل أَرْبابُ المُروءَاتِ يَتَحَيَّنُونَ الفُرَصَ لِيَصْنَعُوا في النَّاسِ مَعْروفاً، حَتَى أَدْرَكُوا ما لَمْ يُدْرِكُهُ الخامِلُون، وأَقْرَبُ النَّاسِ إِلى بذْلِ المَعْرُوفِ أَكْرَمُهُم أَخلاقاً، وأَلْيَنُهُم قُلُوباً، وأَرَقُّهُم طِباعاً، وأَكْمَلُهُم إِيْماناً.

 

وبِرُّ الوالِدَيْنِ أَعظَمُ صَنائِعِ المَعْرُوف، فَمَنْ ضَيَّعَ هذا المَعْرُوفِ فَهُو لِما سِواهُ أَضْيَع، ومِنْ صَنائِعِ المَعْرُوفِ: إِطْعَامُ الجَائِعِ، وَحَمْلُ المُنْقَطِعِ، وَسَقْيُ الظمآنِ، وَنُصْرَةُ المَظْلُوْمِ، وإِغَاثَةُ المَلْهُوْفِ، وَتَطْبِيْبُ المَرِيْضِ، وَكَفَالَةُ اليَتِيْمِ، ورِعَايَةُ الأَرْمَلَةِ، وَإِرْشَادُ الضّالِّ، وجَبْرُ الخَاطِرِ، وتَسْلِيَةُ المُصابِ، وتَرْبِيَةُ الوَلَدِ، وتَعْلِيْمُ النَّشْءِ، ونَشْرُ العِلْمِ، والأَمْرُ بالمعروفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكِرِ، والإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ، والشَّفَاعَةُ الحَسَنَةِ، والإِفساحُ في الطَرِيِقِ، والتَّفَسُّحُ في المَجالِسِ، وغَيْرُها، وغَيْرُها.

 

صَنائِعُ مَعْرُوفٍ يَطِيْبُ للعَبْدِ جَزاؤُها، وعَنْ عَبدِ اللهِ بِن عَمْرو بن العاصِ -رَضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صل الله عليه وسلم- قال: "أَرْبَعُونَ خَصْلَةً -أَيْ مِنْ خِصالِ المَعرُوفِ- أَعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ -أَيْ: أَعلى هَذِهِ الخِصَالِ وأَكْثَرُهُنَّ كُلْفَةً على صَاحِبِها، أَنْ يَمْنَحَ غَيْرَهُ عَنْزاً لِيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِها- مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا، رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا؛ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ"(رواه البخاري)، إِنَّها صَنائِعُ المَعْرُوف -وإِن صَغُرَت- لَها عِنْدَ اللهِ قَدْراً وقَبُولاً.

 

لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ أَصْغَرَهُ *** أَحْسِنْ فَعَاقِبَةَ الإِحْسَانِ تَرْضاهُ

 

(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 114].

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً. 

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: صَنائعُ المَعْرُوفِ أَخلاقُ العُظَماءُ، ولا يَمْنَعُ المَعْرُوفَ إِلا مَنْ سَفُل، وفي القُرآنِ ذَمٌّ لِمَنْ حَجَبَ الفَضْلَ، وبالإِحْسانِ بَخِل: (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)[الماعون: 6 - 7]، يَمْنَعُونَ النَّاسَ فَضْلَ ما لَدِيْهِم، فَلا يَبْذُلُونَ الإِحْسانَ لَهُم، ولا يُعِيْرُونَهُم ما يَقْضُونَ بِهِ حوَائِجَهُم.

 

وصَانِعُ المَعْرُوفِ حَقاً لا يَمُنُّ بِمَعْرُوفِهِ، ولا يُرائِيْ بِإِحْسانِهِ، يَبْذُلُ الإِحْسانَ، ويَكْسُو البَذْلَ بالأَدَبِ، يَرْجُو الجَزاءَ مِنَ الرحمَنِ مَوفُوراً؛ (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[القصص: 24]، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الإنسان: 8 - 9]. 

 

صَنائِعُ المَعْرُوفِ لَمْ تَزَلْ تُحِيْطُ صَاحِبَها بِأَثَرِها، ولَمْ تَزَلْ تُظِلِّلُهُ بِظِلالِها، ولَمْ يَزَلْ صَانِعُ المَعْرُوفِ يَجنِيْ ثَمَرَةَ ما صَنَع، امْرأَةٌ بَغِيٌّ صَنَعَتِ المَعْرُوفَ لِكَلْبٍ، فَغَفَرَ اللهُ لَها، في الحَدِيْثِ: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ -أي: ببئرٍ- قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا -أي: خُفَّها- فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ، فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ؛ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ"(متفق عليه).  

 

ورَجُلٌ أَزاحَ أَذَىً عَنْ طَرِيْقِ النَّاسِ، فأَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّة، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صل الله عليه وسلم-: "لَقَدْ أُرِيتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجنَّةِ في شَجَرةٍ قَطَعَها مِنْ ظَهْرِ الطريقِ، كانَتْ تُؤذِي المُسْلِمينَ"(رواه مسلم)، هَذَا فِي حَقِّ مَنْ أَزَاحَ شَجَرَةً مُؤْذِيَةً عَنْ طَرِيْقِ المُسْلِمِيْنَ، فَمَا الظَّنُ فِيْمَنْ أَزَاحَ عَنْ المُسْلِمِيْنَ مُنْكَراً، أَوْ أَقْصَى عَنْهُمْ شَراً، أو دَفَعَ عَنْهُمْ كَيْداً، أَوْ صَرَفَ عَنْهُم أَذَى.

 

ولَئِنْ كَانَتْ صَنائِعُ المَعْرُوفِ ببذلِ النَّدَى، فإِنَّ صَنائِعِ المَعْرُوفِ تَكُونُ بِكَفِّ الأَذَى، ومَنْ لَمْ يَكُفَّ عَنِ النَّاسِ أَذاهُ، فلا خَيْرَ في مَسْلَكِهِ ومَسْعاه، لا خَيْرَ فِيْمَنْ سَلُطَ لِسانُهُ، وغَلُظَ تَعامُلُهُ، وصَلِفَ طَبْعُه، يَتَوقَّاهُ النَّاسُ اتِقاءَ فُحْشِهِ، يُقابِلُونَهُ بالبِشْرِ، ويُفارِقُونَهُ بالمَقْت، لَنْ يَذْكرُوهُ في غَيْبَتَهَ إِلا بِما يَسوؤُه، ولَنْ يَشْهَدُوا عليه بَعْدَ مَوتِهِ إِلا بَما يُحْزِنُه، مُرَّ بجَنَازَةٍ عِنَدَ رَسُولِ اللهِ -صل الله عليه وسلم- فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقالَ النَّبِيُّ -صل الله عليه وسلم-: "وَجَبَتْ، وَجَبَتْ، وَجَبَتْ"، فَلَما سُئِلَ عَنْ قولِه: "أَثْنَيْتُم عَلَيْهِ شَرَّاً، فوَجَبَتْ له النار؛ أنتم شُهَدَاءُ الله في الأرض"(متفق عليه).

 

المرفقات

صنائع المعروف.doc

صنائع المعروف.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات