عناصر الخطبة
1/فضائل يوم الجمعة 3/خصائص يوم الجمعة وآدابه 3/فضل التبكير لصلاة الجمعة 4/التحذير من التأخر عن التبكير ليوم الجمعة 5/الاهتمام بيوم الجمعة وليلتها 6/وصية بتذكر الآخرة والعمل الصالح.اقتباس
إن الدنيا مزرعة للآخرة، وفي المواسم الشريفة ما يُرغِّب ويسوق النفس إلى الجد والاجتهاد لنيل أعلى الدرجات والهرب من الدركات، ويزداد الجد والاجتهاد عند مَن أيقظه الله فرأى أن الناس في كسل وخمول وضعف عن المبادرة إلى الخيرات خشية أن يصيبه ما أصاب القوم...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي هدانا ليوم الجمعة، يوم فضَّله الله على غيره من الأيام، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، يهدي من يشاء لذكره وشكره وحسن عبادته.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفى أثره ودعا بدعوته، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن يوم الجمعة يوم عظيم، وموسم شريف، ادَّخره الله -تعالى- لهذه الأمة عبر العصور الماضية إلى حين مبعثها، لقد هدانا الله إلى هذا اليوم، وفتح لنا فيه أبواب الرحمة وأوسع لنا فيه الخير، وأجزل لنا فيه العطاء، وجعله أفضل أيام الأسبوع وخاتم أعماله، فهو يوم شريف يجتمع فيه المسلمون على الذكر والصلاة والدعاء، وهو يوم كرامة ورفعة ومزيدٍ في الآخرة، بل إن هذا اليوم له من الخصائص ما يقترب من ثلاث وثلاثين خاصية.
فمن خصائصه: أنه خير يوم طلعت فيه الشمس، وأن آدم خلق فيه، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في هذا اليوم، وفيه ساعة استجابة، وأنه يُشرع فيه الإكثار من الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي ليلته، وفيه النداء الأول والخطبتان قبل الصلاة، وأشرف الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة، وكذا ليلة سبع وعشرين من رمضان، وغيرهما من المواسم إذا وافقت هذا اليوم، فإنها تشرف بشرفها.
فيا عباد الله: لنعرف هذا اليوم وقَدْره وفضله، وأنه ليس كسائر أيام الأسبوع، قال ابن كثير -رحمه الله-: "لا شك أن الله -تعالى- شرع في كل ملّة يومًا من الأسبوع يجتمع الناس فيه للعبادة، فشرع -تعالى- لهذه الأمة يوم الجمعة؛ لأنه اليوم السادس الذي أكمل الله فيه الخليقة، واجتمعت فيه وتمت النعمة على عباده".
ثم ذكر شريعة ذلك لبني إسرائيل، وأنهم عدلوا عنه واختاروا السبت، مستدلاً بقوله -تعالى-: (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ)[سورة النحل:124]، وأن النصارى خالفوا اليهود فتحوَّلوا عنه إلى يوم الأحد.
ولما في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله علينا فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصار بعد غدٍ".
وعن أبي هريرة وحذيفة -رضي الله عنهما-، قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، والمقضي بينهم قبل الخلائق".
معشر المسلمين: لنراعي هذه المكرمة الإلهية؛ حيث هدانا الله -تعالى- إلى هذا اليوم، فلنجتمع فيه للعبادة مبكرين على أكمل هيئة وأحسنها، برغبة ونشاط وحسن نية، وتذكروا الملائكة المنتظرين لنا على أبواب المسجد كل جمعة لتسجيل المبكرين الأول فالأول، مع معرفة ما للمبكر من الفضل وكذا من دونه.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجّر كمثل الذي يهدي البدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة"، والتهجير: التبكير إلى الصلوات، وهو المضي في أوائل أوقاتها، وليس من الهاجرة، كذا قال في القاموس.
عباد الله: إن الدنيا مزرعة للآخرة، وفي المواسم الشريفة ما يُرغّب ويسوق النفس إلى الجد والاجتهاد لنيل أعلى الدرجات والهرب من الدركات، ويزداد الجد والاجتهاد عند مَن أيقظه الله فرأى أن الناس في كسل وخمول وضعف عن المبادرة إلى الخيرات خشية أن يصيبه ما أصاب القوم، فمتى كان اجتماع الناس للجمعة عند حضور الإمام إلا في هذه الأزمان، ومتى عرفتم الإهمال للتسبيح والتهليل عند الكثير إلا في هذه الأزمان، ما نسبة من يحافظ على الفرائض والنوافل لمن يحضر بعض الفرائض؟ ألا يتذكر قوله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[سورة فصلت:46].
عباد الله: إن التأخر عن التبكير ليوم الجمعة مظهر من مظاهر الكسل والضعف والخمول وعدم المبالاة، ولا يخجل أحدنا من مولاه حين يتأخر فلم يعمل من التقرب ولا بمقدار بيضة! ألا يخشى من فوات فضل الجمعة حين يؤدي تحية المسجد حالة الخطبة، إذا كان من مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له، فكيف بمن لا يبالي بسماع الخطبة أو يجعل السماع مع تحية المسجد وربما فاته استماع جميع الخطبة والركعة الأولى؟
فاتقوا الله -عباد الله-، وبادروا الفعل للخيرات، ومن ذلك النوم المبكر ليلة الجمعة، حتى يقوم الإنسان مبكرًا ونشيطًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[سورة فاطر:5-6]، بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأستغفره -تعالى- وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الحكيم الكريم التواب الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي أرسله الله بالهدى ودين الحق. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وتوبوا إليه، اجْلُوا سواد القلوب بالإقلاع عن الذنوب، امحوا السيئات بفعل الحسنات، تصدقوا فإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، أكثروا من ذكر الله فبذكر الله تطمئن القلوب.
أكثروا من ذكر هادم الملذات، فإنه يذكركم الآخرة ويزهدكم في الدنيا، تذكروا الوقوف الحتمي بين يدي الله، وانهوا النفس عن الهوى لتكون الجنة هي المأوى، كونوا في هذه الدنيا كالغريب أو عابر السبيل، اختاروا بحزم وجد لأنفسكم وأهليكم ومن لكم الولاية عليه الطريق الموصل إلى رضوان الله وجنته، فقد -والله- قصّرنا في السير في هذا الطريق، فلم نقم مع أنفسنا وأهلينا بذلك فضلاً عن الغير، وإنما صار جُلّ همنا وجدّنا لملذات الدنيا وزخرفها، والمفاخرة فيها، وغفلتنا عن الآخرة والاستعداد لها.
أيها المسلمون: إن المؤمن حقًّا بالبعث والجزاء يكون جُلّ همّه مرمة جهازه للآخرة، ومن ذلك الاهتمام بيوم الجمعة وليلتها، وكذا الاعتناء بالأعمال الصالحة في أوقاتها الشريفة غير مبالٍ بالدنيا وزخرفها، فلا ينافس عزَّها ولا يجزع من ذلها.
كما قال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "المؤمن في الدنيا مهموم حزين همّه مرمة جهازه، ومن كان في الدنيا كذلك فلا همّ له إلا التزود بما ينفعه عند العود إلى وطنه، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزِّهم، ولا يجزع من الذل عندهم".
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "المؤمن كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن".
اللهم ارحم في الدنيا غربتنا، وارحم في القبر وحشتنا، وارحم موقفنا بين يديك، وأكرمنا بمغفرتك ورضوانك، واجعل موطننا في جوارك، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم