قاضية الحاجات

الشيخ شايع بن محمد الغبيشي

2024-12-20 - 1446/06/18 2024-12-31 - 1446/06/29
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/عبادة قاضية للحاجات 2/من ثمرات الصلاة وبركاتها 3/حال الصالحين مع الصلاة 4/الحث على الاهتمام بالصلاة

اقتباس

قال عنها ابن القيم -رحمه الله-: "مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

إخوة الإيمان: حديثنا اليوم عن "قاضية الحاجات"، على أعتاب بابها تقضى الحاجات، من أصابه هَمٌ ففزع إليها أزال الله همه، ومن فزع إليها في كرب فرج الله كربه، ومن فزع إليه من ذنب غفر الله ذنبه، ومن فزع إليها في قضاء حاجة قضى الله حاجته، قال عنها ابن القيم -رحمه الله-: "مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر مغذية للروح، منورة للقلب، حافظة للنعمة، دافعة للنقمة، جالبة للحركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن".

 

هل أصابك كرب؟ هل اعتلاك هَمٌ؟ هل تشكو من ذنب؟ هل تعاني من مرض؟ هل تطلب رزقاً؟ فاهرع إلى قاضية الحاجات؛ فستجد كل ذلك عندها، فمن هي قاضية الحاجات؟ إنها الصلاة!.

 

عندما مكثت مريم -رضي الله عنها- في المحراب تصلي وتقوم على خدمة بيت الله، ساق الله إليها الرزق من حيث لا تحتسب، قال -تعالى-: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[آل عمران: 37]، وعندما جاءت الملائكة تبشرها باصطفاء الله لها كانت وصية الملائكة لها بأن تزداد من الصلاة وتدام عليها (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)[آل عمران: 42 - 43].

 

وفي الصلاة طلب زكريا من ربه الذرية مع كبر سنه وامرأته عاقر عقيم، فحقق الله طلبه على أكمل وجه، قال -تعالى-: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[آل عمران: 38 - 40]، فكم قُضِيت في المحراب من حاجات وحاجات.

 

وقال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- مطمئناً له أن لا خوف عليك، فالله يبصر كثرة صلاتك فتوكل عليه وهو كافيك؛ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)[الشعراء: 217 - 219]، وأمره أن يواجه أذية أعدائه بالتسبيح والسجود: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)[الحجر: 97 - 98]، وأمره بكثرة التهجد لينال المقام المحمود يوم القيامة؛ (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)[الإسراء: 79]، حقاً -عباد الله- إنها قاضية الحاجات.

 

اللهم اجعلنا مقيمين للصلاة، اللهم اجعلها لنا قرة وراحة وسعادة في الدنيا والآخرة يا حي يا قيوم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: حقاً إنها قاضية الحاجات، فالصلاة هي المفزع والملاذ للمؤمن، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فهي ملاذه ومستراحه وقرة عينه، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"، حتى عندما يعود -صلى الله عليه وسلم- من سفره يبدأ بالصلاة، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ"(رواه البخاري)، وكأنما يزيل بها وعثاء السفر وتعبه، فيدخل بيته وقد خلف وراءه تعب السفر ومشقته.

 

تأمل حال الصحابة -رضي الله عنهم- وهم يطلبون فضل الله ورضوانه؛ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)[الفتح: 29].

 

وكل من طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجة دله على الصلاة، فهذا معدان بن طلحة اليعمري يسأل عن شيء ينفعه ويدخله الجنة، فيقول: لقيت ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: "دلني على عمل ينفعني الله به ويدخلني الجنة؟"، فسكت عني مليا ثم التفتَ إلي فقال: "عليك بالسجود؛ فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة"(رواه الترمذي).

 

وهذا ربيعة بن كعب الأسلميَّ كانت غايته وهدفه مرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفردوس الأعلى من الجنة، فيقولُ: كنتُ أبيتُ مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- آتيه بوضوئه وبحاجته، فقال: "سلني"، فقلت: مرافَقَتَك في الجنة، قال: "أوْ غيرَ ذلك؟"، قلت: هو ذاك، قال: "فأعنِّي على نَفسِكَ بكثرةِ السُجود"(رواه مسلم).

 

يا من أرهقته الذنوب وحاجته أن يغفر الله له: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه كلها، فوضعت على رأسه وعاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه"(رواه الطبراني بسند صحيح).

 

يا من يريد القرب من الله ليبث إليه شكايته وحاجته، ويجد الضمان على قضاء تلك الحاجة: هذا رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ"(رواه مسلم)، وضمن -صلى الله عليه وسلم- إجابة الدعاء حال السجود فقال: "وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ قمن أن يستجاب لكم"(رواه النسائي وصححه الألباني).

 

ومن أراد الرزق فليلزم عتبة الصلاة وليحافظ عليها، تأمل قول الله نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)[طه: 132].

 

وجعل -سبحانه- السعي في الأرض بعد الصلاة سبب لنيل الرزق، قال -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الجمعة: 10].

 

ومن أراد الفلاح والنجاة يوم القيامة فليعلم أن أعظم طريق لذلك هو الصلاة، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أَوَّلَ ما يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يوم الْقِيَامَةِ من عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ"(رواه النسائي وصححه الألباني).

 

عباد الله: علينا أن نراجع حالنا مع الصلاة في المحافظة عليها في وقتها في بيوت الله، في الخشوع والخضوع فيها.

 

جعلنا الله مقيمين للصلاة معظمين لها بمنه وكرمه، اللهم اجعلها لنا نوراً ونجاة في الدنيا والآخرة يا حي يا قيوم.

المرفقات

قاضية الحاجات.doc

قاضية الحاجات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات