عناصر الخطبة
1/حديث من جوامع كلم النبي 2/المؤمن في الدنيا في تجارة مع الله 3/الخلاص في الآخرة بالعمل في الدنيا 4/من فوائد هاذ الحديثاقتباس
وَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ: عَلَى أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ إِمَّا سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ، أَوْ فِي فِكَاكِهَا، فَمَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَقَدْ بَاعَ نَفْسَهُ لِلَّهِ، وَأَعْتَقَهَا مِنْ عَذَابِهِ، وَمَنْ سَعَى فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- فَقَدْ بَاعَ نَفْسَهُ بِالْهَوَانِ، وَأَوْبَقَهَا بِالْآثَامِ الْمُوجِبَةِ لِغَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو -الْغُدُوُّ: هُوَ السَّيْرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ-، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، أَوْ مُوبِقُهَا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَجْمَلِ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّذِي أُوتِيَهُ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَدُلُّ عَلَى كَمَالِ فَصَاحَتِهِ وَنُصْحِهِ، وَفِيهِ بَيَانٌ لِحَالِ الْإِنْسَانِ وَسَعْيِهِ وَكَدْحِهِ فِي الدُّنْيَا، قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "مَعْنَاهُ: كُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى بِنَفْسِهِ، فَمِنْهُمْ: مَنْ يَبِيعُهَا لِلَّهِ -تَعَالَى- بِطَاعَتِهِ، فَيُعْتِقُهَا مِنَ الْعَذَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلشَّيْطَانِ وَالْهَوَى بِاتِّبَاعِهِمَا، فَيُوبِقُهَا، أَيْ: يُهْلِكُهَا"، كَمَا قَالَ -تَعَالَى- فِي- شَأْنِ السُّفُنِ الْجِوَارِي: (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا)[الشُّورَى: 34].
فَالْإِنْسَانُ لَهُ حَالَانِ: إِمَّا أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ، بِالْتِزَامِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيُؤْثِرُ عَمَلَ الْآخِرَةِ عَلَى عَمَلِ الدُّنْيَا، وَيُقَدِّمُ مَحَبَّةَ اللَّهِ عَلَى مَحْبُوبَاتِ نَفْسِهِ، فَهَذَا هُوَ السَّعِيدُ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ -أَيْ: يَبِيعُ نَفْسَهُ- ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[الْبَقَرَةِ: 207]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التَّوْبَةِ: 111]، وَإِمَّا أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ لِلشَّيْطَانِ، وَهَوَى النَّفْسِ، وَرُكُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَهَذَا بَاعَ نَفْسَهُ بِالْخُسْرَانِ الْمُبِينِ؛ (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الزُّمَرِ: 15].
وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "النَّاسُ غَادِيَانِ -أَيْ: سَائِرَانِ-: فَغَادٍ بَائِعٌ نَفْسَهُ، وَمُوبِقٌ رَقَبَتَهُ -أَيْ: مُهْلِكٌ نَفْسَهُ-، وَغَادٍ مُبْتَاعٌ نَفْسَهُ -أَيْ: مُشْتَرٍ نَفْسَهُ، وَمُعْتِقٌ رَقَبَتَهُ"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَفِي رِوَايَةٍ: "النَّاسُ غَادِيَانِ: فَمُبْتَاعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا، وَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُوبِقُهَا"(صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَالْمَعْنَى: كُلُّ أَحَدٍ إِذَا أَصْبَحَ يَبِيعُ نَفْسَهُ، أَيْ: يَبْذُلُ نَفْسَهُ، وَيَأْخُذُ عِوَضَهَا، وَهُوَ عَمَلُهُ وَكَسْبُهُ، فَإِنْ عَمِلَ خَيْرًا فَقَدْ بَاعَ نَفْسَهُ، وَأَخَذَ الْخَيْرَ عَنْ ثَمَنِهَا، وَهَذَا يُعْتِقُهَا مِنَ النَّارِ، وَإِنْ عَمِلَ شَرًّا فَقَدْ بَاعَ نَفْسَهُ، وَأَخَذَ الشَّرَّ عَنْ ثَمَنِهَا، وَهُوَ يُهْلِكُهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشَّمْسِ: 7-10]، أَيْ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَخَابَ مَنْ دَسَّاهَا بِالْمَعَاصِي؛ فَالطَّاعَةُ تُزَكِّي النَّفْسَ، وَتُطَهِّرُهَا، فَتَرْتَفِعُ بِهَا، وَالْمَعَاصِي تُدَسِّي النَّفْسَ، وَتَقْمَعُهَا، فَتَنْخَفِضُ، وَتَصِيرُ كَالَّذِي يُدَسُّ فِي التُّرَابِ.
فَمَقَاصِدُ النَّاسِ فِي السَّيْرِ أَوَّلَ النَّهَارِ: إِمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، انْقَسَمُوا إِلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَبِيعُ نَفْسَهُ وَيُهْلِكُهَا بِعَمَلٍ يُدْخِلُهُ النَّارَ، وَيَحْرِمُهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَقِسْمٌ آخَرُ: يَشْتَرِي نَفْسَهُ بِعَمَلٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ، وَيُخَلِّصُهَا مِنَ النَّارِ.
وَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ: عَلَى أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ إِمَّا سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ، أَوْ فِي فِكَاكِهَا، فَمَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَقَدْ بَاعَ نَفْسَهُ لِلَّهِ، وَأَعْتَقَهَا مِنْ عَذَابِهِ، وَمَنْ سَعَى فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- فَقَدْ بَاعَ نَفْسَهُ بِالْهَوَانِ، وَأَوْبَقَهَا بِالْآثَامِ الْمُوجِبَةِ لِغَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ.
وَلَنْ تَنْفَعَ أَحَدًا قَرَابَتُهُ أَوْ نَسَبُهُ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا سَعْيُهُ؛ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)[النَّجْمِ: 39]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[الشُّعَرَاءِ: 214]، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ دَعَا قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: "يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ؛ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
قَالَ الْحَسَنُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا كَالْأَسِيرِ يَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ، لَا يَأْمَنُ شَيْئًا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-"، وَقَالَ أَيْضًا: "ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ تَغْدُو وَتَرُوحُ فِي طَلَبِ الْأَرْبَاحِ، فَلْيَكُنْ هَمُّكَ نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَرْبَحَ مِثْلَهَا أَبَدًا"، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "قَالَ لِي رَجُلٌ مَرَّةً وَأَنَا شَابٌّ: خَلِّصْ رَقَبَتَكَ مَا اسْتَطَعْتَ فِي الدُّنْيَا مِنْ رِقِّ الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ أَسِيرَ الْآخِرَةِ غَيْرُ مَفْكُوكٍ أَبَدًا"، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا نَسِيتُهَا بَعْدُ"، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- جَعَلَ الْجَنَّةَ ثَمَنًا لِأَنْفُسِكُمْ، فَلَا تَبِيعُوهَا بِغَيْرِهَا"، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَبْكِي، وَيَقُولُ: لَيْسَ لِي نَفْسَانِ، إِنَّمَا لِي نَفْسٌ وَاحِدَةٌ؛ إِذَا ذَهَبَتْ لَمْ أَجِدْ أُخْرَى".
أُثَامِنُ -أُسَاوِمُ- بِالنَّفْسِ النَّفِيسَةِ رَبَّهَا *** وَلَيْسَ لَهَا فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمُ ثَمَنْ
بِهَا تُمْلَكُ الْأُخْرَى فَإِنْ أَنَا بِعْتُهَا *** بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا فَذَاكَ هُوَ الْغَبَنْ
لَئِنْ ذَهَبَتْ نَفْسِي بِدُنْيَا أُصِيبُهَا *** لَقَدْ ذَهَبَتْ نَفْسِي وَقَدْ ذَهَبَ الثَّمَنْ
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ...
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ أَهَمِّ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ الشَّأْنِ:
أَنَّ الْمُسْلِمَ يَسْعَى لِيَسْتَفِيدَ مِنْ عُمْرِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَا يَشْغَلُ نَفْسَهُ إِلَّا بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّفْعِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ.
ومنها: الْحُرِّيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-.
ومنها: كُلُّ إِنْسَانٍ إِمَّا سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ أَوْ فِكَاكِهَا.
ومنها: مَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَقَدْ بَاعَ نَفْسَهُ لِلَّهِ، وَأَعْتَقَهَا مِنْ عَذَابِهِ، وَمَنْ سَعَى فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَقَدْ بَاعَ نَفْسَهُ بِالْهَوَانِ، وَأَوْبَقَهَا بِالْآثَامِ، الْمُوجِبَةِ لِغَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ.
ومنها: الْمُسْلِمُونَ يَسْعَوْنَ إِلَى نَجَاتِهِمْ، وَالْكُفَّارُ وَالْفُجَّارُ يَسْعَوْنَ إِلَى هَلَاكِهِمْ.
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ: وُجُوبُ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ.
ومنها: التَّحْذِيرُ مِنَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ الَّتِي تُهْلِكُ النَّاسَ.
ومنها: الْإِنْسَانُ إِمَّا يَبِيعُ نَفْسَهُ لِلَّهِ فَيَرْبَحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ؛ (فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)[النِّسَاءِ:134]، أَوْ يَبِيعُهَا لِلشَّيْطَانِ وَهَوَى النَّفْسِ، فَالنَّتِيجَةُ الْحَتْمِيَّةُ (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الْحَجِّ: 11].
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ: مَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وَآثَرَ الْآخِرَةَ؛ فَقَدِ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ رَبِّهِ بِالدُّنْيَا؛ فَيَعْتِقُهَا مِنَ النَّارِ، وَمَنْ تَرَكَ الْآخِرَةَ وَآثَرَ الدُّنْيَا؛ فَقَدِ اشْتَرَاهَا بِالْأُخْرَى، فَيُهْلِكُهَا فِي النَّارِ.
ومنها: نَفْسُ الْإِنْسَانِ لَيْسَتْ مِلْكَهُ فَيَبِيعُهَا، بَلْ مَمْلُوكَةٌ وَمُرْتَهَنَةٌ بِأَعْمَالِهَا.
ومنها: مَنِ اشْتَرَى نَفْسَهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَعْتَقَهَا، وَمَنْ بَاعَهَا فِي الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ أَهْلَكَهَا؛ (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 103].
ومنها: الدُّنْيَا سُوقٌ، وَالنَّاسُ هُمُ السِّلْعَةُ، وَقَدْ أُجْبِرُوا عَلَى الْبَيْعِ، وَالثَّمَنُ الْجَنَّةُ: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)[التَّوْبَةِ:111].
زمنها: مَا دَامَتِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كُلُّهَا كَدْحٌ، فَلْيَكُنِ الْكَدْحُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهَذَا الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ؛ (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)[الِانْشِقَاقِ:6].
ومنها: الْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا أَسِيرٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي فِكَاكِ نَفْسِهِ.
ومنها:
النَّاسُ فِي حَرَكَةٍ وَفِي عَمَلٍ، وَفِي غُدُوٍّ وَرَوَاحٍ، حَتَّى الْجَالِسِينَ وَالنَّائِمِينَ.
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ: شَتَّانَ بَيْنَ مُعْتِقٍ نَفْسَهُ بِاسْتِغْلَالِ عُمْرِهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَبِمَا يَنْفَعُهُ، وَبَيْنَ مُوبِقِهَا بِالتَّفْرِيطِ فِي عُمْرِهِ، وَإِضَاعَةِ وَقْتِهِ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْغَفْلَةِ، أَوْ بِمَا يَضُرُّهُ.
ومنها: الْحَيَاةُ فُرْصَةٌ وَاحِدَةٌ، فَاحْذَرْ مِنْ تَفْوِيتِهَا بِمَا لَا يَنْفَعُكَ غَدًا؛ (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)[الْحَشْرِ: 18].
وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ: النَّاسُ فَرِيقَانِ: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)[الشُّورَى: 7].
الدَّارُ جَنَّةُ عَدْنٍ إِنْ عَمِلْتَ بِمَا يُرْضِي *** الْإِلَهَ وَإِنْ قَصَّرْتَ فَالنَّارُ
هُمَا مَحَلَّانِ مَا لِلنَّاسِ غَيْرُهُمَا *** فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ مَاذَا أَنْتَ مُخْتَارُ
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم