عناصر الخطبة
1/حكمة ابن عمر وقت الفتنة 2/نعم الله على بلادنا 3/تربية الأجيال على الحفاظ على الوطن 4/فضل التراحم والتلاحم بين الراعي والراعيةاقتباس
أيُها المؤمنونَ المتآخُونَ: لقدْ أنعمَ اللهُ على بلادِنا باجتماعِهمْ حولَ قادتِهِمْ على هَديِ الكتابِ والسنةِ، وقدْ عافانا اللهُ من فتنةِ: (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ كما بسطْتَ رزقَنا، وأظهرْتَ أمنَنا، وجمعْتَ فُرقتَنا، أشهدُ ألا إلهَ إلا أنتَ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُكَ ورسولُكَ. صلَّى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ -رحمَكُمُ اللهُ- وتعجَّلُوا آجالَكُمْ بأعمالِكُمْ.
فإليكمْ هذهِ القصةَ البليغةَ، ففي صحيحِ البخاريِ أنَّ الصحابيَ الحكيمَ، العالِمَ الراسخَ ابْنَ عُمَرَ -رضيَ اللهُ عنَهما-: لَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ -أي حينَ وقعَ القتالُ بينَ عليٍ ومعاويةَ -رضيَ اللهُ عنهما- خَطَبَ مُعَاوِيَةُ فقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ! -أي رأسَهُ-. فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ أَبِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي، وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ: أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ -يريدُ أن معاويةَ وأباهُ كانا قبلَ يومِ الفتحِ كافرَينِ، وهو يومئذٍ مُسلمٌ- قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ، وَتَسْفِكُ الدَّمَ، وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ -أي على خلافِ ما أرادَ- قالَ: فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ. قَالَ جلساءُ ابنِ عمرَ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. -أي حفظكَ اللهُ وحماكَ من الفتنةِ وإثارتِها، بفضلِ اللهِ ثم بالعلمِ والإيمانِ- (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة11]
أرأيتمْ كيفَ أنَّ العلمَ والحكمةَ تقودُ صاحبَها للرشادِ، وأنَّ الجهلَ والسَّفَهَ يقودُ للفسادِ؟!
أيُها المؤمنونَ المتآخُونَ: لقدْ أنعمَ اللهُ على بلادِنا باجتماعِهمْ حولَ قادتِهِمْ على هَديِ الكتابِ والسنةِ، وقدْ عافانا اللهُ من فتنةِ: (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
أيُّها المسلمونَ: بقاعُنا بقاعٌ مَصونةٌ، أوَ ليستْ بلادُنا مُتَنَزَّلَ القرآنِ، ومأرِزَ الإيمانِ، ومَهْدَ البطولاتِ والفُتوحاتِ، ومَبْعثَ المَكرُماتِ والغُيوثاتِ؟!
وإنْ مِنْ جليلِ نِعَمِ اللهِ علينا أننا نعيشُ في وطنِ الإخاءِ والرخاءِ والسخاءِ: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص57].
ولنَذْكرْ قصةً مضَى عليها آلافُ القرونِ، وذلكَ حينَما جاءَ إِبْرَاهِيمُ –عليهِ السلامُ- لمكانِ البيتِ، قبلَ بناءِ الكعبةِ، فدعا وقالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا) [البقرة126]. فلما بَناها، وصارَ حولَهَا بلدٌ تَهوِيْ إليهِ أفئدةٌ منَ الناسِ دعا مرةً أخرَى فقالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا) [إبراهيم35] إذاً فالأمنَ ضرورةٌ قبلَ البناءِ، وضرورةٌ بعدَ البناءِ.
ولنَذكرْ -أيضاً- نعمةَ اللهِ علينا يومَ كانتْ جزيرةُ العربِ مسرحًا للغاراتِ والقتلِ والنهبِ: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وأما في أيامِنا؛ فكلُّ حَدَثٍ عالميٍ أو إقليميٍ يَمُرُّ علينا يؤكدُ لنا ضرورةَ الالتفافِ حولَ ولاةِ أمورِنا وعلمائِنا، ولْنوقِنْ يقينًا لا يخالطُهُ شكٌ أنَّ الأمنَ ليسَ محلَّ مساومةٍ؛ فإنهُ متى ما فُقِدَ الأمنُ فَقَدْ فَقَدَتِ الحياةُ بَرِيْقَها.
ألَا فلتَسلَمِ المملكةُ العربيةُ السعوديةُ شامخةً في قوةٍ وأَيْدٍ، سالمةً من كل مكرٍ وكَيْدٍ، ولازالتْ للأمةِ الإسلاميةِ العينَ الحانيةَ الباصِرةَ، واليد الطُّولَى الناصرةَ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي هدَانا للإسلامِ والسنةِ، والصلاةُ والسلامُ على مَن كانتْ بِعثتُه خيرَ مِنَّةٍ، أما بعدُ:
فإنَّ تربيةَ أجيالِنا على الحِفاظَ على أمانِ ونماءِ بلادِنا منْ أعظمِ الواجباتِ، وتعليمَهمْ دوماً أنَّ مِنْ منهجِ أهلِ السنةِ وعقيدتِهِم: أنهم يَدِينونَ بالسمعِ والطاعةِ والبيعةِ لولاةِ أمرِهِمْ، ويَدْعُونَ لهمْ بالتسديدِ والتوفيقِ.
وإليكمْ قصةً معبِّرةً تؤكدُ هذا المعنى، ففيْ صحيحِ البخاريِ: أنَّأَهْلَ الْمَدِينَةِ خَلَعُوا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، فما كانَ منَ المربيْ الحصيفِ ابنِ عمرَ –رضيَ اللهُ عنهُما- إلا أنِ انتبهَ لهذا الخطرِ المُحدِقِ، والخللِ العقديِ المؤرِّقِ، فبدأَ بإنذارِ أقربِ عشيرتِهِ، فجَمَعَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ..: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -أَيْ عَلَى شَرْطِ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ مِنْ بَيْعَةِ الْإِمَامِ-.. [ثمَّ شدَّد الوِثاقَ على أولادِهِ قائلاً ]: وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. أَيْ أَنُّهُ سَيُقَاطِعُهُ، فَلَا يُكَلِّمُهُ.
قالَ ابنُ حَجَرٍ –رحمهُ اللهُ-: "فِيهِ وُجُوبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ الَّذِي انْعَقَدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ، وَالْمَنْعُ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَارَ فِي حُكْمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْخَلِعُ بِالْفِسْقِ".
أيُها المسلمونَ بالمملكةِ العربيةِ السعوديةِ: إنَّ هذا التلاحمَ والتراحُمَ في بلادِنا بينَ الراعيْ والرعيةِ، والممتدَّ –بحمدِ اللهِ- قرونًا، إنما سببُهُ فضلُ اللهِ ونعمتُهُ والاعتصامُ بحبلهِ، ثم وَقفةُ العلماءِ الراسخينَ وقوةُ ثباتِهِمْ، وحزمُ حُكامِنا وصدقُ نياتِهِمْ، ونُصحُ العامةِ ولَهَجُ دَعَواتِهِمْ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).
• فاللهم يا من حَفِظتَ بلادَنا طيلةَ هذهِ القرونِ، وكفيتَها شرَ العادياتِ الكثيراتِ المدبَّراتِ الماكراتِ، اللهم فأدِمْ بفضلِكَ ورحمتِكَ حِفْظَها من كل سوءٍ ومكروهٍ، وأدِمْ عليها نعمةَ الإخاءِ والرخاءِ.
• اللهم احفظْ دينَنا وأمنَنا، واحفَظْ أرجاءَنا وأجواءَنا، وحدودَنا وجنودَنا، واقتصادَنا وعتادَنا، واحفظْ مملكتَنا وخليجَنا، وسائرَ بلادِ المسلمينَ.
• اللهم صُدَّ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِّنينَ.
• اللهم اكفِنا شرَ طوارقِ الليلِ والنهارِ، إلا طارقًا يَطرقُ بخيرٍ يا رحمنُ.
• اللهم وانصرْ إخوانَنا بأكنافِ بيتِ المقدسِ، واهزِمْ إخوانَ القردةِ والخنازيرِ.
• اللهم وفِّقْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهُما في رضاكَ.
• اللهم سدِّدهُمْ في قراراتِهِمْ ومؤتمراتِهِمْ.
• اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم