نعمة الطعام

الشيخ نواف بن معيض الحارثي

2025-04-11 - 1446/10/13 2025-05-11 - 1446/11/13
عناصر الخطبة
1/صور من جوع النبي وأصحابه 2/الطعام من مظاهر لطف الله وعظمته 3/من إكرام السلف للطعام 4/من مظاهر حفظ نعمة الطعام 5/طرق معالجة داء الإسراف 6/هدر الطعام إحصائيات مخيفة

اقتباس

الواجب أن يُحَاسِبَ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ يُغَيِّرُوا سُلُوكَهُمْ فِي اسْتِهْلَاكِ الأَطْعِمَةِ، وَأنْ يُرَسَّخَ فِيهِمُ الاقْتِصَادُ فِي المَآكِلِ والمشارب، وَأَنْ يُرَبَّى فِي الأُسْرَةِ تَقْلِيلُ مَا يُطْبَخُ يَوْمِيًّا مِنْ طَعَامٍ، وَأَنْ يُنَشَّأَ النَّشْءُ عَلَى أَلاَّ يَأْخُذَ مِنَ الطَّعَامِ فَوْقَ حَاجَتِهِ، وَعَلَى احْتِرَامِ مَا يَتَسَاقَطُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِسَوَابِغِ النِّعَمِ، وَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا بِالْخـَيْرِ وَالْمِنَنِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّـهِ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللَّـهُ بِدِينِ السَّلَامِ، وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَبَذْلِ الْخـَيْرِ لِلْأَنَامِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللَّـهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّـهِ؛ (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)[المائدة: 88].

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: "مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟"، قَالاَ: الْـجُوعُ يَا رَسُولَ اللـهِ، قَالَ: "وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا"، فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمـَرْأَةُ، قَالَتْ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللـهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيْنَ فُلاَنٌ؟"، قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمـَاءِ، إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْـحَمْدُ لِلَّـهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي، قَالَ: فَانْطَلَقَ، فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْـرٌ وَرُطَبٌ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمـُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكَ وَالْحـَلُوبَ"، فَذَبَحَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْـجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ"(رواه مسلم).

 

عباد الله: لَقَدْ أَكْرَمَنَا اللَّـهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِخَيْرَاتٍ عَظِيمَةٍ وَافِرَةٍ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ النِّعَمِ الْجـَلِيلَةِ: نِعْمَةُ الطَّعَامِ، فَهُوَ مِنْ قِوَامِ حَيَاةِ الْإِنْسَانِ، وَمِنْ مَصَادِرِ قُوَّتِهِ وَطَاقَتِهِ، وَغِذَاءِ بَدَنِهِ، فَلاَ حَيَاةَ لِلْإِنْسَانِ بِلاَ طَعَامٍ، وحَاجَةُ الإِنْسَانِ إِلَى الطَّعَامِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَسْرِهِ، وَحَاجَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدِ امْتَنَّ اللَّـهُ -:سُبْحَانَهُ- بِالطَّعَامِ عَلَى الْإِنْسَانِ: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قريش: 3 - 4].

 

وأَمَرَ اللَّـهُ -تَعَالَى- الْإِنْسَانَ بِالتَّفَكُّرِ فِي تَكَوُّنِ طَعَامِهِ، وَالتَّأَمُّلِ فِي بَدِيعِ تَكْوِينِهِ؛ لِيُقَدِّرَ نِعْمَةَ الطَّعَامِ حَقَّ قَدْرِهَا؛ (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ)[عبس: 24 - 32].

 

أيها المؤمنون: لقد عَرَفَ الأَنْبِيَاءُ -عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ- قَدْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ، فَاعْتَرَفُوا لِلّـهِ بِهَا، وَشَكَرُوهُ عَلَيْهَا، فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يَعْتَرِفُ بِفَضْلِ رَبِّهِ -تَعَالَى- فَيَقُولُ: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ)[الشعراء: 79]، وَكَانَ رَسُولُ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، يَشْكُرُ اللَّـهَ -تَعَالَى- عَلَى نِعَمِهِ، وَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، وَكَانَ أَوَّلُ نِعْمَةٍ يَذْكُرُهَا نِعْمَةَ الطَّعَامِ، فَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم-كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: "الْـحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ"(رواه مسلم).

 

إخوة الإيمان: إِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي أَطْعِمَتِنَا اليَوْمِيَّةِ، وَوَلاَئِمِنَا المَوْسِمِيَّةِ، وَاحْتِفَالاَتِنَا العَرَضِيَّةِ، ثُمَّ قَارَنَ ذَلِكَ بِمَفْهُومِ السَّلَفِ لِلنِّعْمَةِ وَإِكْرَامِهَا عَلِمَ أَنَّنَا نُهِينُ النِّعَمَ وَلاَ نُكْرِمُهَا، وَنَكْفُرُهَا وَلاَ نَشْكُرُهَا، وَنَتَسَبَّبُ فِي زَوَالِهَا لاَ اسْتِدَامَتِهَا، فَعَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا أَبْصَرَتْ حَبَّةَ رُمَّانٍ فِي الأَرْضِ فَأَخَذَتْهَا وقَالَتْ: "إِنَّ اللـهَ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ"، وَتَصَدَّقَ عُمَرُ وَعَائِشَةُ بِحَبَّةِ عِنَبٍ وَقَالَا: "فِيهَا مَثَاقِيلُ كَثِيرَةٌ".

 

فإذا كنَّا نُجَازَى بِمَثَاقِيلِ الذَّرِّ فكَمْ فِي حَبَّةِ الأَرُزِّ مِنْ ذَرَّةٍ!، وَكَمْ فِي بَقَايَا الخُبْزِ مِنْ ذَرَّةٍ، وَلْنَنْظُرْ فِي مَوَائِدِنَا اليَوْمِيَّةِ كَمْ يَسْقُطُ مِنَ الطَّعَامِ عَلَى السُّفْرَةِ!، وَكَمْ فِيهِ مِنْ ذَرَّةٍ، وَلَوْ جُمِعَ لَأَشْبَعَ إِنْسَانًا أَوْ أَكْثَرَ، بل وما بالُك بما يلقى في براميلِ النفاياتِ مما يُشبع العشراتِ مع ما فيه مِنَ الاسْتِهَانَةِ بِالنِّعْمَةِ!.

 

إن بَقَايَا الطَّعَامِ فِي الصِّحَافِ وَالقُدُورِ وَالأَوَانِي لاَ تُحْتَقَرُ وَلاَ يُسْتَهَانُ بِهَا، بَلْ تُكْرَمُ وَتُصَانُ وَتُسْلَتُ فَتُؤْكَلُ، قَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: "وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ"(مسلم)، وأمر النبيُّ بلعقِ الأصابعِ قبل مسحها حفاظا على النعمةِ، والتماساً لبركةِ الطعامِ، فقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا"(مسلم).

 

عباد الله: مَنْ نَظَرَ فِي القُرْآنِ وَجَدَ أَنَّ الطَّعَامَ ذُكِرَ أَكْثَرَ مَا ذُكِرَ فِي سُورَتَيِ الأَنْعَامِ وَالنَّحْلِ، وَسُورَةُ النَّحْلِ تُسَمَّى سُورَةُ النِّعَمِ؛ لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ النِّعَمِ، وَفِي هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ ذَكَرَ اللهُ -تَعَالَى- مَا يَكُونُ سَبَبًا لِبَقَاءِ الطَّعَامِ، وَالتَّمَتُّعِ بِهِ، وَازْدِيَادِهِ، وَمَا يَكُونُ سَبَبًا لِقِلَّتِهِ وَذَهَابِهِ، وَوُقُوعِ الجُوعِ وَالهَلاَكِ بِهِ؛ فَبَقَاءُ النِّعَمِ وَنَمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا مُرْتَهَنٌ بِالشُّكْرِ، فقال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112].

 

وفي سورة الأنعامِ يقول: (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[الأنعام: 142]، فَالنَّهْيُ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ بَعْدَ ذِكْرِ الأَكْلِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ اتِّبَاعَ خُطُوَاتِهِ كُفْرٌ لِنِعْمَةِ الأَكْلِ، وَالشَّيْطَانُ يَدْعُو لِكُلِّ سُوءٍ، وَيُزَيِّنُ الإِسْرَافَ فِي المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ، وَهُوَ مَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ سُورَة الأَنْعَامِ مَقْرُونًا بِالأَكْلِ أَيْضًا، وَبِذِكْرِ الثِّمَارِ وَالحُبُوبِ الَّتِي هِيَ مِنْ ضَرُورَاتِ الأَكْلِ؛ (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام: 141].

 

أيها المؤمنون: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ السُّبُلِ لِشُكْرِ نعمةِ الطعامِ أَنْ نَعْرِفَ قَدْرَهَا، وَنُعَظِّمَهَا وَنُدْرِكَ أَنَّنَا مَسْؤُولُونَ أَمَامَ اللَّـهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَنْهَا؛ "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ -يَعْنِي العَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ- أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنَ المَاءِ البَارِدِ"(الترمذي وغيره).

 

وَمِنْ شُكْرِ نِعْمَةِ الطَّعَامِ أَنْ نَقْتَصِدَ فِيهِ، وَنَتَجَنَّبَ الإِسْرَافَ؛ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمَا-: "كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ"(رواه البخاري).

 

فَنَبْتَعِدَ عَنِ الْمـُبَالَغَةِ فِي تَعَدُّدِ أَصْنَافِ الطَّعَامِ، وَنُحَافِظَ عَلَيْه فَلَا نَهْدُرُهُ، فَقَدْ كَانَ -صلى الله عليه وسلم- لَا يَدَعُ مَا بَقِيَ فِي الإِنَاءِ مِنْ طَعَامٍ، فَعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ الثُّفْلُ"(أحمد)، أَيْ: مَا بَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ.  

 

وإِنَّ مِنْ إِكْرَامِ نِعْمَةِ الطَّعَامِ أَنْ يَحْفَظَ الْمـُؤْمِنُ الفَائِضَ مِنْهُ، فَيَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَيَتَصَدَّقَ بِالفَائِضِ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُهُ مِنَ الفُقْرَاءِ، قَالَ-صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ"(رواه مسلم)، وعنه -صلى الله عليه وسلم-: "رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ"(أَحْمَدُ)، وَفِي كَوْنِهِ مُحْرَقًا مُبَالَغَةٌ فِي غَايَةِ مَا يُعْطَى مِنَ القِلَّةِ، و"شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا"(صحيح مسلم).

 

وَمِنَ الشُّكْرِ الاِعْتِرَافُ بِفَضْلِ اللَّـهِ، وَحَمْدُهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّـهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا"(مسلم).  

 

فيا مؤمنون: أقدروا لنعمةِ الطعامِ قَدرَهُ واشكروا ربَّكُم على سَوَابِغِ فَضلِهِ؛ (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[طه: 81 - 82].

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ لله...

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: فِي دِرَاسَةٍ حَدِيثَةٍ أَجْرَتْهَا إِدَارَةُ الْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْأَمْنِ الْغِذَائِيِّ، اتَّضَحَ أَنَّ نِسْبَةَ الْفَقْدِ وَالْهَدْرِ وَالْإِسْرَافِ فِي بلادِنا بَلَغَتْ ثلاثة وثلاثين بالمئة (33%) وَبِتَكْلِفَةٍ مَالِيَّةٍ بَلَغَتْ (40) مِلْيَارَ رِيَالٍ، وَهَذِهِ إِحْصَائِيَّةٌ مُخِيفَةٌ، وَمَبَالِغُ فَلَكِيَّةٌ، تَجْعَلُنَا نَقِفُ مَعَهَا وَقَفَاتٍ تَحْذِيرِيَّةِ وَتَوْجِيهِيَّةٍ.

 

إنْ الواجب أن يُحَاسِبَ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ، وَأَنْ يُغَيِّرُوا سُلُوكَهُمْ فِي اسْتِهْلَاكِ الأَطْعِمَةِ، وَأنْ يُرَسَّخَ فِيهِمُ الاقْتِصَادُ فِي المَآكِلِ والمشارب، وَأَنْ يُرَبَّى فِي الأُسْرَةِ تَقْلِيلُ مَا يُطْبَخُ يَوْمِيًّا مِنْ طَعَامٍ، وَأَنْ يُنَشَّأَ النَّشْءُ عَلَى أَلاَّ يَأْخُذَ مِنَ الطَّعَامِ فَوْقَ حَاجَتِهِ، وَعَلَى احْتِرَامِ مَا يَتَسَاقَطُ مِنَ النِّعْمَةِ تَحْتَ صَحْنِهِ، فَلاَ يَتْرُكُهُ فِي السُّفْرَةِ تأففاً، بَلْ يَجْمَعُهُ وَيَأْكُلُهُ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا؛ وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ"(صحيح مسلم).

 

وعلينا -عباد الله- أَنْ نقْتَصَدَ فيما يُطبخُ فِي الوَلاَئِمِ وَالمناسباتِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "طَعَامُ الْوَاحِدِ، يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ، يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ، وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ، يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ"(مسلم).

 

ولنحذرَ من المباهاةِ والمفاخرةِ في صنع الطعامِ فخراً ورياءً، فقد "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عَنْ طَعَامِ الْمـُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَل"(أبو داود).

 

المرفقات

نعمة الطعام.doc

نعمة الطعام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات