نماذج من تربية السلف للمراهقين

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-05-30 - 1446/12/03 2025-06-30 - 1447/01/05
عناصر الخطبة
١/ اهتمام السلف بأولادهم في مرحلة المراهقة 2/مظاهر عناية السلف بأولادهم 3/نماذج من أبناء السلف التي برزت في المجالات النافعة 4/وصايا لأولياء الأمور والمربين ولشباب اليوم.

اقتباس

أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ: حَدِّثُوا شَبَابَنَا عَنْ سَلَفِهِمُ الصَّالِحِ كَيْفَ كَانُوا؟ وَبِمَ كَانُوا؟ أَحْيُوا فِي نُفُوسِهِمْ ذِكْرَيَاتِ أُولَئِكَ الشَّبَابِ، وَوَجِّهُوهُمْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَالسَّيْرِ عَلَى خُطَاهُمْ... وَيَا شَبَابَ الْإِسْلَامِ، يَا أَمَلَ الْأُمَّةِ: إِنَّ الْوَاقِعَ الْعَمَلِيَّ يُثْبِتُ أَنَّهُ لَا نَهْضَةَ لِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بِشَبَابِهَا...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ التَّرْبَوِيَّةِ الَّتِي تَرَكَهَا لَنَا سَلَفُنَا الصَّالِحُ اهْتِمَامَهُمْ بِالشَّبَابِ؛ وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مَوَاقِفِهِمْ وَأَسَالِيبِهِمْ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِمْ وَطُلَّابِهِمْ، وَقَدْ كَانَتِ التَّرْبِيَةُ عِنْدَهُمْ تُتَلَقَّى كَمَا يُتَلَقَّى الْعِلْمُ عَنِ الْعُلَمَاءِ، فَـ"كَانُوا إِذَا أَتَوُا الرَّجُلَ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ نَظَرُوا إِلَى صَلَاتِهِ وَإِلَى سَمْتِهِ وَهَيْئَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ عَنْهُ"، وَهَذِهِ بَعْضٌ مِنْ مَظَاهِرِ تَرْبِيَةِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ لِلشَّبَابِ:

تَعْلِيمُهُمُ الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ: كَوْنُهَا عِصْمَةً لَهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْفِتَنِ وَالْأَهْوَاءِ، بِاسْتِخْدَامِ أُسْلُوبِ الْإِقْنَاعِ الْعَقْلِيِّ؛ لِمَا لَهُ مِنْ أَثَرٍ فِي نُفُوسِ الْمُرَاهِقِينَ خَاصَّةً، نَصَحَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ شَابًّا يَخُوضُ فِي الْكَلَامِ فَقَالَ: "رُوَيْدُكَ -يَا بُنَيَّ- حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوَّلَ شَيْءٍ فِي الْمَخْلُوقِ، فَاذَا عَجَزْنَا عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ فَنَحْنُ عَنِ الْخَالِقِ أَعْجَزُ وَأَعْجَزُ"، وَجَاءَ يَعْقُوبُ إِلَى أَبِيهِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَقَالَ: "يَا أَبَتَاهُ، إِنَّ أَصْحَابًا لِي يَزْعُمُونَ أَنَّ إِيمَانَهُمْ كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ"، فَقَالَ: "يَا بُنَيَّ، لَيْسَ إِيمَانُ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ كَإِيمَانِ مَنْ عَصَى اللَّهَ".

 

وَحَرَصُوا عَلَى تَحْذِيرِ أَوْلَادِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ جَلَسَ طَاوُوسٌ يَوْمًا وَعِنْدَهُ ابْنُهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ فَتَكَلَّمَ، فَأَدْخَلَ طَاوُوسٌ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: "يَا بُنَيَّ، أَدْخِلْ إِصْبَعَكَ فِي أُذُنَيْكَ حَتَّى لَا تَسْمَعَ مِنْ قَوْلِهِ شَيْئًا؛ فَإِنَّ هَذَا الْقَلْبَ ضَعِيفٌ"، ثُمَّ قَالَ: "أَيْ بُنَيَّ، اشْدُدْ"، فَمَا زَالَ يَقُولُ: "اشْدُدْ" حَتَّى قَامَ الرَّجُلُ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ تَرْبِيَةِ السَّلَفِ: تَرْبِيَةُ الشَّبَابِ عَلَى حُسْنِ الْأَدَبِ، فَقَدْ كَانُوا يَدْفَعُونَ أَوْلَادَهُمْ إِلَى الْعُلَمَاءِ؛ لِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ حُسْنَ الْخُلُقِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْعِلْمَ، وَمِمَّا نُقِلَ مِنْ وَصِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبٍ لِابْنِهِ: "يَا بُنَيَّ، إِيتِ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَتَعَلَّمْ مِنْهُمْ، وَخُذْ مِنْ أَدَبِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَهَدْيِهِمْ؛ فَإِنَّ ذَاكَ أَحَبُّ إِلَيَّ لَكَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْحَدِيثِ"، وَقَدْ كَانَ يَجْتَمِعُ فِي مَجْلِسِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ، أَقَلُّ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ يَكْتُبُونَ، وَالْبَاقِي يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ حُسْنَ الْأَدَبِ، وَحُسْنَ السَّمْتِ.

 

وَمِنْ ذَلِكَ: تَوْجِيهُهُمُ الْمُرَاهِقِينَ إِلَى حِلَقِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ: انْطَلَقَ السَّلَفُ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمُ الْقُرْآنَ، وَيُنَشِّئُونَهُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَحِفْظِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَتَعَاهُدِهِ، وَمِنْ شِدَّةِ حِرْصِهِمْ عَلَى رَبْطِ أَبْنَائِهِمْ بِهِ أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَدَعَا لَهُمْ، قَالَ ابْنُ خَلْدُونَ: "تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ الْوِلْدَانَ شِعَارٌ مِنْ شَعَائِرِ الْمِلَّةِ، أَخَذَ بِهِ أَهَالِي الْمِلَّةِ، وَدَرَجُوا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ عُصُورِهِمْ"، وَكَانُوا يَبْذُلُونَ الْغَالِيَ وَالنَّفِيسَ لِتَعْلِيمِ أَوْلَادِهِمْ، قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: "بَاعَ أَبِي بَيْتًا لَهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا؛ وَجَهَّزَنِي لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْحَجِّ".

 

وَحَرِصَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ أَنْ يَرْحَلَ أَوْلَادُهُمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ مَعَ صَبْرِهِمْ عَلَى فِرَاقِهِمْ، رَحَلَ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ مِنْ بِلَادِهِ بِالْأَنْدَلُسِ إِلَى بَغْدَادَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ عَلَى يَدَيِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَتْ رِحْلَتُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَرَحَلَ ابْنُ مَنْدَهْ، وَعُمْرُهُ عِشْرُونَ سَنَةً، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى بَلَدِهِ إِلَّا وَعُمْرُهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَقَدْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ تَرْبِيَةِ السَّلَفِ: تَوْجِيهُ الشَّبَابِ إِلَى الرُّفْقَةِ الصَّالِحَةِ، فَالصَّاحِبُ يَتَأَثَّرُ بِصَاحِبِهِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَلَيْسَ أَفْضَلَ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْخَيْرِ مِنْ صَدِيقٍ صَالِحٍ، قَالَ السُّلَمِيُّ: "وَاجِبٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مُعَاشَرَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ"، وَأَوْصَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنَهُ فَقَالَ: "يَا بُنَيَّ، مَنْ خَالَطَ الْعُلَمَاءَ وُقِّرَ"، وَقَالَ طَاوُوسُ بْنُ كَيْسَانَ لِابْنِهِ: "يَا بُنَيَّ، صَاحِبِ الْعُقَلَاءَ تُنْسَبْ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ".

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ تَرْبِيَةِ السَّلَفِ لِلْمُرَاهِقِينَ: الِاعْتِنَاءُ بِالْمَوْهُوبِينَ وَالْمُبْدِعِينَ مِنْهُمْ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ مُوَجِّهًا لِلْمُرَبِّينَ وَالْآبَاءِ: "فَإِذَا رَآهُ حَسَنَ الْفَهْمِ، صَحِيحَ الْإِدْرَاكِ، جَيِّدَ الْحِفْظِ، وَاعِيًا؛ فَهَذِهِ مِنْ عَلَامَاتِ قَبُولِهِ وَتَهْيِئَتِهِ لِلْعِلْمِ لِيَنْقُشَهُ فِي لَوْحِ قَلْبِهِ، مَا دَامَ خَالِيًا؛ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ فِيهِ وَيَسْتَقِرُّ وَيَزْكُو مَعَهُ، وَإِنْ رَآهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ لِلْفُرُوسِيَّةِ وَأَسْبَابِهَا مِنَ الرُّكُوبِ وَالرَّمْيِ وَاللَّعِبِ بِالرُّمْحِ، وَأَنَّهُ لَا نَفَاذَ لَهُ فِي الْعِلْمِ وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ، مَكَّنَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْفُرُوسِيَّةِ وَالتَّمَرُّنِ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ"، كَانَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْوَاعِظُ مِنْ ثِمَارِ الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَلْخِيِّ، رَأَى مَيْلَهُ لِلْخِطَابَةِ فَشَجَّعَهُ عَلَيْهَا، وَعَلَّمَهُ كَلِمَاتٍ ثُمَّ أَصْعَدَهُ الْمِنْبَرَ فَقَالَهَا، وَكَانَ عُمْرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ لِأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ابْنٌ فِي الْكُتَّابِ، فَحَذِقَ، فَوُضِعَ لَهُ مِنْبَرٌ فَخَطَبَ عَلَيْهِ.

 

وَمِنْ ذَلِكَ: الْقُدْوَةُ الصَّالِحَةُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَثَّرُ بِالْفِعْلِ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَأَثَّرُ بِالْكَلَامِ، قَالَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ لِمُؤَدِّبِ وَلَدِهِ: "لِيَكُنْ أَوَّلُ إِصْلَاحِكَ لِوَلَدِي إِصْلَاحَكَ لِنَفْسِكَ؛ فَإِنَّ عُيُونَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا صَنَعْتَ، وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا تَرَكْتَ"، وَحَذَّرَ ابْنُ مِسْكَوَيْهِ مِنْ تَرْكِ التَّرْبِيَةِ لِلْخَدَمِ؛ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَتَأَثَّرُوا بِأَخْلَاقِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَثَّرُ بِبُكَاءِ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَكْثَرَ مِنْ تَأَثُّرِهِ بِعِلْمِهِمْ!.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ:281].

 

عِبَادَ اللَّهِ: بِهَذِهِ التَّرْبِيَةِ الْجَادَّةِ نَجَحَ السَّلَفُ فِي تَرْبِيَةِ أَجْيَالٍ شَبَابِيَّةٍ قَوِيَّةٍ صَالِحَةٍ، قَادِرَةٍ عَلَى تَحَمُّلِ الْأَعْبَاءِ وَالْمَسْؤُولِيَّاتِ، وَأَثْمَرَتْ أَسَالِيبُهُمُ التَّرْبَوِيَّةُ نَمَاذِجَ مُشْرِقَةً فِي تَارِيخِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَمِنْ هَؤُلَاءِ الْأَفْذَاذِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ؛ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ، وَحَفِظَ الْمُوَطَّأَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، وَأَفْتَى وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً!.

 

وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ؟! إِمَامِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، صَاحِبِ الصَّحِيحِ، فَقَدْ أَلْهَمَهُ اللَّهُ الْاهْتِمَامَ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَقَرَأَ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى قِيلَ: "إِنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ وَهُوَ صَبِيٌّ سَبْعِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ سَرْدًا"، رَحَلَ إِلَى سَائِرِ مَشَايِخِ الْحَدِيثِ، وَمَا زَالَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ حَتَّى فَاقَ أَقْرَانَهُ، وَأَصْبَحَ إِمَامَ الْأَئِمَّةِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: "كُلُّ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُهُ الْبُخَارِيُّ فَلَيْسَ بِحَدِيثٍ".

 

وَهَلْ تَعْلَمُونَ -مَعْشَرَ الشَّبَابِ- أَنَّ الْإِمَامَ النَّوَوِيَّ مَاتَ وَهُوَ فِي الْأَرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، وَقَدْ خَلَّفَ لَنَا تُرَاثًا عِلْمِيًّا ضَخْمًا، وَذَاعَ صِيتُهُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ؟ وَإِمَامُ النُّحَاةِ سِيبَوَيْهِ صَنَّفَ فِي النَّحْوِ كِتَابًا هُوَ الْعُمْدَةُ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَكَانَ شَابًّا، وَتُوُفِّيَ وَعُمْرُهُ ثِنْتَانِ وَثَلَاثُونَ سَنَةً!.

 

وَالْمُجَاهِدُ الْبَطَلُ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الثَّقَفِيُّ فَتَحَ بِلَادَ السِّنْدِ -وَهِيَ بِلَادُ بَاكِسْتَانَ وَالْهِنْدِ- وَلَمْ يَتَجَاوَزْ عُمْرُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَسَّسَ أَوَّلَ دَوْلَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ فِي الْهِنْدِ، وَمَاتَ وَعُمْرُهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا!، وَالسُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ الْفَاتِحُ تَوَلَّى الْحُكْمَ وَهُوَ شَابٌّ صَغِيرٌ، وَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ فَتَحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ... وَالْحَدِيثُ عَنْ شَبَابِ السَّلَفِ يَطُولُ، وَحَسْبُنَا هَذِهِ النَّمَاذِجُ نَرْفَعُ بِهَا الْهِمَمَ، وَنَشْحَذُ بِهَا الْعَزَائِمَ.

 

فَيَا أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ: حَدِّثُوا شَبَابَنَا عَنْ سَلَفِهِمُ الصَّالِحِ كَيْفَ كَانُوا؟ وَبِمَ كَانُوا؟ أَحْيُوا فِي نُفُوسِهِمْ ذِكْرَيَاتِ أُولَئِكَ الشَّبَابِ، وَوَجِّهُوهُمْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَالسَّيْرِ عَلَى خُطَاهُمْ، وَاسْتَلْهِمُوا مِنْ سِيَرِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ مَا تُرَبُّونَ بِهِ أَوْلَادَكُمْ، وَسَتَرَوْنَ ثَمَرَةَ تِلْكُمُ التَّرْبِيَةِ صَلَاحًا لَهُمْ وَنَفْعًا لَكُمْ وَلِمُجْتَمَعَاتِهِمْ.

 

وَيَا شَبَابَ الْإِسْلَامِ، يَا أَمَلَ الْأُمَّةِ: إِنَّ الْوَاقِعَ الْعَمَلِيَّ يُثْبِتُ أَنَّهُ لَا نَهْضَةَ لِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بِشَبَابِهَا؛ فَالشَّبَابُ هُمْ دَعَائِمُ الْأُمَمِ وَقِوَامُهَا، وَقُوَّتُهَا وَمَصْدَرُ نَهْضَتِهَا، فَلْتَكُنْ آمَالُكُمْ أَسْمَى مِنْ أَنْ تُضَيِّعُوا أَوْقَاتَكُمْ فِي سَفَاسِفِ الْأُمُورِ، فَهَا هُمْ سَلَفُكُمْ كَانُوا شَبَابًا مِثْلَكُمْ، لَا يَخْتَلِفُونَ عَنْكُمْ فِي شَيْءٍ، لَكِنْ عَلَتْ هِمَمُهُمْ وَآمَالُهُمْ، وَجَدُّوا وَاجْتَهَدُوا؛ فَسَطَّرُوا فِي سَمَاءِ الْمَجْدِ أَسْمَاءَهُمْ فَكُونُوا مِثْلَهُمْ.

فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ *** إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالْكَرَامِ فَلَاحُ

 

وَاحْذَرُوا -يَا شَبَابُ- مَا يَصْنَعُهُ لَكُمُ الْأَعْدَاءُ مِنَ الْقُدْوَاتِ الْهَزِيلَةِ وَأَصْحَابِ الْبُطُولَاتِ الْوَهْمِيَّةِ وَالْهِمَمِ الدَّنِيئَةِ؛ لِيَصْرِفُوكُمْ عَنْ تَارِيخِ سَلَفِكُمْ وَأَمْجَادِكُمُ الْحَقِيقِيَّةِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

نماذج من تربية السلف للمراهقين.doc

نماذج من تربية السلف للمراهقين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات