عناصر الخطبة
1/من صفات المتقين ترك ما لا يعنيهم 2/بيان ما يعني المسلم وما لا يعنيه 3/صور من اشتغال الإنسان بما لا يعنيه 4/بعض الآثار السيئة لاشتغال المرء بما لا يعنيه 5/الآثار الحسنة للكف عما لا يعني المرء 6/التحذير من التصدي للفتوى بغير علماقتباس
من صور اشتغال المرء بما لا يعنيه: انتصابُه للفتوى والأحكام، وتصدُّره للإفادة في العلوم الشرعيَّة، وهو ليس بأهلٍ لذلك، فيتكلم في الدِّين بلا عِلْمٍ، ويُحدِّث بلا عِلْمٍ، ويُفتِي بلا عِلْمٍ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله على نعمة الإسلام التي أروى القلوبَ طُهرُها، وفاضَ في الأرض نَهرُها، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادة يقترن بالخلود ذكرها، وينسدل على الهفوات سترها، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه شهادة يعم الكون نشرها، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة دائمة ما انهل من السماء قطرها.
أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ العليمَ بالخفِيَّات، المحيط بما في الضمائر من المقاصد والنيات؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيها المسلمون: من صفات أهل العزائم والكمالات ترك ما لا يعني، ورفض الاشتغال بما لا يجدي، قال ابن المبارك: "سمعت مالِكًا يقول: لا يصلح الرجل حتى يترك ما لا يعنيه، فإذا كذلك أوشك أن يفتح الله في قلبه"، وقال بعض الحكماء: "من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه، ومن لم يستغن بما يكفيه فليس في الدنيا شيء يغنيه"، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه" (رواه الترمذي وابن ماجه)، قال ابن عبد البر: "وهذا من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة، في الألفاظ القليلة".
وقد بيَّن العلماءُ ما يعني المسلم وما لا يعنيه، قال ابن الملقن: "والذي يعني الإنسان من الأمور ما يتعلَّق بضرورة حياته في معاشه، وسلامته في معاده، وذلك يسير بالنسبة إلى ما لا يعنيه، فإذا اقتصر الإنسان على ما يعنيه من الأمور سلم من شر عظيم، والسلامة خير كثير، فالسلامة من الشر من حسن الإسلام".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- الورع كله في كلمة واحدة، فقال: مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنِيهِ، فهذا يعمُّ التركَ لِمَا لا يعني من الكلام، والنظر والاستماع والبطش والمشي والفِكْر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه الكلمة كافية شافية في الورع"، وقال ابن رجب: "إذا حَسُنَ الإسلامُ اقتضى تركَ ما لا يعني كله؛ من المحرمات والمشتبِهات والمكروهات، وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها؛ فإن هذا كله لا يعني المسلم إذا كمل إسلامه".
وثمرةُ اشتغالِ المرءِ بما يعنيه، وتركِه ما لا يعنيه الرفعة والراحة والسكينة والطمأنينة، والبركة في العمر والقول والعمل، والأهل والمال والولد، قال ابن حجر الهيثمي: "فإذا اقتصر على ما يعنيه، سَلِمَ من سائر الآفات، وجميع الشرور والمخاصَمات، وكان ذلك من الفوائد الدالَّة على حُسْن إسلامه، ورسوخ إيمانه، وحقيقة تقواه، ومجانَبته لهواه".
أيها المسلمون: وأكثر الناس تعاسة وانتكاسة وشقاء أكثرهم اشتغالًا بما لا يعنيه، قال سابق:
والنفس إن طلبَتْ ما ليس يعنيها *** جهلًا وسخفًا تقع فيما يعنيها
وقال الحسن البصَريّ: "من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه".
واشتغال المسلم بما لا منفعة له فيه هو الداء العضال الجالب لكل شر، ومن صور اشتغال المرء بما لا يعنيه: كثرة البحث عن أخبار الناس، والاشتغال باستقصاء أخبارهم، وتتبع أحوالهم، وكشف عوراتهم، والشغف بمعرفة تفاصيل أمورهم، وحكاية أقوالهم، ومعرفة أملاكهم، وضياعهم، وزوجاتهم، وأولادهم، ومعرفة الداخل عليهم والخارج منهم، حتى يدخل عليهم الحرج والأذى في كشف ما ستروه من أمورهم، وهو فعل قبيح مكروه، داخل في عموم حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أنَّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال"(مُتفَق عليه)، قال ابن رجب: "كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل حاله، فإن ذلك مما يكره المسؤول غالبًا".
وكَمْ سلَب ذلك التهافتُ المشؤومُ وكثرةُ سؤال الناس عن أحوالهم الخفيَّة والدقيقة، من خيرات وبركات، وكم زرَع من عداوات، وكم غرَس من إحن وخصومات، وكم أوقَع من حرج وحزازات، وقد جُبل الناسُ على بُغض الباحث عن مخبَّآت أمورهم، المستعلِم عن أحوالهم، المتقصِّي عن أهلهم وأولادهم وأموالهم، ومَنْ تقصَّى أخبارَ الناس مجَّتْه قلوبُهم، وعافته نفوسهم، وكرهته مجالسهم، وقد قيل: "مَنْ سأل عمَّا لا يعنيه سمع ما يعنيه"، وروي أن رجلًا دخل على ابن عمر -رضي الله عنهما- فوجده يخصف نعله، فسأله فأخبره، ثم قال: ما لك تخصف نعلك اشتر غيرها. فقال له ابن عمر: ألهذا جئت؟!"، قال محمد بن رشد: "إنما وبخه عبد الله بن عمر على قوله بقوله: "ألهذا جئت"؛ لأن ما قاله له مما لا يعنيه".
ومن صور الاشتغال بما لا يعنيه: أن يدخل في سر قوم أو حديث رجلين لم يدخلوه فيه، أو يستمع إلى كلام قوم يتشاورون في أمر يخصهم، قد انحازوا عنه، لا يرغبون إشراكه فيه، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة"(أخرجه البخاري)، والآنك هو الرصاص المذاب.
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يدخل الجنة قتات"(مُتفَق عليه)، والقتات هو الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم.
ومن صور اشتغال المرء بما لا يعنيه بحثه عن عيوب الناس وتتبع عوراتهم، والبحث عن زلاتهم، فلا منفعة له في آخرته من هذا الفعل الذميم.
شر الورى بمساوي الناس مُشتغِلُ *** مثلُ الذبابِ يُراعي موضعَ العِلَلِ
وقال ابن زنجي البغدادي:
يمشون في الناس يبغون العيوبَ لمن *** لا عيبَ فيه لكي يستشرف العطب
إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا *** شرًّا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا
ومن سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره، قال الشاعر:
المرء إن كان عاقلًا ورعًا *** أخرسه عن عيوبهم وَرَعُهْ
كما السقيمُ المريضُ يَشْغَلُهُ *** عن وجعِ الناسِ كُلِّهم وَجَعُهْ
قال ابن حِبَّانَ: "الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإنَّ مَنِ اشتغَل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه، ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإن من اشتغل بعيوب الناس عَن عيوب نفسه عمي قلبُه وتَعِبَ بدنُه، وتعذَّر عليه تركُ عيوب نفسه، وإن من أعجز الناس مَنْ عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه مَنْ عابهم بما فيه، من عاب الناس عابوه".
أيها المسلمون: ومن صور اشتغال المرء بما لا يعنيه خوضه في لغو الكلام الذي لا منفعة فيه، قال ابن رجب -رحمه الله-: "وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام، قال -تعالى- في صفات المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 3]، وفي الفرقان: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[الْفُرْقَانِ: 72]، وفي القصص: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ)[الْقَصَصِ: 55]، واللغو هو الباطل، ويشمل الشرك والمعاصي، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، شغلهم الجد فيما أمرهم الله به عن اللغو"، وقال سهل التستري: "من ظن ظن السوء حرم اليقين، ومن تكلم فيما لا يعنيه حرم الصدق، ومن اشتغل بالفضول حرم الورع، فإذا حرم هذه الثلاثة هلك"، وقيل: "على العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مُقبِلًا على شانه، حافظًا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه".
وقال الحسن بن حميد:
إذا عقل الفتى استحيا واتقى *** وَقَلَّتْ من مقالته الفضولُ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإذا عدل عمَّا أُمِرَ به من الصُّمات إلى فضول القول الذي ليس بخير، كان هذا عليه، فإنَّه يكون مكروهًا، والمكروه ينقصه، فإذا خاض فيما لا يعنيه، نقَص من حسن إسلامه فكان هذا عليه"، وقال الشافعي: "من أراد أن يُنَوِّرَ اللهُ قلبَه فليترُكِ الكلامَ فيما لا يعنيه"، وقال أيضًا: "ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعنيه"، ومن ترك من الأقوال والأفعال ما لا ضرورة فيه، ولا منفعة له منه صان نفسه، ومن أراد خفَّة الذنوب وقلة الأوزار وراحة القلب، وحسن الذكر وصلاح العمل فليترك الاشتغال بما لا يعنيه.
ونُقِلَ أن مالك بن دينار قال: "إذا رأيتَ قساوةً في قلبك، وضَعفًا في بدنك، وحرمانًا في رزقك فاعلم أنكَ قد تكلمتَ فيما لا يعنيكَ"، وعن زيد بن أسلم قال: "دخل على أبي دجانة -رضي الله عنه- وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين؛ أما إحداهما: فكنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأمَّا الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا"(أخرجه ابن سعد في الطبقات).
أيها المسلمون: ومِنْ صُوَرِ اشتغالِ المرءِ بما لا يعنيه: سؤال العلماء عمَّا لا يعنيه من القضايا والوقائع والحوادث، والإكثار من السؤال عمَّا لم يقع، ولا تدعو إليه حاجة؛ تكلفًا وتنطعًا، قال ابن حجر: "وثبَت عن جمعٍ مِنَ السلفِ كراهةُ تكلُّف المسائل التي يستحيل وقوعُها عادةً أو يَندُر جِدًّا، وإنَّما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن؛ إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- لمولاه عكرمة: انطلق فأفت الناس، فمن جاءك يسألك عمَّا يعنيه فأفته، ومن سألك عمَّا لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس"، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إذا أراد الله بعبد خير سدَّدَه، وجعَل سؤاله عمَّا يعنيه، وعِلْمَه فيما ينفعه"، وكان زيد بن ثابت -رضي الله عنه- إذا سئل عن الشيء يقول: "كان هذا؟!"، فإن قيل: لا، قال: "دعوه حتى يكون"، وقال ابن رجب: "التفقه في الدين والسؤال عن العلم إنما يحمد إذا كان للعمل، لا للمراء والجدل"، وقال ابن بطة في المتكلفين معرفة ما لم يأت به كتاب ناطق، ولا سلف سابق: "فإنَّه لن يعدو رجل كلف ذلك نظره، وقلب فيه فكره، أن يكون كالناظر في عين الشمس ليعرف قدرها، أو كالمرتمي في ظلمات البحور ليدرك قعرها، فليس يزداد على المُضيّ في ذلك إلا بُعدًا، ولا على دوام النظر في ذلك إلا تحيرا، فليقبل المؤمن العاقل ما يعود عليه نفعه، ويترك إشغال نظره وإعمال فكره في محاولة الإحاطة بما لم يكلف، ومرام الظفر بما لم يطوق، فيسلك سبيل العافية، ويأخذ بالمندوحة الواسعة، ويلزم الحجة الواضحة، والجادة السابلة والطريق الآنسة، فمن خالف ذلك وتجاوزه إلى الغمط بما أمر به، والمخالفة إلى ما ينهى عنه يقع والله في بحور المنازعة، وأمواج المجادَلة".
أيها المسلمون: جاهِدُوا النفوس على التمسك بهذا الأصل العظيم من أصول الأدب والسلوك، ومن جاهد نفسه على ترك الاشتغال بما لا يعنيه آجره مولاه، وبلغه ما تمناه، قال مورق العجلي: "أمر أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة، لم أقدر عليه، ولست بتارك طلبه أبدًا"، قالوا: "وما هو يا أبا المعتمر؟"، قال: "الكفّ عمَّا لا يعنيني"، وقال أبو ليث السمرقندي: "ويقال: أصل الورع أن يتعاهد المرء قلبه؛ لكي لا يتكفر فيما لا يعنيه، فكلما ذهب قلبه إلى ما لا يعنيه، عالجه حتى يرده إلى ما يعنيه، وهو أشد الجهاد، وأفضله وأشغله لصاحبه".
جعلني الله وإيَّاكم ممن تفكر فيما يعنيه، وترك الاشتغال بما لا يعنيه، وأقبل على ما يقربه إلى ربه ويدنيه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، ويا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله آوى مَنْ إلى لُطفه أوى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوَى بإنعامِه مَنْ يئس مِنْ أسقامِه الدوا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، مَنِ اتّبَعَه كان على الْهُدَى، ومَنْ عصاه كانفي الغواية والرَّدَى، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً تبقى، وسلامًا يَترَى.
أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
أيها المسلمون: ومن صور اشتغال المرء بما لا يعنيه: انتصابُه للفتوى والأحكام، وتصدره للإفادة في العلوم الشرعيَّة، وهو ليس بأهل لذلك، فيتكلم في الدين بلا علم، ويحدث بلا علم، ويفتي بلا علم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومَنْ تكلَّم في الدين بلا علم كان كاذبًا، وإن كان لا يتعمد الكذب".
أيها المسلمون: نزِّهُوا قلوبَكم وجوارحَكم عمَّا لا ينفعكم، فإن العبد إذا شُغِلَ بما لا ينفعه انصرف عمَّا ينفعه، فتحققت خسارتُه وعظمت ندامتُه، قال ابن القيم في كلام جليل متين بديع: "كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه، إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة، لم يمكن شغلها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها، فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه والأنس به، لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه، والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلقه بغيره، ولا حركة اللسان بذكره، والجوارح بخدمته إلا إذا فرغها من ذكر غيره وخدمته، فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق، والعلوم التي لا تنفع، لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه، وسر ذلك أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا صغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء ولا فهم لحديثه، كما إذا مال إلى غير محبة الله، لم يبق فيه ميل إلى محبته، فإذا نطق القلب بغير ذكره لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان، ولهذا في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا، فبين أن الجوف يمتلئ بالشعر، فكذلك يمتلئ بالشبه، والشك والخيالات، والتقديرات التي لا وجود لها، والعلوم التي لا تنفع، والمفاكَهات، والمضحكات، والحكايات ونحوها، وإذا امتلأ القلب بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته، فلم تجد فيه فراغًا لها، ولا قَبولًا، فتعدته وجاوزته إلى محل سواه، ولذلك قيل:
نَزِّهْ فؤادَك مِنْ سِوَانَا تَلْقَنَا *** فَجَنَابُنَا حِلٌّ لِكُلِّ مُنَزِّهِ".
وصلُّوا وسلِّموا على أحمد الهادي شفيع الورى طُرًّا، فمَنْ صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ على نبيِّنا وسيدِنا محمدٍ، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، ذوي الشرف الجلي، والقدر العلي، أبي بكر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.
اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحفظ بلادنا، وبلاد المسلمين، من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين، وحسد الحاسدين، يا ربَّ العالمينَ، رب اجعل هذا البلد آمِنًا.
اللهمَّ وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرَنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهمَّ وفِّقْه ووليَّ عهدِه، وسائر ولاة المسلمين، لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ واشف مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ انصر إخواننا في فلسطين، على الطغاة المحتلين، وطهر المسجد الأقصى من رجز اليهود الغاصبين، واحفظ أهلنا في فلسطين، واجبر كسرهم، وجعل نصرهم، وأقل عثرتهم، واكشف كربتهم، وفك أسراهم، واشف مرضاهم، وتقبل موتاهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ اختم بالسعادة آجالنا، وحقق برحمتك آمالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جنتك مصيرنا وآمالنا، وتقبل بفضلك أعمالنا، إنك مجيب الدعوات، ومفيض الخيرات.
اللهمَّ اجعل دعاءنا مسموعًا، ونداءنا مرفوعًا، يا كريم يا عظيم يا رحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم