أصول الإيمان(2) الإيمان بالملائكة

تركي بن علي الميمان
1447/05/28 - 2025/11/19 21:14PM

عنوان الخطبة :أصول الإيمان(2) الإيمان بالملائكة

الخطبة الأولى:

الحمدلله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العالم بحال العبد في سره وجهره ،{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم:25]، أحمده سبحانه وأشكره، وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه،{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:18]

عباد الله: من أشرف ما يتعلمه الإنسان، ويعلمه لغيره أصول الإيمان وأركانه الستة، الواردة في حديث جبريل حين سأل النبي صَلى الله عليه وسلم عن الإِيمَانِ، فقال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[رواه مسلم (8)]              =فمن أركان الإيمان: الإيمان بالملائكة                              والملائكة:عالم غيبيٌّ، مخلوقون، عابدون لله تعالى، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، خلقهم الله تعالى من نور، ومنحهم الانقياد التامَّ   لأمره، والقوة على تنفيذه. قال الله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ  عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:19-20]

وهم عدد كثير، لا يحصيهم إلا الله تعالى، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رَضي الله عنه في قصة المعراج أن النبي صلَى الله عليه وسلم رُفع له البيت المعمور في السماء، «يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ»[رواه البخاري(3207) ومسلم(164)]     

=والذي يستقصي الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، التي تكلمت عن الملائكة، وأوصافهم، وأعمالهم، وأحوالهم، يلاحظ أنها تناولت، في الغالب ما يبين علاقتهم بالخالق سبحانه، وبالكون، وبالإنسان؛ فعرَّفنا سبحانه من ذلك على ما ينفعنا في تطهير عقيدتنا، وتزكية قلوبنا، وتصحيح أعمالنا. [الإيمان: نعيم ياسين(ص29-30)]

فأما علاقتهم بالله: فهي علاقة العبودية الخالصة، والطاعة والامتثال، والخضوع المطلق لأوامره عز وجل؛ لا ينتسبون إليه سبحانه إلا بهذه النسبة، فهم ليسوا آلهة من دونه سبحانه، ولا ذرية له ولا بنات، كما  

قال المشركون من قبل.

وأما صلتهم بالكون والإنسان: فهي فرع تلك العبودية، وتلك الطاعة،  فتشتمل على تنفيذ إرادته جل وعلا بتدبير أمور الكون، ورعايته، بكل ما فيه من مخلوقات، وما فيه من حركة ونشاط، وما فيه من حياة وجماد، وما فيه من قوانين ونواميس، وإنفاذ قدره وفق قضائه في هذه المخلوقات كلها، وتنفيذ إرادته سبحانه في مراقبة وتسجيل كل ما يحدث في الكون من حركات إرادية وغير إرادية: فهم الموكلون بالسموات والأرض، وكل  حركة في العالم تدخل في اختصاصهم كما أراد خالقهم تبارك وتعالى. [الإيمان: محمد نعيم ياسين(32-33)]

والإيمان بالملائكة-عباد الله- يتضمَّنُ أموراً عدة:                                 يتضمن(1)الإيمان بوجودهم.                                  

ويتضمن(2)الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه (كجبريل) ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالاً.                                                 

ويتضمن(3)الإيمان بما علمنا من صفاتهم، كصفة (جبريل) فقد أخبر النبي صلَى الله عليه وسلم أنه رآه على صفته التي خُلق عليها، وله  

ستمائة جناح قد سدَّ الأفق.                    

وقد يتحول الملك بأمر الله تعالى إلى هيئة رجل، كما حصل (لجبريل) حين أرسله الله تعالى إلى مريم فتمثَّل لها بشرًا سويًّا، وحين جاء إلى النبي صلَى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه، جاءه بصفة رجلٍ شديدِ بياضِ الثياب، شديدِ سوادِ الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي صلَى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي صلَى الله عليه وسلم عن الإسلام، والإيمان، والإحسان، والساعة، وأماراتها؛ فأجابه النبي صلَى   الله عليه وسلم فانطلق، ثم قال صلَى الله عليه وسلم: هذا «جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»[مسلم(8)]. وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم ولوط، كانوا على صورة رجال.    

ومما يتضمنه الإيمان بالملائكة: (4) الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى؛ كتسبيحه، والتعبد له ليلاً ونهارًا بدون ملل، ولا فُتُور.

وقد يكون لبعضهم أعمال خَاصَّة.                                   مثل: جبريل الأمين على وحي الله تعالى، يرسله الله به إلى الأنبياء والرسل.   

ومثل ميكائيل: الموكل بالقطر أي بالمطر والنبات.                          ومثل إسرافيل: الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق.          ومثل ملك الموت: الموكل بقبض الأرواح عند الموت.                   ومثل مالك: الموكل بالنار، وهو خازن النار.                         ومثل الملائكة الموكلين بالأجِنَّةِ في الأرحام، إذا أتم الإنسان أربعة أشهر في بطن أمه، بعث الله إليه ملكًا وأمره بكتب رزقه، وأجله، وعمله،  وشقيٍّ، أو سعيد.               

ومثل الملائكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم، وكتابتها لكل إنسان، ملكان أحدهما عن اليمين والثاني عن الشمال.                       ومثل الملائكة الموكلين بسؤال الميت إذا وضع في قبره؛ يأتيه ملكان، يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه.                                         أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[غافر:7] بارك الله لي ولكم في القرآن...

الخطبة الثانية:                                                        الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا  إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله   وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ  تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102]                              عباد الله: والإيمان بالملائكة، يثمر ثمراتٍ جليلةً، منها:[العلم بعظمة الله  تعالى، وقوَّته، وسلطانه، فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق.  ومنها: شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم، حيث وكَّل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم، وكتابة أعمالهم، وغير ذلك من مصالحهم. ومنها: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى، ونصرتهم للمؤمنين واستغفارهم لهم].          

وقد أنكر قوم-عباد الله- من الزائغين كون الملائكة أجسامًا، وقالوا:  

إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات، وهذا تكذيب لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين.                  قال الله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً   أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[فاطر:1]

وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ  وَأَدْبَارَهُمْ}[الأنفال:50]    

وقال في أهل الجنة: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}[الرعد:23-24]                                       -وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ» [رواه البخاري(3209)]                          -عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «إِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ المَلاَئِكَةُ،   يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ، وَجَاءُوا   يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ»[رواه البخاري(3211)]                                   وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية.                 [نبذة في العقيدة الإسلامية: لابن عثيمين (ص42-45)-أو- شرح أصول الإيمان. بتصرف]

فالملائكة نوع من مخلوقات الله عز وجل، لا يصلح إيمان عبد حتى يؤمن بوجودهم وبما ورد في حقهم من صفات وأعمال، في كتاب الله وسنة رسوله صَلى الله عليه وسلم، من غير زيادة، ولا نقصان، ولا تحريف.

قال تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}[البقرة:285]                                     

فوجود الملائكة ثابت بالدليل القطعي الذي لا يمكن أن يلحقه شك. ومن هنا كان إنكار وجودهم كفراً بنص القرآن، فقد قال الله:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}  [النساء:136]

=فلنتق الله تعالى -عباد الله-، ولنؤمن بأركان الإيمان كلها، ولنوقن بما أخبرنا الله به أو رسوله صَلى الله عليه وسلم عن الملائكة، من وجودهم وأسمائهم وصفاتهم وأعمالهم. {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ}[النحل:2]  وصلوا وسلموا على الهادي البشير...

المرفقات

1763576010_أصول الإيمان(2) الإيمان بالملائكة.docx

1763576045_أصول الإيمان(2) الإيمان بالملائكة.pdf

المشاهدات 140 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا