أهمية عبودية الاستعاذة

أحمد بن علي الغامدي
1446/11/10 - 2025/05/08 18:21PM

   .الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى

   وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ 

أمّا بعد :فإن اللهَ أمرَ عبادَه بدعائِه وحدَه، ووعدَهم الإجابة، ومن الأدعيةِ الواردةِ في الكتاب والسنة النبوية ، والتي تتكررُ كثيرا في اليوم والليلة : الاستعاذةُ بالله من المخاوِفِ والشرورِ عموما ، وهي عبادةٌ من أجلِّ العبادات، يظهرُ فيها تعظيمُ الله وتعلُّق القلبِ به وإفرادُه بالطلبِ والافتِقار، وعلى قدرِ صِدق العبد ولجُوئِه إلى الله يتحقَّقُ مُبتغاه، قال الله في الحديث القُدسي إذا أحبَّ عبدَه: « وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ‌وَلَئِنْ ‌اسْتَعَاذَنِي ‌لَأُعِيذَنَّهُ » (رواه البخاري).

عباد الله :نبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم- كان دائِمَ اللُّجوء إلى ربِّه مُقبِلاً عليه في كل أحواله؛ فكان يستعيذُ بالله من شرورٍ كثيرةٍ إذا أصبحَ وإذا أمسَى، وعندَ أولِ السفرِ وآخرهِ  ، وفي السِّلم والحرب، وإذا أخذَ مضجِعَه للنوم ، وعند دخولِ الخلاء. وعند الخروجِ من البيت ، وكان يتعوذ من الفقرِ صباحا ومساء ، وكان في صلاتِه يتعوُّذ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، ومن فتنةِ المحيا والمماتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ومِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ[ الدَّين] ؛ وكان يُعوِّذُ الصغار؛ فكان يُعوِّذُ الحسنَ والحسينَ -رضي الله عنهما- ويقول: « ‌أُعِيذُكُمَا ‌بِكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ، من كل شيطانٍ وهامَّة، ومن كل عينٍ لامَّة، ويَقُولُ: " كَانَ إِبْرَاهِيمُ أَبِي يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ، وَإِسْحَاقَ » (رواه أحمد)..

عباد الله : الشيطانُ هو العدوُّ المُبين، وأساسُ كلِ شرٍّ وبليَّة، يسعَى بكل سبيلٍ للضررِ بالعبدِ وشقائِه، ولا نجاةَ منه إلا بالله وحدَه، وقد أنزلَ الله سورةً كاملةً في الاستِعاذة من شرِّه وشرِّ جنوده من الجنِّ والإنس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) .

  ومن التعوُذات المشروعةِ من الشيطان قولُه صلى الله عليه وسلم، " إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ ‌التَّامَّاتِ ‌مِنْ ‌غَضَبِهِ ‌وَعِقَابِهِ ‌وَشَرِّ ‌عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ  وَأَنْ يَحْضُرُونِ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ     

      وفي الصباحِ والمساءِ وعند َالنومِ يُشرعُ التعوَّذُ بالله من شرِّ الشيطان، قال أبو بكرٍ  الصديقُ- رضي الله عنه -: يا رسولَ الله! مُرْني بكلماتٍ أقولُهنَّ إذا أصبحتُ وإذا أمسيتُ،  قال:   «قُل: اللهم فاطِرَ السماواتِ والأرض، عالِمَ الغيب والشهادة، ربَّ كلِ شيءٍ ومليكَه، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أعوذُ بك من شرِّ نفسي وشرِّ الشيطان وشِرْكِه»، قال: «قُلْها إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضجِعَك» (رواه أبو داود)

   ويسعَى الشيطانُ للإضرار بابن آدم من أولِ ساعةٍ يلتقِي فيها الرجلُ بامرأته، وبالاستِعاذة يندفعُ ضررُه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «لو أنَّ أحدَكم إذا أتَى أهلَه قال: بسمِ الله، اللهم جنِّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتَنا، فقُضِيَ بينهما ولدٌ لم يضُرُّه شيطانٌ أبدًا».

عباد الله : السحرُ والعينُ حقٌّ، ولا تُتَّقى آفاتُهما بمثلِ الاستِعاذة، وهي - بإذن الله - تدفعُ جميعَ الشُّرورِ قبل وقوعها وترفعُها بعد حُدوثها، قال - عليه الصلاة والسلام - لعُقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه -: «ألا أُخبرُك بأفضلِ ما تعوَّذَ به المُتعوِّذون؟ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)  (رواه أحمد). ويشرع قراءة هاتين السورتين أربعَ عشرةَ مرةً في اليوم   والليلة في أحوالٍ وأوقاتٍ معلومة

  " عباد الله : الاستعاذة هي : "الالتجاءُ إلى الله، والاستجارةُ والاعتصامُ والتحصنُ به من كلِ شرٍ وذي شر.

   قال ابن القيم في أهمية الاستعاذةِ من الشيطان:"   ولما عَلِمَ سبحانه وتعالى جِدَّ الشيطان وتفرُغَه للعبد وعَجْزَ العبدِ عنه، أمرَه بأن يستعيذَ به سبحانه، ويلتجئَ إليه في صرفه عنه، فيُكْفَى بالاستعاذة مؤونةَ محاربتِه ومقاومتهِ، فكأنه قيل له: لا طاقةَ لك [أيها الإنسان ] بهذا الشيطان، فاستعذْ بي واستجرْني أَكْفِكَه وأمنعْك منه."

   وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :" ومن أهم شروط الدعاء: أن يتيقنَ الإنسانُ أنه ‌عاجزٌ ومفتقرٌ إلى الله غايةِ الافتقار في حصولِ مطلوبِه إلا منه ، أما أن يدعو وهو يشعرُ بأنه مستغنٍ عن الله: فهذا لا يجاب، وكيف يجيب الله عز وجل، شخصاً يدعوه وهو يرى أنه غيرُ محتاجٍ إليه".

   ولذا ينبغي على المسلم أن يتفهّمَ ويتدبرَ السورَ والآياتِ والأدعية والتحصيناتِ النبوية  التي يُشرعُ قولُها في الصباح والمساء وعند النوم  ، فإنّ لحضورِ القلبِ أهميةً بالغةً في مدى حصولِ التحصينِ بها والانتفاعِ منها 

عباد الله : أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

  الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ  

أما بعد: فإنّي سأذكرُ لكم حديثا علمّهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم أحبَ الناس إليه ،فاحرصوا عليه.قالت أمُ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُصَلِّي، وَلَهُ حَاجَةٌ، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِ، فقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالْجَوَامِعِ الْكَوَامِلِ [ أي :من الأدعية ] وقُولِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلًك من الْخَيْر كُلِه عاجلِه وآجلِه مَا علمتُ مِنْهُ وَمَا لم أعلم ،وَأَعُوذ بك من الشَّرِّ كُلِه عاجلِه وآجلِه مَا علمتُ مِنْهُ وَمَا لم أعلم ، ‌اللَّهُمَّ ‌إِنِّي ‌أسألُكَ ‌مِنْ ‌خَيْرِ ‌ما ‌سألَكَ منْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما ‌اسْتَعاذَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْجنَّة وَمَا قرّبَ إِلَيْهَا من قَولٍ أَو عمل وَأَعُوذُ بك من النَّار وَمَا قرب إِلَيْهَا من قَول أَو عمل وَأَسْأَلُك أَن تجْعَل كل قَضَاء قَضيته لي خيرا وعاقبتَه رَشَدًا".

 عباد الله :على المُسلم أن يُعلِّقَ قلبَه بالله دوماً، ويلُوذَ به في كلِ صغيرةٍ وكبيرةٍ، ولا يملَّ من كثرة الاستِعاذة ؛ فبها يعبُدُ ربَّه، ويعصِمُ نفسَه من السوء، وفي ذلك سعادتُه وعزُّه وعافيتُه ومعافاتُه.

 عباد الله : صلوا وسلموا

المرفقات

1746717673_أهمية عبودية الاستعاذة.docx

المشاهدات 247 | التعليقات 0