التحذير من الحسد وفضل عشر ذي الحجة

عايد القزلان التميمي
1446/11/24 - 2025/05/22 13:57PM
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ ، صَاحِبُ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ ، عَوَّذ نَبِيِّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، بِيَدِهِ الْفَضْل وَقَوْلُه الْفَصْل ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى الِهِ وَصَحْبِهِ وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي طَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَسَلَامَةِ الصُّدُورِ وَكَمَال الْأَدَب .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلّ .
أيها المؤمنون : قال الله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وقال سبحانه: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾
وقال عزَّ مِن قائل: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }
عباد الله وروى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تباغَضوا، ولا تحاسَدوا، ولا تدابَروا، وكونوا - عباد الله - إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالٍ))؛
عِبَاد اَللَّهِ: وَمِنْ مَظَاهِرِ سُوءِ اَلْخُلُقِ اَلَّتِي نَهَى دِينَنَا اَلْإِسْلَامِيُّ عَنْهَا صِفَةُ اَلْحَسَدِ،
وَالْحَسَدُ يَا عِبَادَ اَللَّهِ نَوْعَانِ؛ حَسَدٌ مَذْمُومٌ وَحَسَدٌ مَحْمُود:
فَأَمَّا اَلْحَسَد اَلْمَحْمُود: فَالْمَقْصُودُ بِهِ أَنْ يَرَى اَلْإِنْسَان نِعْمَةً عَلَى غَيْرِهِ، فَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُون لَهُ مِثْلُهَا دُونَ أَنْ يَكْرَهَهَا أَوْ يَتَمَنَّى زَوَالُهَا عَنْ ذَلِكَ اَلْغَيْرِ وَهَذَا مَا حَثَّ عَلَيْهِ اَلنَّبِيُّ- صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: (لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فقالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ.) (اَلْبُخَارِي ) .
وَهَذَا اَلنَّوْعُ مِنْ اَلْحَسَدِ اَلْمَحْمُودْ يُسَمَّى بِالْغِبْطَةِ أَوْ اَلْمُنَافَسَةِ،
وَأَمَّا اَلْحَسَدُ اَلْمَذْمُومُ: فَالْمَقْصُودُ بِهِ أَنْ يَرَى اَلْإِنْسَانُ نِعْمَةً عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ فَيَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَتَمَنَّى زَوَالَها عَنْهُ وَانْتِقَالِهَا إِلَيْهِ. وَهَذَا اَلنَّوْعُ مِنْ اَلْحَسَدِ ذَمَّهُ اَللَّهُ وَحَرَّمَهُ فِي كِتَابِهِ، وَحَذّرَنَا مِنْهُ اَلنَّبِيُّ- صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَنَتِهِ اَلْمُطَهَّرَةِ.
عباد الله
والحسد: هو أوَّل ذنبٍ عُصِيَ به اللهُ في السماء، وأوَّل ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به في الأرض.
وأمَّا ما كان في السماء، فهو عِصيان إبليسَ أمرَ ربِّه أن يَسجُد لآدَم .
وأمَّا ما كان في الأرض، فقَتْلُ قابيل لأخيه هابيل .
عباد الله ويقول الله عز وجل ” {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}
وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أنّ مِنْ وَقَعَ فِي الْحَسَدِ فَقَدْ أَسَاءَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ الْحَسَدِ ، وَأَنْ يَرْضَى بِالْقَضَاء وَالْقَدَر .
عِبَادَاللَّهِ وَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقّ " .
وَاعْلَمُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : أنّ شَرَّ الْحَاسِدِ يَنْدَفِعُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَذْكَارِ وَقِرَاءَة الْقُرْانِ.
فَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ تَوَلَّى اللَّهُ حِفْظَهُ، وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى غَيْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: (( وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا))
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ((احفَظِ اللهَ يَحفَظْكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْه تُجاهَكَ)) [صححه الألبانى ))
فمن حفظ الله، حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه،
ويندفع شر الحاسد بالتوكل على الله : " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " فإنَّ الله حسبه أي كافيه وناصره .
وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الْحَسَدِ وَمَنْ شَرِّه ، وَاشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي رَزَقَكُم إيَّاهَا، وَتَذَكَّرُوا حِكْمَتَهُ فِي الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ، وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْض.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْانِ الْعَظِيم...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ سَيِّدُ وَلَدِ ادَمَ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدَّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاعلموا عِبَاد الله : أَنَّ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ الَّتِي سَتَدْخُل بَعْدَ أَيَّامٍ ، هي أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ، وَاَلَّتِي قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم (( مَا مِنْ أَيامٍ العَمَلُ الصَّالحُ فِيها أَحَبُّ إِلى اللَّهِ مِنْ هذِهِ الأَيَّامِ)) يعني: أَيامَ العشرِ، قالوا: يَا رسولَ اللَّهِ وَلا الجهادُ في سبِيلِ اللَّهِ؟ قالَ: ((وَلاَ الجهادُ فِي سبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرجَ بِنَفْسِهِ، وَمَالِهِ فَلَم يَرجِعْ منْ ذَلِكَ بِشَيءٍ)) رواه البخاريُّ.
أيّها المسلم، وفي أيام العشر المباركةِ
اجتمعت فيها أنواعٌ من العبادة؛ الصلاة والصوم والصدقة والحجّ، فأكثِر من فعلِ الطاعَة، وبادِر إلى الفرائِض، وأكثِر من النوافِل.
ويُسنّ صيامُ التّسع الأيام الأولى من ذي الحجة لمن قدر على ذلك، ففي مسند الإمام أحمد رحمه الله أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعَ ذي الحجة ويومَ عاشوراء وثلاثةَ أيام من كلّ شهر .
وأفضلها وآكدُها صومُ يوم عرفة لمن لم يكن حاجًا،
عباد الله ومن نوى أن يضحي فيجب عليه أن يُمْسِك عن شعره وأظفاره من أول ليالي العشر فلا يأخذ منها شيئا؛ لما جاء في حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النبي قال: ((إذا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُم أَنْ يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شيئا))، رواه مسلم.
فَاجْتَهِدُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْعَشْرِ الْمُبَارَكَة، وَفَرِّغُوا فِيهَا أَنْفُسِكُمْ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ؛ (( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ))
عباد الله صلوا وسلموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.
المرفقات

1747911442_خطبة عن الحسد وفضل عشر ذي الحجة.docx

المشاهدات 223 | التعليقات 0