التوحيد أهميته وفضائله
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الهويمل
التوحيد أهميته وفضائله
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرًا . أما بعد :-
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلانية .
عباد الله : خطبتنا اليوم عن أصل عظيم ، من أجله خلق الله الجن والإنس ، و بعث الرسل وأنزل الكتب ، إنَّه التَّوحيد ، أوَّلُ واجبٍ ، وأوجَبُ عبادةٍ كتبها الله تعالى على عباده مِن الإنس والجنِّ ، وأعظمُ طاعةٍ ، وأجلُّ حسنةٍ ، وأفضل قُربة ، لأن التوحيد هو أصلَ الدين وأساسَه وأوَّلَ أركانه ، وهو جِماعُ الخير ولا تُقبلُ حسنةٌ إلا به ، والعملُ القليلُ معه مُضاعَفٌ ، وبدونِه الأعمالُ الصالِحةُ حابِطةٌ وإن كانت أمثالَ الجبال ، فمَن حقَّقه في دنياه ومات عليه دخل الجنَّة . والتوحيد هو : إفراد الله بالعبادة ، وإفراده بما يختص به جل جلاله من الإلهية والربوبية والأسماء والصفات .
عباد الله : وإن مما يدلكم على عظيم منزلة التوحيد وكبير أهميته :-
1- أن التوحيد أول الواجبات ، فلا يطالب العبد بشيء قبله . قال الله تعالى : " فأعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَـمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، قَالَ لَهُ : « إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ » . وَفِي رِوَايَةٍ : « إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ » أَخْرَجَهُ الشيخان .
2- أن التوحيد هو الغاية التي خلق الله الخلق لأجلها . قال الله عز وجل : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] . إلا ليعبدون : يعني : إلا ليوحدوني بالعبادة ، لأن العبادة أساسها التوحيد .
3- أن التوحيد هو حق الله الأعظم على العباد كافة . عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: كنتُ رَدِيفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على حمارٍ ، فقال لي : { يا مُعاذُ ، أتدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ ، وما حَقُّ العِبادِ على اللهِ } قُلتُ : اللهُ ورَسولُه أعلَمُ ، قال : { حَقُّ اللهِ على العِبادِ أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا ، وحَقُّ العِبادِ على اللهِ ألَّا يُعَذِّبَ مَن لا يُشرِكُ به شيئًا } أخرجه البخاري ومسلم باختلاف يسير .
4- أن التوحيد هو أصل دعوة الرسل ومحورها ، فما من رسول إلا وبُعِث بالتوحيد ، ولأجل الدعوة إلى التوحيد . قال عز وجل : ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36] ، وقال تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25] . فجميع الأنبياء والرسل بدؤوا دعوتهم بالتوحيد ، والنبي صلى الله عليه وسلم ظلَّ ثلاث عشرة سنة في مكة يدعو فقط إلى شيء واحد ، وهو التوحيد . وكان يعلِّم أصحابه ويربيهم على توحيد الله تبارك وتعالى ، يقول لابن عباس رضي الله عنهما : ( يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجدْهُ تُجاهك ، إذا سألت فاسألِ الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رُفعتِ الأقلام وجفَّتِ الصحف ) صحيح الترمذي .
5- أن التوحيد أساس قبول الأعمال الصالحة ، فلا عمل مقبول بدون توحيد . قال الله عز وجل : ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19] . وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ) [ الزمر 65 – 66 ] .
6- أن القرآن كله يدعو إلى تحقيق التوحيد ولوازمه . قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد ، شاهدة به ، داعية إليه .. " (مدارج السالكين) . اللهم أحينا على التوحيد ، وأمتنا عليه ، ووفقنا لتحقيقه يا أرحم الراحمين .. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا . أما بعد :-
فاتقوا الله تعالى حق التقوى ، وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه .
عباد الله : إن للتوحيد فضائل عظيمة وآثار جليلة في الدنيا والآخرة ، أسعدُ الناس بها هم أهل التوحيد والبراءة من الشرك . فمن هذه الفضائل :-
1- أن التوحيد يعصم دم الإنسان وماله في الدنيا ، عن طارق بن أشيم رضي الله عنه عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ . وَحِسَابُهُ عَلَى الله عز وجل ) رواه مسلم .
2- أن المحققين للتوحيد المبتعدين عن الشرك بأنواعه لهم الأمن والهداية في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : ( ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ ) . وقال الإمام ابن قيم رحمه الله : فالتوحيد مِن أقوى أَسباب الأَمْن مِن المَخاوِف ، والشِّرك مِن أعظم أَسباب حصول المَخاوِف .
3- بتحقيق التوحيد يتحقّق النصر والتمكين والاستخلاف في الأرض بإذن الله ،
قال الله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) .
4- أن التوحيد سبب لمغفرة الذنوب . عن أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ : سمعتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ يقُولُ : " قَالَ اللَّه تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَني وَرَجَوْتَني غَفَرْتُ لَكَ عَلى مَا كَانَ مِنكَ وَلا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدمَ ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّماءِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَني ، غَفَرْتُ لَكَ ، يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَو أَتَيْتَني بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايا ، ثُمَّ لَقِيْتَني لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا ، لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً " رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
5- التوحيد أعظم أسباب دخول الجنة والنجاة من النار : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ لَقِيَ الله لا يُشْرِك به شَيئا دخل الجنَّة ، ومن لَقِيَه يُشرك به شيئا دخَل النار " . وعنه رضي الله عنه قال : جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله ما الموجِبتان ؟ قال : { من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، ومن مات يشرك به شيئاً دخل النار } ، [رواهما مسلم] .
6 - أن التَّوْحِيدُ سَبِيلُ النَّجَاةِ ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ ، فَمَا دُفِعَتْ شَدَائِدُ الدُّنْيَا بِمِثْلِ التَّوْحِيدِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ دُعَاءُ الكَرْبِ بِالتَّوْحِيدِ ، وَدَعْوَةُ ذِي النُّونِ الَّتِي مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إِلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كَرْبَهُ بِالتَّوْحِيدِ ، فَلَا يُلْقِي فِي الكُرَبِ العِظَامِ إِلَّا الشَّرْكُ وَلا يُنْجِي منها إِلا التَّوْحِيدُ ، فَهُوَ مَفْزَعُ الخَلِيقَةِ وَمَلْجَؤُهَا وَحِصْنُهَا وَغِيَاتُهَا ، الفوائد لابن القيم .
7- أنَّ مَن حقَّق التوحيد فهو أَسْعَدُ الناسِ بشفاعة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم القيامة : كما في الحَدِيثِ : « أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ » [البخاري] . اللهم اجعالنا مِن عبادك الموحِّدين الذين لا يُشركون بك شيئًا حتى نلقاك ، اللهم جنِّبنا الشِّرك قليله وكثيره ، صغيره وكبيره ، يارب العالمين ..
عباد الله : [ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ] . اللهم صل وسلم على نبينا محمد ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين وجميع أعداء الدين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، اللهم احفظ بلاد الحرمين وأدم أمنها وإيمانها ورخاءها واستقرارها برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الأَبْدَانِ ، وَالأَمْنَ فِي الأَوْطَانِ ، وَالْفَوْزَ بِالنَّعِيمِ وَالرِّضْوَانِ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا ولوالدينا ولِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللَّهمَّ وَفِّقْ إمامنا وولي عهده لِهُدَاكَ ، وَاجَعَلْ أعْمَالَهُم فِي رِضَاكَ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهم لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، وَخُذْ بِنواصِيهِم لِلبِرِّ وَالتَّقْوَى ، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا ، اللهم أيِّدْهم بتأييدِكَ واحفظهم بحفظك يا أرحم الراحمين . ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) ، وأقم الصلاة .
( خطبة الجمعة 17/7/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل للتواصل جوال و واتساب / 0504750883 ) .
المرفقات
1736937625_التوحيد أهميته وفضائله.docx