الجائحة الجديدة
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
" الجائحة الجديدة "
الخطبة الأولى.
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ الطُّمَأْنِينَةَ وَالاسْـتِقْرَارَ النَّفْسِيَّ ثَمَرَةً مِنْ ثَمَرَاتِ ذِكْرِهِ وَطَاعَتِهِ، وَجَعَلَ الْوَسَاوِسَ وَالْقَلَقَ وَالاضْطِرابَ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ وَحَادَ عَنْ دَرْبِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عَاشَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَتَابِعِيهِمْ دَائِمًا أَبَدًا.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، لِتَعِيشُوا عِيشَةَ الرَّاحَةِ وَالهُدَى، وَاعْـلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ أَنَّ الْخَالِقَ جَلَّ فِي عُلاهُ أَرَادَ أَنْ يَعِيشَ الإنْسَانُ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ عِيشَةَ الآمِنِ الْمُطْمَئِنِّ، لِيَعْمُرَ هَذِهِ الْحَيَاةَ بِاسْتِقَامَةٍ وَسَعَادَةٍ وَنِظَامٍ، بَعِيدًا عَنْ جَمِيعِ أَشْكَالِ الْقَلَقِ وَالْوَسَاوِسِ وَالاضْطِرَابِ، الَّتِي لا يُمْكِنُ أَنْ تَسِيرَ مَعَهَا الْحَيَاةُ سَيْرَهَا الطَّبِيعِيَّ، وَإِنَّمَا تَتَحَوَّلُ بِهَا إِلَى جَحِيمٍ لا يُطَاقُ، وَلِذَلِكَ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَيَاتَيْنِ، حَيَاةِ الأَمْنِ وَالاطْمِئْنانِ، وَحَيَاةِ الْقَلَقِ وَالْخَوْفِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل ـ 12)، فَمُرَادُ اللهِ مِنْ أَهْـلِ الْقُرَى أَنْ يَعِيشُوا عِيشَةَ الشُّكْرِ وَالإِيمَانِ لِتَسْـتَقِيمَ لَهُمُ الحَيَاةُ، لا عِيشَةَ الكُفْرِ وَالنُّكْرَانِ الَّتِي تُورِثُ الْقَلَقَ وَالْخُسْرانَ
عباد الله! تأملوا معي..
صعوبة في التركيز ، وبطء في اتخاذ القرارات ، الشعور بالملل و الغثيان ، تعرق وارتعاش ، اضطرابات في النوم ، وتسارع في نبضات القلب ، وشكُّ في وجود لذةِ الحياة ، توصله أحيانا إلى الرغبة في الانتحار ، كلُّ ما مرَّ أعراضٌ لجائحة جديدة غلبت على كثير ممن يعيشون هذا الزمان ، إنها جائحة ( اضطراب القلق ) ، والشعور بالتوتر الدائم ، والتذبذب النفسي .
القلق حالة شعورية مخلوقة مع الإنسان .
إن القلق هو : شعورٌ بعدم الارتياح ، وانتيابٌ في التوتر وأحاسيس من الخوف .
القلق حالة شعورية لا يخلو منها احد من الناس ، إذْ إن طبيعة الحياة كونها ممزوجةً بالهموم والغموم ، يكابد الإنسانُ فيها مضايق الدنيا ، وشدائدَ الآخرة ، فأول ما يعاني منه قطعُ سُرَّته إذا خرج من بطن أمِّه وهو في صراخ وألم ، وآخر ما يعاصر و يصارع سكرةُ الموت إذا تهيأت روحُهُ للخروج من الدنيا ، وبين ذاك وذاك مكابدة الاوجاع و الأحزان ، والأولادِ و الأجناد ، وشغلُ الدور والتطلعُ للقصور ، ثم الكبر و الهرم ، في مصائب يكثر تعدادها ، ونوائب يطول إيرادُها وقد أخبر الله عن هذه الحقيقة فقال : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ) البلد: ٤
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وانت تريدها *** صفوًا من الأقذاءِ و الأكدارِ
حقائق في عالم القلق .
القلق بحد ذاته لا يكاد يسلم منه أحد ، لكن الخطورة في التعامي عن علاج مقدماته و إرهاصاتِه ، قبل أن يتنامى و يتضخمَ ويكون عادةً دائمةً في الروح ، إن القلق البسيط إذا لم يُعالج في وقته فإنه يتطور إلى اضطرابات سلوكية ، وفوضى إدراكية ، فينفلت الإنسان مِن طورِه و شعورِه إلى الولوج في الضغوط النفسية المستمرة ، ولربما أدت اضطرابات القلق — التي أهمل الإنسان نواتها وغفل عن بداياتها — إلى إفساد عائلته وحياته الوظيفية و الاجتماعية .
إن القلق إذا زاد عن حده سُمِّي بمرض ( اضطرابات القلق ) وهو من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في الدنيا ، إذْ أصابَ ( اضطراب القلق ) في أحد الأعوام ثلاثَ مئةِ مليون شخص حول العالم ، وتتأثر النساء ( باضطرابات القلق ) أكثر من الرجال ، وغالبًا ما تبدأ أعراض القلق في مرحلة الطفولة أو المراهقة .
إننا نواجه جائحة جديدة ، وعلاج هذه الجائحة كما ذُكر مُقَدَّرُ بكلفة عالمية تساوي ٦.٥ تريليون دولار سنويًا.
من أعظم أسباب القلق : الخوف من المستقبل.
– إن من أسباب الوقوع في القلق : وجودَ تاريخ من التجارب المجهدة أو الذكريات المؤلمة ، مثل العنفِ المنزلي أو إساءة معاملةِ الأطفال أو التنمر عليهم .
– ومن أسباب القلق : البعدُ عن الرياضة البدنية ، وتعاطي الكحول و المسكرات ، والفوضى في عادات الأكل ، والبعد عن اتباع النظام الصحي للغذائي . – وإن من أكبر أسباب القلق التي انتشرت في الآونة الأخيرة: القلق من المستقبل من نواحي عديدة : كالوظيفة ، والزواج ، ومستقبل الأولاد ، ورفع سقف التوقعات المادية ، ووضع اشتراطات وهمية للسعادة ، حتى يكون المرء في رُهاب فكري ، وخوفٍ من مجهول ، ولربما جعله هذا الشعورُ العنيفُ يصل إلى ما يريد عن طريق الحيلة و الفساد ، والمكر ، والرشاوي ، والاعتداء على الآخرين ، وما ذلك إلا لضعفِ التوكل ، وتضخيم أمر الدنيا ، وسوءِ الظن بالرازق الرزاق عز وجل الذي يقول في محكم التنزيل : ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّنَا نَعِيشُ فِي زَمَنٍ تَغَيَّرَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ، فَانْفَتَحَ الْعَالَمُ فِيهِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَزَادَتْ فِيهِ الْمَسْؤُولِيَّاتُ الْمُلْقَاةُ عَلَى عَاتِقِ الْفَرْدِ، وَتَكَاثَرَتْ عَلَيْهِ مُتَطَلَّبَاتُ الْحَيَاةِ، فَازْدَادَ تَفْكِيرُ الإِنْسَانِ وَقَلَقُهُ، كَمَا تَعَاظَمَ خَوْفُهُ مِنَ الْمُسْـتَقْبَلِ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ، مِمَّا جَعَلَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقَعُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَحْتَ تَأْثِيرِ أَلْوَانٍ مِنَ الْقَلَقِ وَالْوَسَاوِسِ وَالاضْطِرَابِ النَّفْسِيِّ، وَتُفِيدُ بَعْضُ الدِّرَاسَاتِ أَنَّ مَرَضَ الْقَلَقِ هُوَ أَكْثَرُ الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ الشَّائِعَةِ فِي بُلْدَانِ الْعَالَمِ، حَيْثُ إِنَّهُ يُصِيبُ شَخْصًا وَاحِدًا مِنْ كُلِّ تِسْعَةِ أَشْخَاصٍ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَخَاوِفَ تَنْتَابُ الإِنْسَانَ مِنْ أَشْيَاءَ مَجْهُولَةٍ، يَتَوَقَّعُ حُصُولَهَا فِي الْمُسْـتَقْبَلِ، تَجْعَلُهُ يَعِيشُ تَحْتَ تَأْثِيرِ أَفْكَارٍ مُقْلِقَةٍ وَوَسَاوِسَ قَهْرِيَّةٍ لا يَسْـتَطِيعُ عَنْهَا انْفِكَاكًا، وَالقُرآنُ الكَرِيمُ يُذْكُرُ أَنَّ الَّذِي أَبْعَدَ أَهْـلَ قُرَيْـشٍ عَنِ الإِيمَانِ هُوَ خَوْفُهُمُ المَوْهُومُ مِنْ مُسْـتَقْبَلِ مَكَانَتِهِمْ:" وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (القصص ـ 57)،
القلق نجوى شيطانية.
وما أكثر الشباب اليوم الذي يفكر مبكرا ، ويهتم ويقلق عاجلاً ، فمنذ دراسته في سن مبكرة وهو يبالغ في هموم دراسته وكأن الطالب الوحيد الذي يدرس ويصعب الأمور عليه ولو أخذها بالتفائل وفعل الأسباب وحسن الظن بالله وترك القلق المبالغ فيه لوجد من نفسه التفوق والنجاح ليس فقط في دراسته في جميع مناحي حياته..
عباد الله! تأملوا لذلك الذي هو في همٍّ شديد لتملك المنزل ، وكأنه لا يستطيع أن يحيا إلا إذا تملك منزلا، فتجده يكلف نفسه فوق وسعها فيُحمِّلها الديون الكثيرة من هذا وذاك حتى ترهق كاهلَه ، وتُضيّق رزقَه ، فيكون كمن هرب من القلق إلى القلاقل ، وكمن استجار من الرمضاء بالنار ، وهذا القلق إنما هو نجوى شيطانية ، وأحاديثُ نفسٍ باطنية ، تُدخِل الحُزنَ واليأسَ في قلب المؤمن ، وعلاجُه أن تفرح بالله ، بأنه خالق الجميع ، ورازق الجميع ، افرح بالله كونه ارحم الراحمين ، وألطف المتلطفين ، ونتعوذ من الشيطان الرجيم قال تعالى ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )
وليس من صفات المؤمن أن يَحمل الدنيا فوق رأسه حملاً ، وأن يقلق من مجهولٍ قلقًا ، فالقلق الدائم من الرزق مرض شائن ، وزلزال عاصف ، يقول ﷺ :( من كانت الدُّنيا همَّه ، فرَّق اللهُ عليه أمرَه ، وجعل فقرَه بين عينَيْه ، ولم يأْتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له ، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه ، جمع اللهُ له أمرَه ، وجعل غناه في قلبِه ، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ ) . إذا أصبح العبد وأمسى وليس همُّه إلا الله وحده تحمل الله عنه سبحانه حوائجه كلَّها ، وحمل عنه كلّ ما أهمّه ... وإن أصبح وأمسى والدنيا همُّه حمّله الله همومَها وغمومها وانكادها ووكَلَه إلى نفسه ، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره ، قال تعالى( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) الزخرف : ٣٦
ولا تقلق ويزيد قلقك من مخلوق ضعيف حقير لا يملك بذاته نفعا ولا ضرا تيقن ذلك وتأمله قَالَ ـ جَلَّ وَعَلا:(وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ) والموفق هو من يَسْـتَنِيرُ فِي حَيَاتِهِ بِقَوْلِهِ صلى ﷺ:(احفَظِ اللهَ يَحْـفَظْكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تِجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا استَعَنْتَ فَاستَعِنْ بِاللهِ، وَاعلَمْ أَنَّ الأُمَّـةَ لَوِ اجتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْيَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنِ اجتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْـكَ رُفِعَتِ الأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ).
فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَاجْـعَلُوا إِيمَانَكُمْ بِاللهِ تَعَالَى قَوِيًّا، احْذَرُوا مِنْ مُسَبِّبَاتِ الْقَلَقِ وَالتَّوَتُّرِ، وَاملَؤُوا حَيَاتَكُمْ بِالجِدِّ وَالنَّشَاطِ وَعَمَلِ البِرِّ.
اللهم احفظ علينا ديننا وعرضنا ومالنا ، واكفنا شر أنفسنا والشيطان ، وأرضنا بما أعطيتنا، ومتعنا متاع الصالحين ، واجعلنا في حياة هنية سعيدة ، وعيشة مرضية مباركة.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ للهِ إِلَيْهِ المَرْجِعُ وَالمَصِيرُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُسْـتَنِيرَ بِهِدَايَةِ اللهِ، الْمُحْكِمَ صِلَتَهُ بِخَالِقِهِ، الْمُحَصِّنَ نَفْسَهُ بِالأَذْكَارِ، لا تَجِدُ الْوَسَاوِسُ وَالْمُقْلِقَاتُ إِلَى قَلْبِهِ سَبِيلاً، لإِيقَانِهِ أَنَّ مِنْ أَعْـظَمِ مَا يُطَمْـئِنُ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ تَوَكُّلَهُ عَلَى خَالِقِهِ جَلَّ وَعَلا، الَّذِي قَالَ لَهُ:(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ..) (الفرقان ـ 58)، لِذَلِكَ يُفَوِّضُ أَمُورَهُ كُلَّهَا إِلَيْهِ، فَالأَمْرُ كُلُّهُ بِيَدِهِ، مُقْتَدِيًا بِالْعَبْدِ الصَّالِحِ الَّذِي قَالَ:(وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر ـ 44)، لِتَكُونَ النَّتِيجَةُ:(فَوَقَاهُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ..) (غافر ـ 45)، إِنَّ الْمُؤْمِنَ رَاضٍ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، مُوقِنٌ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، مُسْـتَسْلِمًا لِمُرَادِ اللهِ تَعَالَى، فَذَلِكَ كُلُّهُ يَسْكُبُ فِي قَلْبِهِ الطُّمَأْنِينَةَ وَالسَّكِينَةَ، وَيَمْلأُ نَفْسَهُ رَاحَةً وَاسْـتِقْرَارًا، وَيُدْرِكُ أَنَّ مَصْدَرَ الْقَلَقِ إِنَّمَا هُوَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْوَسْوَسَةَ سَمَّاهَا اللهُ تَعَالَى كَيْدًا ضَعِيفًا، فَقَالَ:( ..فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) (النساء ـ 76)، إِنَّ الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ كُلَّمَا اسْـتَغْفَلَهُ الشَّيْطَانُ وَأَوْقَعَهُ فِي حَبَائِلِهِ؛ تَذَكَّرَ وَسَارَعَ إِلَى التَّوْبَةِ وَإِحْكَامِ الصِّلَةَ بِاللهِ:(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف ـ 201)، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَسَارِعُوا إِلَى مَرْضَاتِهِ، وَاحْرِصُوا عَلَى طَاعَتِهِ، وَحَصِّنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْقَلَقِ وَالْوَسَاوِسِ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَاحْذَرُوا كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، تَعِيشُوا فِي سَلامٍ وَأَمَانٍ وَرَاحَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ..
عبد الله! إن القلق مرض روحي ، ووالله إن في القلوب انزعاجًا و اضطرابًا ، وحيرتًا و ارتيابًا لا يطفئها إلا ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد : ٢٩ فلا أحسن من علاج القلق بالأمر الروحي ، فزيادة الإيمان أمر روحي ، والرقية الشرعية أمر روحي ، وانشراح الصدر بالطاعات أمر روحي ، و التعلق بالله وتفويض الأمر إليه رُقِيٌ بالنفس و طمأنينةٌ للخاطر ، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه أعظم علاج ، وخير سبيل قال تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل: ٩٧
أيها المسلمون! إن الإسلام يساهم في محو كل أسباب القلق واضعًا الطرق التي تُنهي الاضطرابات الشعورية ، والتوترات النفسية ، فالدين الحنيف يروض النفس على الإيمان بالقضاء والقدر ، وهذا الإيمان هو مِفتاح الراحة ، وبوابة الرضى ، ومَن فقده تخلخلت روحُه ، وانزعج فؤاده ، وبات نادم النفس ، قارع الضرس ، ومِن هنا تجد المؤمنين أرحبَ الناس نفسًا لمعترك الدنيا ، فهم يعلمون أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم ، وما أخطأهم لم يكن ليصيبَهم ، فيطردون الجزع بالصبر ، وينفون القلق بالتسليم بالمكتوب الذي جفَّت عليه الأقلام ، ورُفِعت عليه الصحف ، يؤمنون بقول النبي ﷺ : ( مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ) . فالمؤمن لا يخشى الفقر ، ويتسلى بالقناعة ، ويتفاءل بالمقدور ، ويستريح بحسن الظن بالخالق.
كن إيجابيًا ، ناشرًا للطمأنينة ، مبشرًا لا منفرًا ، وتذكر قوله ﷺ : "عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ". رواه مسلم.
فاللهم آتنا حذرنا ، واهد ضالنا ، وارزقنا شكر نعمك ، والعيش في رغد فضلك ، واحفظنا بالإيمان في جميع احوالنا.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيمًا:(إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُومًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُومًا، وَلا تَدَعْ فِينَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُومًا.
اللهم أعذنا من قلق يزعجنا وارزقنا الطمأنينةَ والتفاؤل وحسن الظن بك وحق التوكل عليك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَسْتَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصْلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعْمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوْفِيقِكَ، وَاحْفَظْهُ بِعَيْنِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي ثِمَارِنَا وَزُرُوعِنَا وكُلِّ أَرْزَاقِنَا يَا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ، المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
سبحانك اللهم وبحمدك
نشهد أن لا إله إلا أنت
نستغفرك ونتوب إليك.
المرفقات
1746688524_الجائحة الجديدة.pdf