اَلْحَجُّ تَذْكِيْرٌ وَتَحْذِيْرٌ

محمد محمد
1446/11/17 - 2025/05/15 10:55AM

اَلْحَجُّ تَذْكِيْرٌ وَتَحْذِيْرٌ-18-11-1446هـ-خطبة الشيخ تركي الـميمان

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

الْحَمْدُ للهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، صَاحِبِ الْفَضْلِ وَالْجُودِ وَالْإِنْعَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ‌الْمَلِكُ ‌الْقُدُّوسُ السَّلَامُ﴾، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وَزَكَّى وَصَامَ، وَحَجَّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ. أَمَّا بَعْدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا بِأَنَّ الْحَجَّ مِمَّا فَرَضَه اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-عَلَى الْمُسْتَطِيعِ مِنْ عِبَادِهِ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ دِينِهِ، الَّذِي لَا يَكْمُلُ وَلَا يَتِمُّ إِسْلَامُ الْمَرْءِ الْمُسْتَطِيعِ إِلَّا بِهِ.

وَالِاسْتِطَاعَةُ: مِلْكُ زَادٍ يَكْفِيهِ وَرَاحِلَةٍ تَحْمِلُهُ، وَالْمَرْأَةُ مَعَ ذَلِكَ؛ وُجُودُ مَحْرَمٍ. فَالَّذِي يَتْرُكُ الْحَجَّ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَقَدْ تَرَكَ مَا يَجِبُ للهِ-سُبْحَانَهُ-عَلَيْهِ، وَاللهُ غَنِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ حَجِّهِ، كَمَا قَالَ-تَعَالَى-: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾.

فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُسْتَطِيعِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الْحَجِّ، وَلَا يُسَوِّفَ فِي تَأْدِيَتِهِ، وَلَا يَكُونَ سَبَبًا فِي حِرْمَانِ نَفْسِهِ كَمَالَ إِسْلَامِهِ وَتَأْدِيَةَ مَا يَجِبُ للهِ عَلَيْهِ، وَكَمْ مِنْ مُسْلِمٍ يسْتَطِيعُ وَلَكِنَّهُ سَوَّفَ فِي تَأْدِيَةِ الْحَجِّ فَقَضَى نَحْبَهُ-ماتَ-وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقُومُ بِالْحَجِّ عَنْهُ.

فَإِذَا كُنْتَ-أَخِي الْمُسْلِمُ-فِي يَوْمِكَ آمِنًا صَحِيحًا مُسْتَطِيعًا، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا سَيَحْدُثُ لَكَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَيَّامِكَ، يَقُولُ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ»، وقَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ» يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ «فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ». وقالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَحُجُّوا»، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ».

فَلْنَتَّقِ اللهَ، وَلْيُبَادِرْ مَنْ لَمْ يَحُجَّ لِتَأْدِيَةِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ الْعَظِيمَةِ، الذي هو رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، فَمَا هُوَ إِلَّا مَرَّةٌ فِي الْعُمْرِ، وَالْعُمْرُ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَبْرَزِ سِمَاتِهِ: النَّقْصُ وَعَدَمُ الزِّيَادَةِ.

... وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ وكَفَى، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى رَسِولِهِ المُصْطَفَى، وعَلى آلِهِ وصَحبِهِ ومَن سَارَ عَلى نَهْجِهِ واقْتَفَى. أمَّا بَعْدُ:

فيا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَبِمُنَاسَبَةِ قُرْبِ مَوْسِمِ الْحَجِّ، وَأَهَمِّيَّتِهِ، وَضَرُورَةِ تَأْدِيَتِهِ لِمَنْ لَمْ يُوَفَّقْ بِالْقِيَامِ بِهِ، يجبُ التنبيهُ إلى أمرٍ مهمٍ ألا وهو: طَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي مَا لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةٌ للهِ وَرَسُولِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ التَّنْظِيمَاتُ النَّافِعَةُ وَالْمُفِيدَةُ لِلْمُسْلِمِينَ لِتَأْدِيَةِ فَرِيضَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْحَجِّ، وَمِنْهَا الْحُصُولُ عَلَى تَصْرِيحِ الْحَجِّ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، وَهُوَ مُيَسَّرٌ وَللهِ الْحَمْدُ، وَقَدْ صَدَرَتْ فَتْوَى هَيْأةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ بِضَرُورَةِ ذَلِكَ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ جَوْدَةِ الْخَدَمَاتِ، وَتَنْظِيمِ التَّنَقُّلَاتِ، وَمِمَّا جَاءَ فِي الْفَتْوَى قَوْلُهُمْ: لَا يَجُوزُ الذَّهَابُ إِلَى الْحَجِّ دُونَ أَخْذِ تَصْرِيحٍ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ.

وَمَا صَدَرَ إِلَّا تَحْقِيقًا لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَلَا سِيَّمَا دَفْعُ الْإِضْرَارِ بِعُمُومِ الْحُجَّاجِ.

وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ حَجَّ فَرِيضَةٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُكَلَّفُ مِنِ اسْتِخْرَاجِ تَصْرِيحِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ؛ قَالَ اللهُ-تَعَالَى-: ﴿‌فَاتَّقُوا ‌اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾، وَقَالَ-سُبْحَانَهُ-: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ‌حِجُّ ‌الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.

وَمِنِ المحاذيرِ الْعَظِيمَةِ فِي الْحَجِّ بِلَا تَصْرِيحٍ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ ضَرَرُهُ عَلَى الْمُخَالِفِ، بَلْ يَتَعَدَّى إِلَى غَيرِه، فَيُسَبِّبُ الزِّحَامُ فِي الْمَشَاعِرِ، وَيُؤْذِي الْحُجَّاجُ، وَيُعِيقُ الْخِدْمَاتُ، وَيُشْغِلُ الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةَ وَالصِّحِّيَّةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِن الضَّرَرِ الْمُتَعَدِّي الْمُحَرَّمِ شَرَعًا، قالَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:‏ «لَا ضَرَّرَ وَلَا ضِرارَ».

أَسْأَلُ اللهَ-عَزَّ وَجَلَّ-أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا سَمِعْنَا حُجَّةً لَنَا لَا عَلَيْنَا إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى.

اللَّهُمَّ اهْدِنَا، وَيَسِّرِ الْهُدَى لَنَا، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، لَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الْأَمِينَ بِتَوْفِيقِكَ وَتَأْيِيدِكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا وَعَقِيْدَتَنَا وَمُقَدَسَاتِنَا بِسُوءٍ، فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيراً عَلَيْهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيْزُ.

عِبَادَ اللهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

المرفقات

1747334007_اَلْحَجُّ تَذْكِيْرٌ وَتَحْذِيْرٌ-18-11-1446هـ-خطبة الشيخ تركي الـميمان.docx

1747334007_اَلْحَجُّ تَذْكِيْرٌ وَتَحْذِيْرٌ-18-11-1446هـ-خطبة الشيخ تركي الـميمان.pdf

المشاهدات 512 | التعليقات 0