النعمُ المنسيةُ

محمد محمد
1446/11/10 - 2025/05/08 17:07PM

النعمُ الـمنسيةُ-11-11-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

قَالَ محمدُ بنُ القَيِّمِ-رَحِمَهُ اللهُ-فِي كِتَابِهِ (الفَوائدُ): دَخَلَ أعرابيٌّ عَلَى هارونَ الرَّشِيدِ، فَقَالَ: يا أَميرَ المؤمنينَ، ثبَّتَ اللهُ عَليكَ النِّعَمَ التي أَنتَ فِيهَا بِإدِامَةِ شُكرِهَا، وَحَقَّقَ لَكَ النِّعَمَ التي تَرجُوهَا بِحُسنِ الظَّنِّ بِهِ وَدَوَامِ طَاعَتِهِ، ‌وَعَرَّفَكَ ‌النِّعَمَ التي أَنتَ فِيهَا وَلا تَعرِفُهَا لَتَشكُرَهَا، فَأَعجَبَهُ ذَلِكَ مِنهُ، وَقَالَ: مَا أَحسَنَ تَقسيمَهُ؛ لأَنَّهُ ذَكَرَ أَقسَامَ النِّعَمِ.

تَأمَّلْ كَلامَهُ عِندَمَا قَالَ: ‌وَعَرَّفَكَ ‌النِّعَمَ التي أَنتَ فِيهَا وَلا تَعرِفُهَا لَتَشكُرَهَا، يَا اللهُ! مَا أَجمَلَهَا مِن كَلِمَاتٍ! تَصِفُ لَنَا النِّعَمَ الـمَنسِيَّاتِ، فَكَم مِن نِعمَةٍ نَتَقَلَّبُ فِيهَا في اللَّيلِ والنَّهَارِ، ونَحنُ غَافِلُونَ عَن رُؤيتِهَا بِالقَلوبِ والأَبصارِ، فَلا نَرى إلا بَعضَ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ، ونَغفَلُ عَن كَثيرٍ مِن النِّعَمِ البَاطِنَةِ، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)، فَغَمَرَتنَا نِعَمُ اللهِ مِن كُلِّ مَكَانٍ، وَأَفَاضَ عَلِينَا بِـجُودِهِ مِنَ الخَيرِ والإحسَانِ، وَصَدَقَ اللهُ-سُبحَانَهُ-: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُـحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، كَتَبَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إِلَى أَخٍ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ‌‌ أَصْبَحَ بِنَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ مَا لَا نُـحْصِيهِ، مَعَ كَثْرَةِ مَا نَعْصِيهِ، فَمَا نَدْرِي أَيَّهَا نَشْكُرُ: أَجَمِيلُ مَا ظَهَرَ، ‌أَمْ ‌قَبِيحُ ‌مَا ‌سَتَرَ!

صِحَّتُكَ نعمةٌ يـَحْلُمَ بـِها كُلُّ مَرِيضٍ، وَعَمَلُكَ الذي تَتَذَمَّرُ مِنهُ نعمةٌ يَتـَمناها كُلُّ عَاطِلٍ، وَزواجُكَ نعمةٌ يَرْغَبُ بـِها كُلُّ أَعزبٍ، ووَلَدُكَ نعمةٌ يَرجُوها كُلُّ عَقِيمٍ، وبَيتُكَ الصَّغِيرُ نعمةٌ يتمناهُ كُلُّ مُشَرَّدٍ، وَمَالُكَ القَلِيلُ نعمةٌ يطلُبُها كُلُّ مَديونٍ، وابتِسَامَتُكَ نعمةٌ يبتغيها كُلُّ مَهمُومٍ، وَحُرِّيتِكَ نعمةٌ يسعى إليها كُلُّ مَسجُونٍ، فَمتَى تُحِسُ وتَتَذكرُ هَذِه النِّعَمَ؟!

هَا هُو خَليلُ اللهِ-تَعَالى-إبراهيمُ-عَليهِ السَّلامُ-يُعَدِّدُ بَعضَ نِعَمِ اللهِ-سُبحَانهُ-فَيَقُولُ: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ*وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ*وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ*وَالَّذِي يُـمِيتُنِي ثُمَّ يُـحْيِينِ*وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)، فَذَكَرَ الظَّاهِرَ مِنهَا والبَاطِنَ ومَا بَينَهُما، وذَكَرَ الـمَاضيَ مِنهَا والحَاضِرَ ومَا بَعدَهُمَا، وَعِندَمَا ذَكَرهَا قَامَ بِشُكِرِهَا ما استطاعَ، فقَالَ اللهُ عنهُ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).

هَل استَشعَرتَ نِعمَةَ الهِدَايةِ والصَّلاحِ والإسلامِ، والعَالَمُ يَعُجُّ بالكُفرِ والشُّذُوذِ والظَّلامِ؟! هَل تَأَمَّلتَ غَدَاءَكَ وعَشَاءَكَ وقُد جُمِعَ فِي مَائدَتِكَ الأَرزاقُ مِن أَقطَارِ الأَرضِ، وغَيرُكَ يَقِفُ فِي طَابُورٍ طَويلٍ لِيَنَالَ كِسْرَةَ خُبزٍ أَو شَرْبَةَ مَاءٍ؟! كمْ مرةً خَرَجتَ مِن بَيْتِكَ إلى عملِكَ في أَمنٍ وأَمانٍ، وغيرُكَ يَـخْرُجُ خائفًا عَلى النَّفسِ والأَهلِ والـمالِ، ورُبـَّما رَجَعَ فما وَجَدَ إلا بَقَايا بَيتٍ وأَطلالٍ؟! وَصَدَقَ اللهُ-تَعَالى-: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ*الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).

هَل انقَطَعَتْ عندكَ الكَهرَبَاءُ يَومًا فَقُمتَ تَتَحسَّسُ الجُدرَانَ حَتَى لا تَسْقُطَ أو تَصْطَدِمَ بشيءٍ؟! هَل أَحسَستَ بِـمَا كُنتَ فِيهِ مِن رَاحَةٍ وهُدوءٍ، وأنَّ طَعَامَكَ فِي الثَّلاجَةِ محفوظٌ منَ الفسادِ والتغييرِ؟! هَل فَتَحتَ يَومًا الـمَاءَ فَلَم يَنزِلْ مِنهُ شَيءٌ، فَتَذَكَّرتَ أَنَّهُ أَهونُ مَوجُودٍ وأَعظَمُ مَفقُودٍ؟!

اللَّهُمَّ نَسْأَلُك لنا وللـمسلمينَ ذِكْرَ نِعْمَكَ، والإِعانةَ على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عبادتِكَ.

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فكَيفَ نَستطيعُ أَن نَشكُرَ اللهَ على هَذِه النِّعَمِ مَع الغَفلَةِ والنِّسيَانِ؟!

نشكرُه بأمورٍ، ومنها خمسةٌ:

أَولًا: أَن نَتَفَكَّرَ فِي نِعَمِ اللهِ عَلِينَا حَتى نَتَذَكَّرَهَا ونَشكُرَها، وهَذهِ مِن عِبادَاتِ السَّلفِ الصَّالِحِ التِي هَجَرنَاها، جَلَسَ فُضَيْلٌ بنُ عِيَاضٍ وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ-رحمهما اللهُ-لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ، يَتَذَاكَرَانِ النِّعَمَ يقولانِ: أَنعَمَ ‌اللهُ عَلِينَا بكَذَا، أَنعَمَ ‌اللهُ عَلينَا بكَذَا.

وَقَد جَاءتْ الآياتُ الكَثِيرةُ بِالحَثِّ عَلى هَذِهِ العِبادةِ، قَالَ-تَعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).

ثَانِيًا: اعلموا أَنَّ دَوَامَ هَذِه النِّعَمِ وزِيَادتـَهَا لا يَكُونُ إلا بالشَّكُرِ، قَالَ-تَعَالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، فَخَطَرُ نِسيَانِهَا كَبيرٌ، وعَدَمُ شُكرِهَا خَطِيرٌ.

ثَالِثًا: اشكُروا اللهَ عَلى جَميعِ النِّعَمِ عَلينا وعَلى غَيرِنا، مَا عَلِمنا ومَا لَم نَعلمْ.

رَابِعًا: اعلَموا أَنَّهُ لا إعَانَةَ على الشَّكرِ إلا باللهِ، واسـمـَعوا كلامَ الحَبيبِ مع حَبيبِهِ، قَالَ الرسولُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لِمُعَاذٍ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ: لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"، مَعَ استِشعَارِ التَّقصِيرِ فِي شُكرِ النِّعَمِ، فَإذا كَانَ شُكرُ النِّعمَةِ يَستحِقُ الشُّكرِ، فَمَتى نَبلُغُ الشُّكرُ؟!

خامسًا: أَنْ نسْتَعْمِلَ هذهِ النعمَ في طاعةِ اللهِ، ونَعْمَلَ بـِها في مرضاةِ اللهِ، قالَ-سُبْحانَهُ-: (اِعْمَلُوا آلَ دَاوودَ شُكْرًا وقليلٌ مِنْ عِباديَ الشكورُ).

اللَّهمَّ لكَ الحمدُ، وإِليكَ الـمُشتكى، وأَنتَ الـمُستَعانُ، وبِكَ الـمُستغاثُ، وعليكَ التُكْلانُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا الـمُرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالـمِسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والـمُسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والـمسلمينَ والـمسالِمين.

اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.

المرفقات

1746758425_النعمُ الـمنسيةُ-11-11-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1746758425_النعمُ الـمنسيةُ-11-11-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 749 | التعليقات 0