خطر الانتكاسة وكيفية المداومة على الطاعات
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
خطر الانتكاسة وكيفية المداومة على الطاعات.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم القهار، مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الجبار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار، صلاةً باقية بقاء الليل والنهار، وبعد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
عباد الله!
إذا تأملنا في علامات آخر الزمان وأشراط الساعة وظهور الفتن وانتشارها، وجدنا الاستغراب والتعجب من بعض الأزمنة وأحوال الناس، كيف تنتكس النفوس وتضطرب الآراء وتتقاذف الأهواءُ القلوب، فترى وتسمع ما لم يخطر على بال وما لم يكن في الحسبان.
مَعْشَرَ الإِخْوةِ: أتدرون مِمَّ كَان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَحْذَرُ ويَخافُ، قد يجول بخاطِرنا أمورٌ، لكنك قدْ لا تتصوَّر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخشى الانتكاسةَ، ويخافُ الضَّلَالَ.
روى الإمامُ أحمدُ في مسندِه بإسنادٍ صحيحٍ، مِن حديثِ أنسٍ -رضي الله عنه-، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثر أنْ يقولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، قَال: فقلنا: يا رسول الله! آمنَّا بِك وبما جئتَ بِه، فهل تخافُ علينَا، قال: فقال: "نَعَمْ؛ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبِعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يُقَلَّبُها"(أخرجه أحمد 12128، والترمذي 2140، وقال: حسن. والحاكم 1927، وقال: صحيح).
وقدْ كانَ أكثر قَسَمِه -صلى الله عليه وسلم- كَما فِي صحيحِ البُخارِيِّ: "لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ"؛ مِن أجلِ أن يُذَكِّر نفسَه بفقرِه وحاجتِه إلى مولاه، وأنَّه مهما بلغَ العبدُ فإِنَّه مُعَرَّضٌ للبلاءِ والفتنةِ، مهما بلَغَ علْمُه، وارتفَعَتْ مكانَتُه.
لذلك يا عبد الله تأمل يرحمك الله!
ذاك الرجل الذي كان يعيشُ في جنةِ الاستقامةِ، يتفيأُ ظلالَ الإيمان، ويشربُ من رحيقِ القرآن، كان يأوي إلى حملةِ المسكِ من الجُلساءِ الصالحين، ينهلُ من خيرِهم ويطربُ لمجالسهم.
وكان يشعرُ بانشراحِ الصدرِ، وراحةَ البالِ، لأنَّ من اتبع هُدى اللهِ فلا يضلُّ ولا يشقى.
وكان ممن يعمرُ المساجد، ويرتادُ الحلقات، ويسابقُ إلى الخيرات.
وكان تجللهُ الهيبةُ والوقار، فهيئتُهُ تسُرُّ الأنظار، ووجههُ تزينه شعراتٌ من لحيتهِ تزيدهُ نورًا وجلالاً.
ثم ماذا!؟ بعد فترةٍ من الفتراتِ تغيرَ الحالُ فلم يعدِ الرجل هو الرجل ، لقد ترك حياةَ المُستمعِ ليعيشَ في المستنقعِ، وهجرَ النورُ والهدى ليؤثرَ الظلماتِ والردى.
لقد بدأت معالمُ التغيرِ حينما بدأ بالتساهل أولا في وُرده القرآني الذي كان بمثابة الجبل الذي يثبت به قلبه ودينه.
ثم بعد ذلك التساهل في النظر الحرام ثم القاضية ولا حول ولا قوة إلا بالله تساهله في حق الصلاة حتى أصبح يؤذن منادي الله : الله أكبر حي على الصلاة فيقول في نفس للتو أذن وبعد حين نصلي حتى أصبح لا يصلي وإنا لله وإنا إليه راجعون!
لقد زالَ من الوجهِ ضياؤه، وتغير الظاهرِ نذيرٌ بخرابِ الباطن، فقسا القلبُ، وهجرَ كتابَ الله، والصلواتُ بدأت تفوتُ وتُقضى، واستحلَّ ما كان حرامًا من نظرٍ ، واستماعٍ ، وسهرٍ على غيبة ومعاصي، لقد استبدلَ حياةَ الذلِّ بالعز، وتركَ حياةَ النعيمِ والاستقرارِ مع الصالحينَ والأخيار، ليقترنَ بالعارِ مع الطالحينَ والأشرار.
إنَّها الضلالةُ بعد الهداية ، والحور بعد الكور، إنَّها الانتكاسةُ مع الاستقامة، والشقاوة بعد السعادة..
هكذا حال من ينتكس، نسأل الله العافية...
﴿أَفَتَتَّخِذونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولِياءَ مِن دوني وَهُم لَكُم عَدُوٌّ بِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠]
لقد شنَّع كتابُ اللهِ على المتساقطينَ الزائغين بعد الهداية، فأعلنَ خسارتهم: ﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَعبُدُ اللَّهَ عَلى حَرفٍ فَإِن أَصابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِن أَصابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلى وَجهِهِ خَسِرَ الدُّنيا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسرانُ المُبينُ﴾ [الحج: ١١]
وبيّنَ أنَّ ذلك من تزيينِ الشيطانِ: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ).
ودعا عليهم رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حينما قال: "إنِّي على الحوضِ حتى أنظرَ من يردُ عليَّ منكم، وسيؤخذُ أناسٌ دوني، فأقول: يا رب منِّي ومن أمتي، فيقالُ، أما شعرتَ ما عملوا بعدك، والله ما برحوا بعدكَ يرجعونَ على أعقابهم، فأقولُ: سحقًا سحقًا، لمن بدَّلَ بعدي".
فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهمَّ إنَّا نعوذُ بك أن نرجعَ على أعقابنا أو أن نُفتنَ عن ديننا.
إننا بحاجةٍ إلى أن نكثر الحديث عن هذا الخطر – أي الانتكاسة – الذي هو قريب من أي أحد وكلما ظننت أنه بعيد عنك إعلم أنه اقترب منك أكثر بل إذا شعر بالطمأنينة من الزيغ فلربما تكون قد وقعت وسقطت.. فمن المحزن أن يظن أحدنا ويشعرُ أنَّه اجتاز القنطرةَ، ووصل إلى برِّ الأمانِ، فأمنَ من الضلالةِ ومن الحورِ بعد الكور، وهي أولُ أمارةٍ على ضعفِ الإيمانِ والغرورِ والعجب.
لقد أخبرَ -سبحانه- أن نبيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- يحتاجُ إلى توفيقهِ وتثبيته وإلا لضل: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)، وفي آيةٍ أُخرى: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ).
ويوسفُ -عليه السلام- وهو القدوةُ في العفةِ والنزاهةِ والتسامي، يستعينُ بربهِ ليحميهِ من مواقعةِ الفاحشةِ، متبرئًا من كلِّ حولٍ وقوة فيقول:( معاذ الله) ويقول (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَٰهِلِينَ)
وإنَّ القلوبَ بيدِ الله -سبحانه وتعالى-؛ ففي الحديثِ: "ما من قلبٍ إلاَّ بين أصبعينِ من أصابعِ ربِّ العالمين، إن شاءَ أن يقيمهُ أقامه، وإن شاءَ أن يزيغهُ أزاغه".
إنَّ المنتكسَ -أيُّها المسلمون- إنَّما يجني على نفسه، وما ربُّكَ بظلامٍ للعبيد: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وزيغ الإنسانِ سببٌ لأن يزيغ اللهُ قلبه: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، وانصرافهِ عن الهُدى سببٌ لصرفِ قلبهِ: (ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون).
والمتكبرون عن آياتِ اللهِ، والمعرضُون عن الحقِّ بعد أنَّ رأوهُ واضحًا، يصرفهم اللهُ عن الانتفاعِ بها: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، والقلبُ إنَّما يطبعُ اللهُ عليه لتراكمِ الذنوبِ على صاحبه: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم).
واتباعُ الهوى، والإخلادُ إلى الأرضِ سببٌ لحرمانِ العبدِ طريقَ الفلاح: ﴿وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَانسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَّيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ﴾
الانتكاسُ -يا مسلمونَ- طريقٌ شائك يسلُكُهُ الإنسانُ بنفسهِ وإرادتهِ، لأنَّ اللهَ لا يظلمُ أحدًا، وقد هدانا النجدين، وألهمَ نفُوسنا فجُورَها وتقواها، الانتكاسُ طريقٌ مُظلم، يسلُكُهُ الإنسانُ حينما يضعفُ إيمانهُ، فالإيمانُ حصنٌ عن كلِّ شهوةٍ وشبهة، فأكثروا الطاعات فإن الإيمان يزيد بها، وأكثروا من الدعاء بالثبيت وطلب العلم الشرعي عند العلماء الربانيين فإن العلم رسوخ للدين وثبات على الحق المبين.. ومتى ذاقَ العبدُ حلاوةَ الإيمانِ ثبتت قدمهُ في روضةِ الاستقامة.
والانتكاسُ -أيُّها المسلمونَ- حصادٌ مُرٌّ للاستهانةِ بالذنوبِ والمعاصي، كما قال ابنُ رجب: وقريبٌ من هذا أن يعملَ الإنسانُ ذنبًا يحتقرهُ ويستهينُ به، فيكونُ هو سبب هلاكهِ.
كما قال تعالى: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) قال -صلى الله عليم وسلم-: "إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنَّهنَّ يجتمعن على الرجل حتى يهلكنهُ". وإنَّ محقرات الذنوب متى يؤخذُ بها صاحبها تهلكه.
إنَّ الاستهانةَ بالمعاصي، واحتقارَ الذنوبِ يُولدُ آثارًا سيئةً، ونتائجَ وخيمة، فهي مدعاةٌ لزيادةِ الإثمِ والسيئةِ عندَ الله، وهي مما يبعدُ عن طريقِ التوبةِ، وكم من مستقيمٍ انتكس، وكانت الخطوةُ الأولى الإطراقُ على الأطباقِ الهابطةِ ولو بحجةِ الأخبار، والاستهانة بالذنوبِ تدعو الشابِ إلى عدمِ النفرةِ من أهل المعاصي، ويدعوهُ ذلك إلى التهاونِ في صحبتهم، وفي مُجالستهم، وهذا وحدهُ من أعظمِ أسبابِ الانحراف.
أيُّها المسلمون: والغرورُ والإعجابُ بالنفسِ سببٌ رئيسِ للضلالةِ بعد الُهدى، فالمرءُ حينَ يشعرُ بالكمالِ، لا يرى أنَّ لهُ حاجةً في مزيدٍ من طُرقِ الخيرِ والعملِ الصالح، وحينما يعجبُ المرءُ بعملهِ، ويُدل به على اللهِ، فإنَّ هذا عنوانُ انسلاخهِ من عبوديةِ مولاهُ -سبحانه-، والغرورُ سببٌ لأن يزولَ من القلبِ خوفُ سوءِ الخاتمة، والخشيةُ من الضلالةِ بعد الهُدى، والأمانُ من ذلكَ أول الخطواتِ نحو الوقوعِ فيه، والإعجابُ بالنفسِ سببٌ لانشغالِ المرءِ بعيوبِ الآخرينَ وذمهم، ومن عيَّرَ أخاهُ بذنبٍ لم يمت حتى يفعلهُ.
والانتكاسُ صدى للتربيةِ الضعيفةِ، فحينَ يستقيمُ الشابُ على طاعةِ اللهِ فإنَّهُ يُخلفُ وراءهُ واقعًا يحملُ رُكامًا هائلاً من التصوراتِ والمفاهيمِ والسلوكياتِ الشاذة، وإزالة هذا الركامِ لا يمكنُ أن تتمَ بمجردِ توبةِ الشابِ وإقلاعهِ عن ماضيهِ السيئ فقط، بل هي تحتاجُ إلى جهدٍ تربوي، يمحو كلَّ ما رانَ على الفطرةِ السليمة، وهو يحتاجُ إلى التربيةِ العميقةِ من الوالدين والمربين، لتتأصلَ في نفسهِ معاني الإيمانِ حقًا، وليقتبسَ من العلمِ الشرعي ما ينيرُ لهُ الطريقُ، ويضيءُ لهُ المحجةَ.
يا عباد الله: ويأتي الغلوُّ والتشددُ والإثقالُ على النفسِ، بما لا تُطيقُ من الأعمالِ، خاصةً ممن كانَ لهم تاريخٌ سيئٌ في الانحراف، يأتي سببًا في الحورِ بعد الكور، وإنَّ هذا الدين متين، فأوغلوا فيهِ برفق، ويقابلهُ التفريطُ والإهمالُ، والمنحرفون بسببهِ جَمع غفير، يبدأ المقصرُ بالتهاونِ بأداءِ السننِ والمستحبات، وعدمِ المبالاةِ بالمكروهاتِ، وعدمِ التورعِ عن حمى الشُبهاتِ، ثُمَّ يقودُهُ مرضهُ للإخلالِ بالفرائضِ والواجبات، والوقوعِ بالمحرمات، فإذا صعُبَ عليه مفارقةُ الممنوعات، قال لهُ شيطانُهُ: كيف تُصاحبُ الصالحينَ وأنتَ تعملُ بأعمالِ الطالحين، فيزين إليهِ تركهم، والبعدَ عنهم، أو يقولُ لهُ: إنَّكَ لن تجدَ لذةً لهذهِ الشهواتِ إلاَّ بالبعدِ عن تلكَ الصداقات، التي لا تأمُرُكَ إلاَّ بما تكرههُ نفسك، فيُحبب إليهِ جفاءَهم والإعراضَ عنهم.
وإنَّ معرفةَ الأسبابِ، وتشخيصَ الداءِ، خطوةٌ أولى، ومهمةٌ في العلاجِ بعدَ أن يستعينَ العبدُ بربهِ، ويتوجهُ إليهِ وحدهُ بالدعاءِ والرجاء، والاستعانة والبراءة من كلِّ حولٍ أو قوة، ومن اهتدى فلنفسهِ ومن ضلَّ فإنَّما يَضلُّ عليها، ومن أرادَ الخيرَ وسعى لهُ وفقهُ اللهُ وسدده، ومن ظنَّ أنَّهُ يُخادعُ اللهَ فإنَّما يُخادِعُ نفسهُ وهُو لا يشعر، ومن استكثرَ على ربهِ استقامةً وصلاحًا، فليعلم أنَّ للهِ عبادًا مُكرمِين، يسبِّحونَ الليلَ والنهارَ لا يفتُرون، ولا يعصُون اللهَ ما أمَرَهُم ويفعلونَ ما يُؤمرون.
هذا واعلموا يرحمكم الله بأن الهداية والتوفيق، لسلوك الطريقِ المستقيمِ، والسير في ركابِ الصالحين، والتجافي عن طريقِ الضالين، إنَّ ذلكَ كلَّهُ ليسَ بجهدنا ولا ذكائنا وحرصنا، بل هُو أولاً وأخيرًا نعمةً من اللهِ -سبحانه-، تستوجبُ الشكر والاعتراف بالفضلِ للهِ وحده، وتستحقُ المحافظةَ عليها، والعنايةَ بها، وهي منةٌ من الله، واللهُ يختصُّ برحمتهِ من يشاء.
ونحن مأمورون بفعل أسبابها..
﴿وَالَّذينَ اهتَدَوا زادَهُم هُدًى وَآتاهُم تَقواهُم﴾.
ونقول دائما :
﴿رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ﴾ [آل عمران: ٨]
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكْرُ على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أنَّ لَا إله إلا اللهُ؛ تعظيمًا لشانِه، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الدَّاعِي إلى جنَّتِه ورضوانِه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانِه.
أما بعد:
عباد الله! اعلموا أن من أسباب الثبات الاستمرار على الخير ومداومة الطاعات وعدم الانقطاع عنها ولو بالقليل فقد كان ﷺ ديمومة مستمرة وكان ﷺ إذا عمل عملا أثبته
كما ذكرت ذلك أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
ومن أمثلة الاستمرار على الطاعات الاستمرار على صيام النوافل.. فيا من ذاق حلاوة الصيام، فالبابُ مفتوحٌ أمامك لصيام النوافل التي شرعها الله لنا؛ كصيام الأيام الستة من شهر شوال، وصيام الأيام البيض ، وصيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصيام يوم عرفة، وصيام عاشوراء.
عباد الله، إن صيام ستة أيامٍ من شهر شوال سنةُ ثابتةُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما جاء في حديث أبي أيوب (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: "من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر"؛ (رواه مسلم وأبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجه).
وما ذلك إلا لأن صيام شهر رمضان للمسلم يعدِل بفضل الله تعالى صيام ثلاثمائة يوم؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، ثم يأتي صيام ستة أيامٍ من شهر شوال ليعدل بإذن الله تعالى ستين يومًا، فيكون المجموع مساويًا لعدد أيام السنة.
وقد بيَّنت سُنة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنه يجوز صيام هذه الأيام حسب ما يتيسر للمسلم، سواءً أكانت مُتتابعةً، أم مُتفرقة خلال أيام شهر شوال، فاجتهدوا حفظكم الله في إدراك هذه الفضيلة، وصوموا الست تَحوزوا الأجر الأكمل والمثوبة العظمى من العظيم جل في علاه.
واعلموا أن الله تعالى أمركم بالصلاة والسلام على النبي، فقال جل شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
وقد صحَّ عن النبي (صلى الله عليه وسلّم) أنه قال: "من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا".
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد نسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ونسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ بك من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب.
اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا.
يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
اللهم اعذنا من الحور بعد الكور ومن الضلالة بعد الهداية..
اللهم ثبتنا على دينك وأصلح احوالنا وأحوال المسلمين اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لكل خير اللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان والاستقرار وعم بها جميع أوطان المسلمين.. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1743733648_خطر الانتكاسة وكيفية المداومة على الطاعات.pdf