ذم الغضب

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/04/10 - 2025/10/02 18:57PM

ذم الغضب

الخطبة الأولى

الحمد لله الكبير المتعال ، دعانا إلى حسن الأقوال والأفعال ، ونهانا عن الغضب وسرعة الانفعال ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾

عباد الله : الإسلام دين الوسطية والاعتدال ، في العبادات والمعاملات والأخلاق ، جاء لينظم حياة المسلمين أفرادا وجماعات ، ليحظوا بعيش طيب ، وينالوا رضى الرحمن .

ومن الصفات التي جاء الشرع بذمها والتحذير منها ؛ الغضب ، و هو غليان دم القلب طلبا لدفع الأذى ، أو الانتقام ممن وقع منه الأذى ، وهو غريزة في الإنسان ، إلا أن التمادي فيه ، والاستجابة لدواعي النفس والهوى ، له عواقب وخيمة ، ونتائج أليمة.

عباد الله: الغضب مدخل من مداخل الشيطان الكبرى ، ومكيدة من مكائده العظمى، يسعى لزرع بذور الغضب في قلب الإنسان ، ويظل يرويه ويغذيه ، ويتعاهده وينميه، فيحمر الوجه ، وتنتفخ الأوداج ، وينتفض الجسد ، ويضطرب الكلام ، حتى يخرج المسلم عن شعوره ، فيهوي به الغضب إلى واد سحيق ، ويوقعه في عظائم الأمور ، من سفك الدماء، أو الظلم والإيذاء ، أو الطلاق والفراق ، أو عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام ، أو العداوة والبغضاء .

عباد الله: إن كثيرا من مشاكل الناس اليوم ، كالمشكلات الزوجية والأسرية ، والمشكلات التي تقع في العمل والوظيفة ، والمشاكل بين الجيران ، أو بين الشركاء ، وبين سائقي السيارات ، وبين المصلين في المساجد ، هي استجابة لداعي الغضب ، ومسايرة النفس على هواها في حب الانتقام ، وإن الغضب الذي يكون لغير الله ، هو من الغضب المذموم ، الذي يبغضه الله عز وجل ، فهو للشيطان والهوى والباطل .

وأما الغضب المحمود ، فهو ما كان غيرة على دين الله أن تنتهك محارمه ، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم ، لا ينتقم لنفسه ، ولكن ‌إذا ‌انتهكت ‌حرمات ‌الله ‌لم ‌يقم ‌لغضبه ‌شيء ، دخل يوما بيت عائشة رضي الله عنها فرأى سترا فيه تصاوير ، فتلون وجهه وهتكه وقال: «إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور" رواه البخاري .

عباد الله : وإن من أسباب دفع الغضب عن النفس ، ذكر الله عز وجل ، قال تعالى: ﴿ واذكر ربك إذا نسيت ﴾ ، قال عكرمة: أي  إذا غضبت.

ويدفع الغضب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، فإن الغضب من الشيطان ، قال تعالى: ﴿ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ﴾ ، ولما استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد احمر وجه أحدهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " رواه البخاري.

عباد الله: ومن أسباب دفع الغضب ؛ السكوت ، قال ﷺ: " وإذا غضب أحدكم فليسكت" رواه أحمد حسن. وجاء رجل إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: يا أبا عبدالله أوصني، قال له: لا تغضب، قال: أمرتني ألا أغضب، وإنه ليغشاني ما لا أملك ، قال: «فإن غضبت فاملك لسانك ويدك .أ.هـ.

ويدفع الغضب تغيير الحالة التي عليها الغضبان ، بالجلوس، أو الخروج، أو غير ذلك ، وكذا بالوضوء؛ قال صلى الله عليه وسلم:" إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ "رواه أبو داود .

قال تعالى: ﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم  *  وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ﴾ فصلت: 34.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.      

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،   أما بعد :

عباد الله: إن من أعظم أسباب الغضب ؛ الكبر والعجب والهوى ؛ فالمعجب برأيه والمغتر بمكانته ، أو نسبه أو علمه أو ماله ، يملي عليه إعجابه بالطغيان على خلق الله ، قال تعالى : ﴿ كلا إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى ﴾.

عباد الله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: أوصني، قال: " لا تغضب، فردد مرارا قال: لا تغضب" رواه البخاري ، قال الصحابي: ففكرت فيما قاله صلى الله عليه وسلم ، فإذا الغضب يجمع الشر كله . رواه أحمد.

ومن تأمل مفاسد الغضب ، وآثاره على الفرد والمجتمع ، علم عظم هذه الوصية النبوية ، فالغضب يخرج الإنسان عن حالته السوية ، إلى أمور قد تفسد عليه دينه ودنياه ، فالغضب مجمع الشر، ومجاهدته مجمع الخير ، قال صلى الله عليه وسلم:"ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عمروبن العاص رضي الله عنهم ا: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يباعدني من غضب الله عز وجل ، قال: " لا تغضب " رواه أحمد بسند صحيح.

فمن أراد رضا الله عز وجل ، وستر عيوبه ، فليكظم غيظه وغضبه عن الناس ، قال صلى الله عليه وسلم: " من كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ؛ ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة "رواه الطبراني وحسنه الألباني.

وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، دلني على عمل يدخلني الجنة ، فقال صلى الله عليه وسلم :" لا تغضب ، ولك الجنة " رواه الطبراني وصححه الألباني.

عباد الله: إن كظم الغيظ ؛ من خصال المتقين المحسنين ، الذين وعدهم الله مغفرة ، وجنات تجري من تحتها الأنهار ، قال تعالى: ﴿ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين﴾ آل عمران 133-134.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

المرفقات

1759420622_ذم الغضب خطبة4.docx

1759420622_ذم الغضب خطبة4.pdf

المشاهدات 571 | التعليقات 0