علمتنا سورة الزلزلة

الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، وَالَّذِي أَنْزَلَ الْقُرْآنَ مَوْعِظَةً لِلْقُلُوبِ وَشِفَاءً لِلصُّدُورِ. نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا. مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ.

يَا عِبَادَ اللَّهِ، أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَىٰ ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ سُورَةٍ عَظِيمَةٍ، قَصِيرَةِ الْمَبْنَىٰ، عَظِيمَةِ الْمَعْنَىٰ، تُوقِظُ الْغَافِلِينَ، وَتُذَكِّرُ الْغَافِلَ بِيَوْمٍ مَشْهُودٍ، وَلِقَاءٍ مَوْعُودٍ، إِنَّهَا سُورَةُ الْمَوْقِفِ الْمَهِيبِ، سُورَةُ الِانْقِلَابِ الْكَوْنِيِّ، سُورَةُ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ. فَهَلْ عَرَفْتُمُوهَا؟ إِنَّهَا سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ.

يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَىٰ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا﴾.

عَلَّمَتْنَا سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ أَنَّ هُنَاكَ يَوْمًا تَرْجُفُ فِيهِ الْأَرْضُ رَجْفَةً لَمْ تَشْهَدْ مِثْلَهَا مُنْذُ أَنْ خَلَقَهَا اللَّهُ، تَتَحَرَّكُ الْأَرْضُ حَرَكَةً لَمْ تَعْرِفْهَا مِنْ قَبْلُ، رَجْفَةٌ تُزَلْزِلُ الْجِبَالَ وَالْبِحَارَ وَالْمُدُنَ وَالْقُبُورَ، وَتُذْهِلُ الْمُرْضِعَةَ عَمَّا أَرْضَعَتْ، وَيَشِيبُ فِيهَا الْوِلْدَانُ.

تَنْشَقُّ الْأَرْضُ فَتُخْرِجَ الْمَوْتَىٰ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَتُخْرِجَ كُنُوزَهَا الدَّفِينَةَ وَأَسْرَارَهَا الْمَخْفِيَّةَ. كُلُّ شَيْءٍ مَخْزُونٍ فِي الْأَرْضِ – مِنْ بَشَرٍ أَوْ مَالٍ أَوْ ذُنُوبٍ – سَيَظْهَرُ، وَيُعْرَضُ أَمَامَ اللَّهِ.

هُنَا يَتَجَلَّى الْفَزَعُ، وَيَبْدُو الْإِنْسَانُ مَذْهُولًا، لَا يَعْرِفُ مَا يَجْرِي، وَكَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَرِيبٍ: مَا لَهَا؟ مَا هَذَا الْحَدَثُ الْعَجِيبُ؟ وَلَٰكِنَّهَا سَاعَةُ الْحَقِيقَةِ، وَسَاعَةُ الْفَصْلِ، وَسَاعَةُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، الَّتِي طَالَمَا أَنْذَرَنَا اللَّهُ بِهَا.

ثُمَّ يَقُولُ الْحَقُّ ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا﴾.

نَعَمْ، عَلَّمَتْنَا هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ الْأَرْضَ سَتَتَكَلَّمُ، وَسَتَشْهَدُ، وَسَتَرْوِي كُلَّ مَا دَارَ فَوْقَهَا، مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ غَفْلَةٍ، مِنْ عَدْلٍ أَوْ ظُلْمٍ. سَتُحَدِّثُ بِمَا فَعَلْنَا عَلَىٰ ظَهْرِهَا.

الْأَرْضُ سَتَشْهَدُ عَلَيْكَ، كُلُّ خُطْوَةٍ مَشَيْتَهَا، كُلُّ مَوْضِعٍ جَلَسْتَ فِيهِ، كُلُّ مَكَانٍ ارْتَكَبْتَ فِيهِ ذَنْبًا، أَوْ أَقَمْتَ فِيهِ طَاعَةً، سَيَشْهَدُ عَلَيْكَ أَوْ لَكَ أَمَامَ اللَّهِ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "تَشْهَدُ عَلَىٰ كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا" سَتَقُولُ: يَا رَبِّ، هُنَا صَلَّى، وَهُنَا عَصَى، وَهُنَا كَذَبَ، وَهُنَا صَدَقَ. فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ شَهَادَةَ الْأَرْضِ عَلَيْكُمْ.

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

عَلَّمَتْنَا هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ مِيزَانَ اللَّهِ دَقِيقٌ، لَا يَغْفَلُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً، وَلَا يُهْمِلُ حَسَنَةً وَلَا سَيِّئَةً، وَلَوْ كَانَتْ فِي مِيزَانِ الذَّرِّ.

عَلَّمَتْنَا أَنَّ الْخَيْرَ لَا يَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ، حَتَّىٰ لَوْ كَانَ فِي أَدْنَىٰ صُوَرِهِ: ابْتِسَامَةٌ، صَدَقَةٌ صَغِيرَةٌ، كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ، عَوْنُ مُحْتَاجٍ، دُعَاءٌ بِظَهْرِ الْغَيْبِ. فَلَا تَحْقِرُوا مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا.

وَعَلَّمَتْنَا أَنَّ الشَّرَّ كَذَلِكَ لَا يُنْسَى، حَتَّىٰ لَوْ خَفِيَ عَنِ النَّاسِ، فَاللَّهُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ. فَلَا تَسْتَصْغِرْ ذَنْبًا، فَإِنَّهُ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ.

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُوقِظَنَا مِنَ الْغَفْلَةِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الصَّلَاحَ وَالْفَلَاحَ فِي أَقْوَالِنَا وَأَفْعَالِنَا.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ...

 

الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ...

مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّنَا نَمُرُّ بِهَذِهِ السُّورَةِ كَثِيرًا فِي صَلَاتِنَا، وَقَدْ نَحْفَظُهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، لَكِنَّنَا بِحَاجَةٍ أَنْ نَحْفَظَ مَعَانِيَهَا فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ نَعِيشَهَا فِي وَاقِعِنَا، وَأَنْ نَسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ اللَّهِ.

سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ عَلَّمَتْنَا: أَنَّ الْـحِسَابَ قَادِمٌ، وَأَنَّ الشَّهَادَةَ تُسَجَّلُ، وَأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَضِيعُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا.

عَلَّمَتْنَا هَذِهِ السُّورَةُ أَنْ نَحْيَا فِي ظِلِّ رَقَابَةِ اللَّهِ، فَنَسْتَشْعِرَ نَظَرَهُ إِلَيْنَا، وَمُحَاسَبَتَهُ لَنَا، فَنَكُونَ مِمَّنْ يَخْشَوْنَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَيَعْمَلُونَ لِلْيَوْمِ الَّذِي لَا تَخْفَى فِيهِ خَافِيَةٌ.

عَلَّمَتْنَا سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ، وَأَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ، وَأَنَّ الزَّلْزَلَةَ قَادِمَةٌ لَا مَحَالَةَ، فَإِمَّا إِلَى جَنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى نَارٍ.

عَلَّمَتْنَا: أَنَّ الْأَرْضَ سَتَشْهَدُ عَلَيْنَا، وَالْجَوَارِحَ سَتَنْطِقُ، وَالصَّحَائِفَ سَتُنْشَرُ، وَأَنَّ مِيزَانَ اللَّهِ لَا يَغْفُلُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.

فَيَا مَنْ قَصَّرْتَ، تُبْ إِلَى اللَّهِ، وَيَا مَنْ ظَلَمْتَ، رُدَّ الْـحُقُوقَ، وَيَا مَنْ غَفَلْتَ، اسْتَيْقِظْ، فَإِنَّكَ سَتُحَاسَبُ. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُرْضِيكَ.

اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا، وَاغْفِرْ لَنَا، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَاكْتُبْنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

المرفقات

1746734229_علمتنا سورة الزلزلة.pdf

1746734240_علمتنا سورة الزلزلة.docx

المشاهدات 571 | التعليقات 0