فيحُ جهنم يُنذرنا
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا، وَسَخَّرَ لَنَا مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ..
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاذْكُرُوا أَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا دَارُ ابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ، لَا دَارَ قَرَارٍ وَلَا اسْتِقْرَارٍ.
نَعِيشُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ شِدَّةَ الْحَرِّ، وَتَرْتَفِعُ دَرَجَاتُ الْحَرَارَةِ حَتَّى تَكَادَ تُشْعِلُ الْوُجُوهَ وَتُتْعِبُ الْأَجْسَادَ، فَتَذَكَّرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ]وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ[ نَعَمْ، قَدْ نَكْرَهُ الْحَرَّ وَنَتَضَجَّرُ مِنْهُ، وَلَٰكِنْ فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْآيَاتِ مَا يَعْجَزُ عَنْ إِدْرَاكِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.
فَالْحَرُّ يُذَكِّرُنَا بِحَرِّ جَهَنَّمَ، وَيُوقِظُ الْغَافِلِينَ، وَيُظْهِرُ ضَعْفَ الْإِنْسَانِ وَعَجْزَهُ عَنْ تَحَمُّلِ طَرَفٍ يَسِيرٍ مِنْ لَهِيبِ هَذِهِ الدُّنْيَا، فَكَيْفَ بِحَرِّ الْآخِرَةِ؟
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. تَأَمَّلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ ]وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ[ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ اعْتَذَرُوا عَنِ الْجِهَادِ فِرَارًا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، فَجَاءَهُمُ الرَّدُّ الْإِلَهِيُّ بِأَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا، فَلَوْ كَانُوا يَعْقِلُونَ لَاحْتَمَلُوا مَا هُوَ أَهْوَنُ فِي سَبِيلِ النَّجَاةِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ.
وَنَقُولُ الْيَوْمَ: كَمْ مِنَ النَّاسِ يَتَثَاقَلُونَ عَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَتَذَرَّعُونَ بِحَرِّ الظَّهِيرَةِ !! فَكَأَنَّ لِسَانَ حَالِهِمْ يَقُولُ: لَا تَنفِرُوا إِلَى الْمَسْجِدِ فِي الْحَرِّ!! وَيَا لَيْتَهُمْ يَفْقَهُونَ أَنَّ حَرَّ جَهَنَّمَ أَشَدُّ، وَأَنَّ فِي صَبْرِهِمْ عَلَى حَرِّ الدُّنْيَا رَفْعَةً فِي الدَّرَجَاتِ، وَمَغْفِرَةً لِلذُّنُوبِ.
قَالَ ﷺ (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. كُلُّ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ تَعَبٍ أَوْ نَصَبٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، فَهُوَ تَكْفِيرٌ لِسَيِّئَاتِهِ، وَرَفْعٌ لِدَرَجَاتِهِ، فَمَا أَعْظَمَ رَحْمَةَ اللَّهِ، وَمَا أَوْسَعَ فَضْلَهُ.
فَاصْبِرُوا عِبَادَ اللَّهِ، وَاحْتَسِبُوا، فَإِنَّ مَا نَرَاهُ مِنْ حَرٍّ شَدِيدٍ، قَدْ يَكُونُ خَيْرًا لَنَا إِنْ صَبَرْنَا وَذَكَرْنَا وَتَذَكَّرْنَا.
وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، أَنَّ الْعَاقِلَ مَنِ اغْتَنَمَ أَيَّامَ الصِّحَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَتَزَوَّدَ لِيَوْمِ الْعَرْضِ وَالْجَزَاءِ، وَصَبَرَ عَلَىٰ الْبَلَاءِ، وَاحْتَسَبَ عِنْدَ اللَّهِ الثَّوَابَ وَالرِّفْعَةَ فِي الدَّرَجَاتِ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، وَاهْدِنَا صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْـحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ..
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ حَرَّ الدُّنْيَا، مَهْمَا اشْتَدَّ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ مِنْ حَرِّ الْآخِرَةِ.
فَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الْخَلَائِقِ، حَتَّى تَكُونَ عَلَى قَدْرِ مِيلٍ، فَيُغْرِقُ النَّاسَ فِي عَرَقِهِمْ، كُلٌّ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِ، قَالَ ﷺ (تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا).
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ.. أَيْنَ نَحْنُ مِنْ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ؟ هَلْ أَعْدَدْنَا لَهُ؟ هَلْ تَزَوَّدْنَا بِالتَّقْوَى؟ إِنَّ حَرَّ جَهَنَّمَ لَيْسَ كَحَرِّ الدُّنْيَا، قَالَ ﷺ (نَارُكُمْ هَٰذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ).
فَلْنَسْتَعِدَّ عِبَادَ اللَّهِ، وَلْنُكْثِرْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلْنَبْتَعِدْ عَنْ أَسْبَابِ غَضَبِ اللَّهِ، عَسَىٰ أَنْ يُظِلَّنَا اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.
اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، وَوَفِّقْنَا لِلتَّوْبَةِ قَبْلَ النَّدَمِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ إِذَا أُعْطُوا شَكَرُوا، وَإِذَا ابْتُلُوا صَبَرُوا، وَإِذَا أَذْنَبُوا اسْتَغْفَرُوا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ...
المرفقات
1752745711_فيحُ جهنم يُنذرنا.pdf
1752745721_فيحُ جهنم يُنذرنا.docx