معالم الأمن في الحج
الشيخ عصام بن عبدالمحسن الحميدان
1446/11/25 - 2025/05/23 13:52PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمن في الحج
الحمد لله...
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله.... )
من أهم معالم الحج الأمن، الذي رسّخه الله سبحانه في البيت الحرام وما حوله بدعوة إبراهيم الخليل عليه السلام حين قال(رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) فحرّمها الله سبحانه لا ينفر صيدها ولا يختلى خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا يخوف قاصدها، ولا ينتقم فيها ، ولو وجد ولي الدم قاتل أبيه لا يفعل له شيئاً ولا يحرك منه ساكناً،
هل تطلبون من المختار معجزةً … يكفيه شعبٌ من الأجداثِ أحياهمَنْ وَحَّدَ العُرْبَ حتى كان واترُهم … إذا رأى ولدَ الموتور آخاهُسَنُّوا المساواةَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمٌ … ما لِامْرِئ شَرَفٌ إلا بتقواهورحبَّ الناسُ بالإسلام حين رأوْا … أنَّ السلام وأن العدل مغزاه
وقد امتن الله سبحانه على أهل مكة بهذه النعمة العظيمة التي اختصهم بها دون سائر الناس(أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم) حتى إن عبدالمطلب لم يرض أن يقاتل أبرهة وجيشه، وتركه لانتقام الله سبحانه (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيراً أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل* فجعلهم كعصف مأكول) والسورة التي تليها (لإيلاف قريش* إيلافهم رحلة الشتاء والصيف* فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) ، وهذا هو النتيجة الطبيعية لمنة حمايتهم من الأعداء، وهو أن يشكروا الله سبحانه بعبادته وحده لا شريك له ، ولكن للأسف كان التصرف من الجاهليين عكس ذلك ، الإلحاد والشرك والفساد وكل أنواع المعصية في مكة ، فكفروا بنعمة الله سبحانه فأذاقهم الله جزاء أعمالهم (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان: يا مُحمَّدُ أنشُدُكَ اللهَ والرَّحِمَ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني الوَبَرَ والدَّمَ - فأنزَل اللهُ : {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}
فدخل صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً في السنة الثامنة من الهجرة، وأعاد مكة إلى حظيرة التوحيد وطهرها من الأصنام والشرك والشعوذة والدجل والسحر والكهانة وكل أنواع التعلق بغير الله سبحانه. ورفع بلال أذان التوحيد فوق الكعبة، وحرم الله سبحانه على المشركين دخول مكة(يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) لئلا يعود الشرك إلى مكة.
وأكمل الله سبحانه النعمة على الحجاج وقاصدي البيت الحرام بأمن آخر ، وهو الأشهر الحرم قبل وبعد الحج، ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ليتم الأمن والرخاء والراحة، ويتفرغ الحجاج للعبادة لا يخافون على أموالهم ولا أهليهم ولا متاعهم، ولو لم يكن البلد الحرام آمناً لقلقوا وصار همهم كيف يدفعون عن أنفسهم الشرور ويحفظون أهليهم وأموالهم وأخذ ذلك كل وقت العبادة،
فهل استسلم الجاهليون لذلك؟ كلا، غيّروا أوقات الأشهر حتى تتوافق مع حروبهم (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطؤا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله)
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح مكة وأعاد الشهور إلى أوقاتها في حجة الوداع ، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته المشهورة (إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيئتِه يومَ خَلَق اللهُ السَّمواتِ والأرضَ، السَّنةُ اثنا عَشَرَ شَهرًا، منها أربعةٌ حُرُمٌ، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعْدةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادى وشَعبانَ)
وهكذا أعاد الرسول صلى الله عليه وسلم الأمنين إلى مكانيهما الصحيحين، أمن الزمان، وأمن المكان، فعاش الناس في رغد وراحة وأمان، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الأمن سيعمّ أصقاع الجزيرة العربية كلها فقال لخباب بن الأرت رضي الله عنه: ليتمن الله الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه. وقال لعدي بن حاتم رضي الله عنه: إنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ -بالشام- حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ، لا تَخَافُ أحَدًا إلَّا اللَّهَ .
فاحرصوا أيها المؤمنون على الأمن، وساعدوا رجال الأمن، بل كونوا رجال أمن، فخير الناس أنفعهم للناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم.
*********
إن الأمن في البلاد لا يتم إلا بالأمن في العباد، وإن الأمن في الدنيا لا يتم إلا بالأمن في الآخرة، وهذا ما جمعه الخليل إبراهيم عليه السلام في دعوته (رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) الأمن في البلد الحرام، والتوحيد ونبذ الشرك، لذا شرع الإسلام أموراً عدة تعزز الأمن وتحفظه، أما الأمن في العباد فحث الإسلام على إفشاء السلام، ورغب في الهدية، وأمر بالإحسان إلى الجار، والوالدين، واليتيم، والفقير، وأوجب أداء الحقوق، والوفاء بالعهود، وفرض إقامة الحدود الشرعية،
وأما الأمن في الآخرة فهو في توحيد الله سبحانه وعدم الشرك به، قال إبراهيم عليه السلام لقومه (وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً؟ فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون* الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) فتعرض إبراهيم عليه السلام للموت وقدّم نفسه وروحه مضحياً من أجل التوحيد.
فالموحدون هم الآمنون يوم الفزع الأكبر، هم الآمنون في المحشر، وعلى الصراط، وفي الجنة. "بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"
المرفقات
1747997553_معالم الأمن في الحج.docx