نصائح ووصايا في بداية العام الدراسي

عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان

2025-08-16 - 1447/02/22
عناصر الخطبة
1/الاستعداد للعام الدراسي الجديد 2/بعض فضائل العلم وخيراته 3/حث الطلاب على طلب العلم والاجتهاد 4/وصايا للطلاب والمعلمين والمعلمات والآباء والأمهات

اقتباس

العِلْمُ حياةُ القلوبِ، ونورُ البصائرِ، وشفاءُ الصدورِ، ورياضُ العقولِ، ولذةُ الأرواحِ، وأُنْسُ النفوسِ، وهو الصاحبُ في الغربةِ، والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة، مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قُربة، وبذله صدقة، ومدارسته عبادة...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، نحمده على الآلاء والنعم، ونشكره على ما أَولَانا من الفضل والكرم، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا خاتمُ أنبيائِه ورُسُلِه، اصطفاه اللهُ على سائر الأمم، وبعَثَه رحمةً للعالمينَ، إلى العرب والعجم، فبلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَح الأمةَ، وجاهَد في الله حقَّ الجهاد حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ رسولِ اللهِ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

 

عبادَ اللهِ: أوصيكم بتقوى الله -عز وجل-، فإنَّها خير زاد، وبطاعته فهي خير مطلب ومراد؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18].

 

أيها الناسُ: ونحن نتهيَّأ لاستقبال العام الدراسيّ الجديد؛ لنعود -والعَوْدُ أَحمَدُ- إلى رحاب العلم، إلى طلب العلم وتحصيله، إلى القاعات والحلقات الدراسيَّة، والمنصَّات العِلميَّة، إلى اغتنام الأوقات ورفع الدرجات، إلى رياض الجنات، فاستقبلوا السنة الدراسيَّة أيها الطلاب بالجد وإخلاص النيَّة، والعزم والهمم العالية، فمن جد وجد، ومن زرع حصد، والنجاح إنما يكون بعد توفيق الله بالبذل والعمل.

ومَنْ رامَ العُلا مِنْ غَيْرِ كَدٍّ *** أضاعَ العمرَ في طلبِ المُحالِ

 

معاشرَ المسلمينَ: العلمُ صفةُ كمالٍ للهِ -تعالى-، وهو بكل شيء عليم، علمه أحاط بكل شيء، يعلم ما كان وما لم يكن، وسع كل شيء رحمة وعلمًا؛ (عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السَّمَاوَاتِ وَلَا في الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا في كِتَابٍ مُبِينٍ)[سَبَأٍ: 3].

 

وهو -سبحانه- الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم، ومنحه وسائل بها يتعلم، فمنحه عقلًا به يفكر ويدرك ويفهم، وسمعًا وبصرا ولسانا به ينطق ويتكلم، وعلمه بالقلم، قال -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[الْعَلَقِ: 1-5]، وكرمه وفضله وشرفه واستخلفه في الأرض بالعلم؛ فعلم آدم الأسماء، وسخر له ما بين السماء والأرض من الأشياء، قال -سبحانه-: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ في الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 30-33].

 

عبادَ اللهِ: العلمُ أعظمُ النعمِ؛ به تسمو وتنتصر الأمم، وهو أفضل الطاعات، وأزكى القربات، ولقد حثَّ القرآنُ على التعليم، وأمَر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بطلب الزيادة منه فقال: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]، قال ابن حجر -رحمه الله-: "وهذا واضح الدلالة في فضل العلم؛ لأن الله -تعالى- لم يأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم، ولقد أشاد الله بمنزلة العلماء فقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فَاطِرٍ: 28]، وقرنهم الله -تعالى- بنفسه وملائكته في الشهادة بوحدانيته -تعالى- فقال: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[آلِ عِمْرَانَ: 18]، ونوه بقدرهم فقال: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الزُّمَرِ: 9]، وأمر بالرجوع إليهم فقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النَّحْلِ: 43]، وحث عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من يرد الله به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ"، وقال: "وَمَنْ سَلَكَ طريقًا يلتمِسُ فيه علمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة"، وقد كان سلفُنا فيما مضى يكابدون الحرمان والغربة عن الأوطان، ويتجشمون كل مشقَّة وصعب، ويصبرون على اللأواء والنصب، والقسوة وضيق العيش والتعب، في سبيل تحصيل العلم، قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[التَّوْبَةِ: 122]؛ فخذوا -أيها الطلاب- للعِلْم من أوقاتكم نصيبًا مفروضًا، واجعلوا للعِلْم وقتًا محفوظًا؛ فهو زادكم في الدنيا، ورفعتكم في الآخرة، لا تؤجلوا ما ينفعكم، ولا تستهينوا بساعات التحصيل، فالوقت يمضي، والعمر يذهب، وما مضى لن يعود.

 

بارَك اللهُ في أوقاتكم، وأعانكم على استثمارها فيما ينفع، وصرَف عنكم الكسلَ والتسويفَ، وملأَ قلوبَكم حُبًّا للعِلْم وطلبًا للمعرفة.

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفِر اللهَ لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا يليق بجلاله، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له في عظمته وكماله، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أيها الناسُ: مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرًا يفقهه في الدين، وخياركم في الجاهليَّة خياركم في الإسلام إذا فقهوا، والعلماء ورثة الأنبياء، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة.

 

معشر الطلاب: العِلْمُ حياةُ القلوبِ، ونورُ البصائرِ، وشفاءُ الصدورِ، ورياضُ العقولِ، ولذةُ الأرواحِ، وأُنْسُ النفوسِ، وهو الصاحبُ في الغربةِ، والمحدث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة، مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قُربة، وبذله صدقة، ومدارسته عبادة، والحاجة إليه أعظم من الحاجة إلى الشراب والطعام؛ فاحرصوا على تحصيله، فقد سخر الله لكم الوسائل، وهيأ لكم الظروف المناسِبة، ويسر لكم الأدوات، وسخر لكم أجهزة الاتصال ومَنصَّات التعلُّم؛ فلا عذر لأحد في الانقطاع عن التعليم، فكل الوسائل متاحة، والحجة قائمة، فاجتهدوا في طلبه، واصبروا على مشقته، وازرعوا اليوم لتحصدوا غدًا؛ فالعلم نور لا ينطفي، وثمرة لا تخيب.

 

أيها المربون والمربيات، أيها المعلمون والمعلِّمات: تعلَّمُوا العلمَ وعلموه، واعملوا به وابذلوه؛ فأنتم مسؤولون أمام الله عن تعليم وتربية طلابكم؛ فاجتهدوا في واجبكم، وابذلوا النصح والتوجيه لأبنائكم الطلاب، وكونوا قدوة صالحة في أقوالكم وأفعالكم، واعلموا أن التعليم أمانة عظيمة، ورسالة جليلة، فأنتم القدوة التي يُحتَذى بها، والكلمة التي تغرس في العقول والقلوب، فاصدقوا الله في نيتكم، وأخلصوا في أداء رسالتكم، وكونوا عونًا لطلابكم على الخير؛ فإن الكلمة الطيبة والتعليم الصادق قد يغيران حياة إنسان بأكملها، بل ويحييان أمة بأسرها.

 

أيها الآباء والأمهات: تفقَّدُوا وراقِبوا وتابِعوا تعليمَ أبنائكم وتحصيلَهم، وساعِدُوا المدرِّسينَ والمربينَ في تعليمهم وإرشادهم، وَفِّرُوا لهم الظروفَ المناسِبةَ، والأدواتِ اللازمةَ قدرَ الإمكانِ؛ لعلَّ اللهَ أن يرزقكم بذلك ولدًا صالحًا، ويرزقهم علمًا نافعًا، فإن ذلك من أعظم القربات، وأجل الطاعات، ومن الباقيات الصالحات، والصدقة الجارية بعد الممات، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "‌إِذَا ‌مَاتَ ‌الْإِنْسَانُ ‌انْقَطَعَ ‌عَمَلُهُ ‌إِلَّا ‌مِنْ ‌ثَلَاثٍ: ‌صَدَقَةٍ ‌جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ"(أخرجه مسلم)؛ فاحرصوا على تعليم وتربية أبنائكم وبناتكم، وسَاعِدُوا الجهاتِ التعليميَّة بما فيه صلاح لهم، وبناء لمجتمعهم؛ فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، خذوا بأسباب صلاحهم بتعليمهم وتربيتهم، وملء أوقات فراغهم بالمفيد، وحثهم على الخير والطاعات، لعلكم ترحمون بدعائهم وهدايتهم، فلا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا.

 

نسأل الله -عز وجل- أن يجعل هذا العام الدراسيّ عام خير وأمل، وتحصيل وبركة وعمل، وأن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، إنه سميع الدعاء.

 

اللهمَّ هَبْ لنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، اللهمَّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكَرِّهْ إلينا الكفرَ والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهمَّ أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لنا في ذرياتنا، إنَّا تبنًا إليك وإنا من المسلمين.

 

اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، وانصُرْ عبادَكَ الموحِّدينَ، واجعل اللهمَّ هذا البلد آمِنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين.

 

اللهمَّ أصلح أحوال المسلمين، اللهمَّ أصلح ذات بينهم، واجمع كلمتهم على الحق يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ كن لأهلنا في فلسطين وليًّا ونصيرًا، ومُعِزًّا ومُجِيرًا، اللهمَّ اكشف عنهم الضر، وارفع عنهم البلاء، واحفظ لهم الأعراض والدماء، اللهمَّ فرج همهم، ونفس كربهم، وأطعم جائعهم، واشف مرضاهم، واجبر كسرهم، وتقبل موتاهم يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ أنزل عليهم رحمتك ونصرك، وعافيتك يا أرحم الراحمين، اللهمَّ عليك بالصهاينة المعتدين، الظلمة المجرمين، اللهمَّ انتقم منهم يا قوي يا عزيز، اللهمَّ اشف صدور قوم مؤمنين، اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم يا قوي يا عزيز.

 

اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهمَّ وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك، وأيده بتأييدك وأعز به دينك، وألبسه ثوب الصحة والعافية يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، يا سميع الدعاء، اللهمَّ تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

اللهمَّ صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life