عناصر الخطبة
1/وصف استعداد البيوت للاختبارات 2/توجيهات ونصائح للطلاب 3/شكر للوالدين على ما يقدمونه لأبنائهم 4/كلمات شكر واعتذار للمعلميناقتباس
وانتبه -يا بُنيَّ- في أيَّامِ الاختباراتِ من قُطَّاعِ الطَّريقِ، الذينَ يقطعونَ طريقَ الخيرِ والنَّجاحِ على أبناءِ المسلمينَ، فيريدونَهم عَبَدةً للمُخدِّراتِ والشَّهواتِ، ويُضيعونَ غاليَ أوقاتاتِهم بالتَّفحيطِ والتَّفاهاتِ، وكم كانتْ أيَّامِ الامتحاناتِ منحنىً خَطِيرٍ لكثيرٍ من الشَّبابِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ حَمداً كَثيراً طَيباً مُباركاً فيهِ، مِلءَ السَّماواتِ ومِلءَ الأرضِ، ومِلءَ مَا شاءَ مِن شَيءٍ بَعدُ، الحمدُ للهِ على نِعمِهِ الكثيرةِ، وعَطائِه الجَزيلِ، وفَضلِهِ العَمِيمِ، أَحمَدُهُ -سُبحانَهُ- حَمداً يَليقُ بِعظَمَتِهِ، ويُوافِي جُودَهُ وكَرَمَهُ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَه المتَفَرِّدُ بالعَطَاءِ والكَرَمِ، وأَشهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبدُهُ ورَسُولُهُ، خَيرُ مَن شَكرَ اللهَ -تعالى- علَى نِعَمِهِ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ، وسَلَّمَ تَسليماً كثيراً.
أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واشكُرُوهُ علَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، فمَنْ سِواهُ نَشْكُرُ، ومَن سِوَاهُ نَذكُرُ، ومَن سِواهُ نَتُوبُ إليهِ ونَستَغفِرُ؛ (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[النمل: 63].
أيُّها الأحبَّةُ: ما الذي يحدثُ في البيوتِ خِلالِ هذينِ الأُسبوعينِ؟ تُدَّقُّ نواقيسُ الأخطارِ، وتُطلقُ صفَّاراتُ الإنذارِ، وتُعلنُ حالاتُ التَّأهُّبِ القُصوى، ويَستمسِكُ الجميعُ بالعُروةِ الوُثقى، تُرابطُ العوائلُ جميعاً في منازلِها، وتُؤجِّلُ الأُسرُ كثيراً من مشاغلِها، الأمُّ في حالةِ استنفارٍ وتأهُّبٍ، والأبُّ في حالةِ استعدادٍ وترقُّبٍ، والمدارسُ في حالةِ حَذرٍ ومُعاناةٍ، والجِهاتُ الأمنيةُ في حالةِ يقظةٍ وانتباهٍ، فاللهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وأما الأبناءُ والبناتُ ففي حالةِ قَلقٍ وسكينةٍ، خوفٍ وأمنٍ، فرحٍ وحُزنٍ، تشاؤمٍ وتفاؤلٍ، كَسلٍ ونَشاطٍ، ضِعفٍ وقُوَّةٍ، تَقاعسٍ وعَزيمةٍ، وهكذا المشاعرُ في الاختباراتِ، وما أدراكَ ما الاختباراتُ؟!.
أيُّها الطَّالبُ: استعنْ باللهِ ولا تعجزْ، واعلم أن من جَدَّ وَجَدَ، ومن زَرعَ حَصدَ، تَفاءلْ فإنَّ نبيَّكَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- كانَ يُحبُّ الفَألَ، اقرأ، ذَاكر، احفَظ، افهَم، واعلم أنَّ الذي ألَّفَ الرِّياضياتِ شخصٌ مثلُك، والذي وضعَ قوانينَ الفيزياءِ بشرٌ مثلُكَ، والذي ركَّبَ معادلاتِ الكيمياءِ آدميٌّ مثلُكَ؛ (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 78]، فلا تَحتقرْ ذكاءَك، ولا تَستنقِصْ قُدراتِكَ، فاليومَ أنتَ في مجالسِ الدِّراسةِ طَالباً، وغَداً في مَجالسِ الشَّرفِ والنَّجاحِ غَالباً، عُضواً ناجحاً لدينِه وأمَّتِه ووطنِه.
فعليكَ بدعاءِ اللهِ -تعالى- بالهِدايةِ والسَّدادِ، وأن يفتحَ عليكَ أبوابِ الفَهمِ والرَّشادِ، ولا يُوجدُ دعاءٌ خاصٌ للاختباراتِ، وإنما الدُّعاءُ بالتَّيسيرِ والإعانةِ والتَّوفيقِ، وعليكَ بالمحافظةِ على الصَّلواتِ فإنَّها مِفتاحُ كلِّ خيرٍ، قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "وَالصَّلاَةُ نُورٌ"، فهي تُنيرُ لكَ الطَّريقَ والحياةَ والمُستقبلَ؛ (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)[النور: 40]، وأُعيذُك أن تكونَ كما قالَ القائلُ:
صَلَّى الْمُصَلِّي لِأَمْرٍ كَانَ يَطْلُبُهُ *** فَلَمَّا انْقَضَى الْأَمْرُ لاَ صَلَّى وَلاَ صَامَا
وانتبه -يا بُنيَّ- في أيَّامِ الاختباراتِ من قُطَّاعِ الطَّريقِ، الذينَ يقطعونَ طريقَ الخيرِ والنَّجاحِ على أبناءِ المسلمينَ، فيريدونَهم عَبَدةً للمُخدِّراتِ والشَّهواتِ، ويُضيعونَ غاليَ أوقاتاتِهم بالتَّفحيطِ والتَّفاهاتِ، وكم كانتْ أيَّامِ الامتحاناتِ منحنىً خَطِيرٍ لكثيرٍ من الشَّبابِ، فبعدَ أن كانَ نجماً مُنيراً فوقَ السَّحابِ، أصبحَ كالحَجرِ الذي أُلقيَ فَوقَ التُّرابِ، فاللهمَّ احفظْ أبناءَنا وبناتِنا ووفِّقهم لرفيعِ وكريمِ الآدابِ.
يا طالبَ العلمِ أنتَ الشَّمسُ سَاطعةً *** من فَيضِ علمِكَ خيراتٌ ستنهمرُ
يا طَالبَ العلمِ أَبشرْ قد غَدوتَ لنا *** عِزَّاً ومَجداً وبالأمجادِ نفتخرُ
هذَّبْتَ رُوحاً بأصنافِ العلومِ وقـد *** سَمَوْتَ فوقَ جُيوشِ الجَهلِ تَنْتَصرُ
بِالعِلمِ تُبنَى بُيوتٌ لا عِمَادَ لَهَــا *** وَالجَهلُ يَهْـدِمُ لا يُبْقي ولا يَــــذَرُ
أيُّها الأباءُ والأمَّهاتُ: جزاكم اللهُ خيراً على ما تبذلونَه من الجِهادِ، وأقرَّ أعينَكم بنجاحِ فَلذاتِ الأكبادِ، كم تعبتُم، كم بذلتُم، كم دعوتُم، كم عانيتم، مُستشعرينَ قولَه -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ"، ولعلَّ اللهَ -تعالى- أن يُعوِّضَ صبرَكم خيراً، ويُبدِّلَ تَعِبَكُم أجراً، وتفرحونَ يوماً بإنجازاتِ أبنائكم فَخراً، وترونَ بفضلِ اللهِ -تعالى- ما صنعتهُ أيديكم عِزَّاً وذِخراً.
أيُّها الوالدانِ: لا نعلمُ -واللهِ- كيفَ نردُّ لكم الجميلَ؟ ولا كيفَ نبلغُ فيما قدَّمتموه لنا الشُّكرَ الجزيلَ؟ ضحَّيتم بصحتِّكم وأوقاتِكم وأموالِكم، وصبرتُم على طفولتِنا وبُكائنا، وشقاوتنا وأمراضِنا، أضحكناكُم وأبكيناكم، وأفرحناكم وأحزناكم، وأنتم أنتم لا تزالونَ الأبُّ الرَّحيمُ والأمُّ الحنونُ، فيا ربِّ كيفَ لنا أن نُوفيَ حقَّهما مع هذه التَّضحياتِ الكِبارِ؟ ولكن ربِّ ارحمهما كما ربُّونا ونحنُ صِغارٌ.
وَهَل هُنَالِكَ أَسمَى نِعمةٍ عُرِفَتْ *** من الحَنانِ حَنانِ الأمِّ تَغشاهُ
أو مِن رِعايةِ من أَعطَى بِلا مِنَنٍ *** ويَغرسُ الفضلَ في ابنٍ حِينَ ربَّاهُ
للوالدينِ حُقوقٌ ليس يُنكرُها *** إلا جَحودٌ كَفورٌ ضَلَّ مَسعاهُ
أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ حمداً كثيراً كما أمرَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، شهادةَ من سِمعَ النِّداءَ فحضرَ، وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه ما اتَّصلتْ عينٌ بنظرٍ، وسمِعتْ أُذنٌ بخبرٍ، أما بعدُ:
أيُّها المعلمونَ والمعلماتُ: ماذا عسى أن يقولَ لكم أولياءُ الأمورِ؟ وكيفَ يعبِّرُ عن شُكرِه ذلكَ الطَّالبُ المسرورُ؟ أعطيتُم أبناءَنا العلمَ والأدبَ ومكارمَ الأخلاقِ، كنتم شمعةً أضاءتْ لأبنائنا بعدَ أنْ احترقتْم أيَّما إحراقٍ، كانوا يرونَ في أشخاصِكم القدوةَ العُظمى، وكلامُكم وأفعالُكم هو الغايةُ المُثلى، كيفَ ننسى ترتيلَ أبنائنا لآياتِ القرآنِ مُجوَّدةً كما حفَّظتموهم؟ وما أجملَ تلكَ اللَّحظاتِ عندما نسمعُ منهم ذلكَ الدُّعاءَ الذي عَلمتُوهُم!، فَهِمُوا مِنكُم المُعَادَلاتِ والنَّظَريَّاتِ والقَوَانينَ، وأَصبَحُوا لِبنَاءِ المَجدِ والمُستَقبَلِ جَاهزِينَ، أوصلتُم إليهم ما لم نستطعْ أن نُوصِلَهُ إليهُم، فجزاكم اللهُ خيراً.
نعتذرُ إليكم عن التَّقصيرِ في تواصلِنا معكم خلالَ العامِ، ونبرأُ إلى اللهِ -تعالى- ممن ينتقصُ حقَّكم عظيمَ المقامِ، فأنتم صُنَّاعُ الأجيالِ وبُناةُ الفِكرِ والعقلِ، وإسقاطُ هيبتِكم هو ضياعٌ للحاضرِ والمُستقبلِ، وكيفَ لأمَّةٍ أن تنهضَ وتزدهرَ وتَرقى، إن لم يكنْ للمعلمِ فيها المنزلةُ الأرقى؟!.
وفي آخرِ العامِ تأتي اللَّحظةُ الحزينةُ، عندما ينظرُ المعلمُ إلى طلابِه بِشوقٍ وقد انصرفوا من المدرسةِ بعدَ عامٍ دِراسيٍّ كاملٍ، قضى مع طُلَّابِهِ من الأوقاتِ أكثرَ مما قضى مع أهلِهِ، كم كانَ في هذا العامِ من ذِكرياتٍ جميلةٍ، وكم كانَ فيه من علومٍ جزيلةٍ، اجتمعَ في عامِهم هذا الشَّقاوةُ والحلَّاوةُ، والعِقابُ والثَّوابُ، واجتمعَ فيها الضَّجيجُ والهُدوءُ، والتَّعبُ والمُتعةُ، والشِّدةُ والرَّحمةُ، مشاعرٌ صادقةٌ لا تكونُ إلا من أُناسٍ صادقينَ، لا حرمَكُم اللهُ الأجرَ والمَثُوبَةَ -أَيُّهَا المُعَلِّمُونَ-، وباركَ اللهُ -تعالى- لكم في ذُرِّياتِكُم جَزَاءً بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ.
اللهمَّ وَفقْ أبناءَنا وَبَناتِنا في دِينِهم وَدُنيَاهُم، اللهمَّ وَفقهُم في دِرَاستِهم، وَيسِّرْ لهم اختباراتِهم، اللهمَّ احفظهُم بِحفظِكَ، اللهمَّ بَاركْ فِيهُم؛ اللهمَّ نَوِّرْ قُلوبَهم بِالإيمانِ، وَاعمُرْ أَوقَاتِـهم بما يُرضيكَ يَا رَحمانُ، اللهمَّ وَفقْنا للصالحاتِ، واصرفْ عنا الشُّرورَ والسيئاتِ، واغفرِ اللهمَّ لَنَا مَا مَضَى وَمَا هُو آتٍ، بِرحمتِكَ يَا ربَ الأرضِ والسماواتِ، اللّهمَّ آمنَّا في أوطانِنا، وأَصلحْ أئمَّتَنا وولاةَ أُمورِنا، واجعلْ ولايتَنا فيمن خَافَكَ واتَّبعَ رِضاكَ يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ، الأحياءِ منهم والأمواتِ، اللهمَّ اشفِ مَرضَانَا وارحمْ مَوتَانَا يَا ذَا الجَلالِ والإكرامِ، اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ودمِّر أعداءَ الدينِ، اللهم انصُر دِينكَ وَكِتَابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، وَعِبَادكَ المؤمنين يا رب العالمين، اللهمَّ إنا نَسألُكَ فِعلَ الخَيراتِ، وَتَركَ المُنكراتِ، وَحُبَّ المساكينَ، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين، اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنيا حَسنةً، وَفي الآخرةِ حَسنةً، وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم