عناصر الخطبة
1/استحباب سؤال الله البركة 2/حقيقة البركة 3/بعض ما يمحق البركة 4/أسباب نيل البركة وتحصيلها.اقتباس
إن أصل البركة ومعناها؛ النماء والزيادة، وكثرة الخير الإلهي في الأشياء وثبوته ودوامه، وهي مطلب عظيم لكل مسلم يسعى للسعادة في الدارين، ولا تقاس البركة بالأسباب المادية.. والشاهد أن الإنفاق ومساعدة المحتاجين، وتفريج هم المهمومين لهي تجارة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله فاطر السماوات والأرض القائل في محكم التنزيل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الأعراف: 96]، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ:102]؛ أما بعد:
عباد الله: نردد في صلواتنا ودعواتنا عبارات وألفاظ لا نلقي لها بالا وتستحق منا الوقوف عندها للتأمل والفهم والتدبر؛ إنها الدعوات بالبركة أو البركات؛ فحين يلتقي المسلم بأخيه المسلم يبادره بتحية السلام؛ فإن المتلقي يرد التحية بأحسن منها قائلا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وعند التهنئة بالزواج يقال للعريسين: "بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير"، وأثناء التشهد ندعو بالبركة لمحمد وآل محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم ندعو مطلقا في كل الأحوال الطيبة؛ اللهم بارك.
فما معنى البركة؟
والجواب: إن أصل البركة ومعناها؛ النماء والزيادة، وكثرة الخير الإلهي في الأشياء وثبوته ودوامه، وهي مطلب عظيم لكل مسلم يسعى للسعادة في الدارين.
ولا تقاس البركة بالأسباب المادية ولا بالعمليات الحسابية؛ ولهذا فإن الله -تعالى- إذا بارك لعبده في العمر، أطاله على طاعته ونفع بآثار عمله لتصبح أعوامه لا يحصرها العدد، وإذا بارك -سبحانه- في الصحة تمتع صاحبها بالعافية وبقواه كلها، وإذا بارك الله -عز وجل- في الأهل والولد عمهم الصلاح والبر وكانوا زينة للحياة الدنيا.
وإذا بارك الله -تعالى- في المال، نما ونفع، وكثر وأثمر، ووفق مالكه لصرفه في أبواب الخير والطاعات. وإذا بارك الله للمرء في علمه قاده لخشية الله والعمل به، وانتفع به كل من جالسه وخالطه.. وهكذا؛ فإن مجال البركة متسع وفسيح، يشمل الأفراد والجماعات والدول والأمم، ومن حرم البركة عاش معيشة ضنكا ولو توفرت له كل أسباب الراحة المادية.
وكم من الناس فتحت لهم أبواب الرخاء وتيسرت لهم أسباب العيش الرغيد وتعددت مكاسبهم دون حدود؛ لكنهم مع ذلك كله يشعرون بالفقر لنسيانهم الله المعبود، وواجهوا في غياب البركة الباب المسدود، ومفتاحه في مسلكهم غير موجود.
فأين الحل؟
الجواب عند الله -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران: 165].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليسَتِ السَّنَةُ بأَنْ لا تُمْطَرُوا، ولَكِنِ السَّنَةُ أنْ تُمْطَرُوا وتُمْطَرُوا، ولا تُنْبِتُ الأرْضُ شيئًا"(رواه مسلم)؛ أي لا يبارك لكم فيه.
ومما يمحق البركة: الذنوب والمعاصي؛ قال -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112]؛ فاعتبروا يا أولي العقول والألباب.
ويعطينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نموذجين وصورتين في سياق موضوع حضور البركة وغيابها؛ الأول: جاء في حديث قدسي، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: قال الله -تعالى-: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه؛ فإذا خانه خرجت من بينهما"؛ أي: أن الله -تعالى- مع الشريكين بالحفظ والبركة؛ فإذا ظهرت الخيانة من أحد الشريكين ذهبت البركة وحل محلها كيد الشيطان ونزغه ووساوسه؛ إذ كيف للبركة أن تجتمع مع الخيانة؟
الثاني: وهو جدير بالتأمل؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجلٌ بفلاةٍ إذ سمعَ رعدا في سحابٍ، فسمعَ فيه كلاما: اسقِ حديقةَ فلان - باسمه - فجاءَ ذلكَ السحابُ إلى حرّةٍ فأفرغَ ما فيهِ من الماءِ، ثم جاء إلى أذنابِ شرجٍ فانتهى إلى شرجةٍ، فاستوعبتِ الماءَ ، ومشَى الرجلُ مع السحابَةِ حتى انتهى إلى رجلٍ قائمٍ في حديقةٍ له يسقِيها فقال: يا عبد اللهِ ما اسمُكَ ؟ قال: ولم تسأَلُ ؟ قال: إني سمعتُ في سحابٍ هذا ماؤُه: اسقِ حديقةَ فلانٍ، باسمكَ، فما تصنعُ فيها إذا صرمتَها ؟ قال: أما إن قلتَ ذلك فإني أجعلها على ثلاثةِ أثلاثٍ، أجعلُ ثلثا لي ولأهلي، وأردّ ثلثا فيها، وأجعلُ ثلثا للمساكينِ والسائلينَ وابن السبيلِ".
والشاهد أن الإنفاق ومساعدة المحتاجين، وتفريج هم المهمومين، وتنفيس كرب المكروبين لهي تجارة عظيمة مع الله -تعالى-، تجلب لصاحبها البركة؛ فلا يخسر أبدا.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ؛ أما بعد:
عباد الله: بعد أن علمنا معنى البركة وأثرها في حياتنا وسبب ذهابها، هلموا لنتعرف عن أسباب نيلها وجلبها، إذ أنها بعيدة المنال بالقعود والتواكل، وإنما يرزقها الله -تعالى- لمن سعى وجاهد للحصول عليها لتشمل العمر والأهل والولد والعلم والعمل والصحة والمال، ومن أعظم أسباب ذلك: تقوى الله في السر والعلن؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطَّلَاقِ: 2-3]؛ فبالتقوى؛ تفتح أبواب الرحمات والخيرات والبركات؛ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96].
ثاني الأسباب: الارتباط بالقرآن تعلما وتدبرا وتطبيقا؛ (أفلا يتدبرون القرآن)[النساء: 82]، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل:89].
وثالث الأسباب: اتباع سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].
ورابع الأسباب: الدعاء.
وخامسها: صلة الأرحام؛ ففي الحديث: "مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقِه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَه".
سادس الأسباب: الصدق في المعاملة بيعا وشراء وصناعة وشراكة؛ "الْبَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا، فإنْ صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيْعِهِما، وإنْ كَذَبا وكَتَما مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِما".
وختاما: التبكير بقضاء الأعمال في أول النهار، قال -عليه الصلاة والسلام-: "اللَّهمَّ بارِكْ لأمَّتي في بُكورِها".
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ..
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم