عناصر الخطبة
1/شر أمراض النفوس 2/التحذير من الظلم والشح 3/خطورة استلاب حق المسلم واغتصاب ماله 4/عواقب الظلم والخيانة 5/نموذج من ورع الصالحين وتقوى العارفين.اقتباس
يودّع الظالم الشحيح دنياه غير مأسوف عليه، ويخلفه في ماله مَن لا يدعو له أو يترحم عليه، ثم يُبدِّد المال شذر مذر، لأنه وصل إليه غنيمة باردة لم يجهده جمعها، ولم يكدح قليلاً ولا كثيراً في الحصول عليها، فتكون المتعة للوارث ويكون الحساب العسير والجزاء على الظالم الشحيح...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الحليم العظيم، أحمده -سبحانه- وهو الرؤوف الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب النهج القويم والخلق الكريم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله: شر ما يغلب على النفوس، ظلمٌ عاتٍ، وشُحّ جامح، يُورِدَان المرءَ موارد الهلاك، ويحملانه على الانسلاخ من إنسانيته، ويدفعان به إلى الإثم والجريمة، وكم للظلم من ضحايا! وكم للشح من مآسي! وكم كانا سبيل دمار، وعامل هدم وفساد!
ولقد قرن بينهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث واحد، فحذَّر من مصيرهما منبهاً لعواقبهما الوخيمة، فقال: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم وحملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".
وإن مِن الظلم والشُّحّ معاً أن يغتصب المرء حقاً صريحاً لأخيه المسلم، وأن يعتدي عليه باقتطاع جزء من أرضه يدافع عنه ويناضل ويخاصم فيه، ويجادل ويسلك في سبيل ذلك طرقاً ملتوية للتشفي، يستأجر شهود الزور ويتقدّم بالرشوة في كل سبيل، ويجرؤ على الحلف بالله كاذباً، إن لزم الأمر لذلك، حتى يبلغ ما يريد، وحتى يستحوذ على حق الغير ظلماً وعدواناً، حق أخيه المسلم الذي له في عنقه ما أوجبه الإسلام للمسلم على أخيه من حق الرعاية؛ "كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله".
ذلكم -يا عباد الله- هو الظلم العاتي، والشحّ الجامح الذميم، وما علم هذا المغتصب أنه خادع نفسه، وغرّر بها وعرَّضها للوعيد الشديد، ونقمة الجبار -جل وعلا-، فيا لعظيم خسارته، ويا لسوء مصيره! يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه لقي الله وهو عليه غضبان"، قالوا يا رسول الله: وإن كان شيئاً يسيراً، قال: "وإن كان قضيباً من أراك".
وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن ظلم قيد شبر من الأرض؛ طُوّقه من سبع أرضين"، وفي رواية "أظلم الظلم ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه".
فأيّ وعيد -يا عباد الله- أعظم من هذا الوعيد؟ وأيّ ظلم أفظع من استلاب حق المسلم، واغتصاب ماله، والجرأة على الله بارتكاب ما يغضبه؟ أو لم يكن للناس عبرة في مصير الظالمين وعاقبة المنحرفين المبطلين؟ كيف أمهلهم ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر؟ قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: ١٠٢]، ثم ماذا يودع الظالم الشحيح دنياه غير مأسوف عليه ويخلفه في ماله مَن لا يدعو له أو يترحم عليه، ثم يُبدِّد المال شذر مذر، لأنه وصل إليه غنيمة باردة لم يجهده جمعها، ولم يكدح قليلاً ولا كثيراً في الحصول عليها، فتكون المتعة للوارث ويكون الحساب العسير والجزاء على الظالم الشحيح.
فاتقوا الله -عباد الله-، واذكروا على الدوام قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: ١٨٨]، بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الغفور الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قابلُ التوب، العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم النبيين وأفضل المرسلين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله: جاء في آخر خطبة خطبها الخليفة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- قوله: "إنكم لم تخلقوا عبثًا، ولن تُتركوا سدًى، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر مَن خرج مِن رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحُرم جنة عرضها السماوات والأرض، فاتقوا الله -عباد الله- قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما عندي، ولكن أستغفر الله وأتوب إليه".
ثم رفع رداءه وبكى حتى شهق فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات -رحمه الله ورضي عنه-، ذلكم -يا عباد الله- هم العارفون بالله، يتَّهمون أنفسهم بالقصور والذنوب، وهم الصالحون الراشدون، والبررة المتقون، فعلى نهجهم فليعمل العاملون، وفي طريقهم فليتنافس المتنافسون.
وصلوا على نبينا محمد امتثالاً لأمر ربنا؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم