التحذير من المعاصي والحث على التوبة

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-07-18 - 1447/01/23 2025-09-01 - 1447/03/09
عناصر الخطبة
1/خطورة الذنوب 2/عواقب المعاصي وآثارها 3/من عقوبات الذنوب والمعاصي 4/شتان بين أهل الطاعة وأهل العصيان

اقتباس

إن المعاصي لا تحل في ديار إلا وأهلكتها، ولا في قلوب إلا وأعمتها، ولا في أجساد إلا وعذَّبتها، ولا في أُمَّة إلا وأذلّتها، ولو لم يكن من المعاصي إلا أنها سبَبٌ لهوانِ العبد، على الله وسقوطه من عينه لكفى، فإذا هان العبد على مولاه لم يكرمه أحد..

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة، لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأستهديه، وأعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك العظيم العزيز الغفور، الحكم العدل، فلا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله، نبيٌ أرسله الله شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، بالطاعة والامتثال في حال السر والإعلان، واحذروا -رحمكم الله- من المعاصي، فإنها تَضُرّ في الحال والمآل، فهي تُميت القلوب وتورث الذل، والضعف والهوان، وتجلب الهموم والأحزان، وتُسبّب الغضب والعقوبة من الرحمن، فما أكثر ما وقع بسببها من بلاء وخسران.

 

 تذكر -أيها المسلم- ما قصَّ الله في كتابه من أخبار الأمم، وما جرى لها بسبب الذنوب والمعاصي، تذكرها وتأمل ما فيها واعتبر.

 

تذكر: ما الذي أخرج الأبوين من الجنة؟ دار اللذة والسرور، إلى دار الآلام والأحزان، وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء؟ وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فبدّله بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً وبالجنة ناراً تلظى.

 

 وما الذي أغرق أهل الأرض كلَّهم في عهد نوح، حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي سلّط الريح على قوم عاد، حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية؟

 

وما الذي أرسل الصيحة الشديدة على قوم ثمود، حتى كانوا كهشيم المحتظر؟ وما الذي قلب قرى قوم لوطٍ على أهلها، وأمطر عليهم الحجارة؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب، كالظلل فوق رؤوسهم تُمْطِر نَاراً تلظّى؟

 

وما الذي سلط على بني إسرائيل حين أفسدت في الأرض وعلت وتكبرت؟ لقد عاقب الله بني إسرائيل بأنواع من العقوبات، مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملك، وثالثة بمسخهم قردة وخنازير، ثم إنه -تعالى- توعدهم بالعقوبة الدائمة إلى يوم القيامة؛ قال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[الأعراف: ١٦٧]، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيرها (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ)؛ أي: على اليهود إلى يوم القيامة (مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)؛ أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر الله وشرعه، واحتيالهم على المحارم".

 

فهكذا -يا عباد الله- وقع العذاب والهلاك على كثير من الأمم، ولا يزال يقع بسبب كفرهم وعصيانهم، وعنادهم وتكبرهم عن طاعة الله، وطاعة رسله -عليهم الصلاة والسلام-، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

 

أيها المسلمون: إن المعاصي لا تحل في ديار إلا وأهلكتها، ولا في قلوب إلا وأعمتها، ولا في أجساد إلا وعذَّبتها، ولا في أُمَّة إلا وأذلّتها، ولو لم يكن من المعاصي إلا أنها سبَبٌ لهوانِ العبد، على الله وسقوطه من عينه لكفى، فإذا هان العبد على مولاه لم يكرمه أحد؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)[الحج: ١٨].

 

فاتقوا الله -عباد الله-، وتوبوا إليه وأنيبوا، واعلموا -رحمكم الله-، أن الحياة الشريفة: حياة القلب والروح، ولا حياة للقلب والروح إلا بمعرفة فاطر السماوات والأرض ومحبتِهِ، وذكرهِ وعبادتِهِ وحده والإنابة إليه، والطمأنينة بطاعته والإنسِ بقربه، فمن فقد هذه الحياة فقد فَقَدَ الخير كلَّه.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: ٢٤ – ٢٥] ،بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأستهديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وأنيبوا إليه، فقد وعد -تعالى- بقبول التوبة ممن يتوبُ إليه، والعفوِ عن سيئاته، وأخبر أنه يعلم أفعالنا، فلا تخفى عليه خافية، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون)[الشورى: ٢٥]، وعن أبي موسى -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله -عز وجل- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها"، فما أعظمه من كرم يعرضه المولى علينا، وما أشدَّهُ من حرمان لمن فاته ذلك!

 

معشر المسلمين: تذكروا دائماً العفو والغفران، والمحبة والإحسان، والثواب العظيم للتَّوَّابين والمحسنين والمطيعين، وما قابل ذلك من الغضب والحرمان والعقوبة والخسران، لمن أصر على الكفر والعناد، واتباع الهوى والشيطان، والكره لطاعة رب العباد، تذكروا ذلك رحمكم الله، لتحفزوا الهمة على الطاعة والانقياد، والتوبة والذلِّ بين يَديْ أرحمِ الراحمين وأكرم الأكرمين.

 

 إن الفرق كبير بين مَن يسلم مِن النار ويدخل الجنة، ومَن يُحرم مِن الجنة ويدخل النار، ومن يُنعَّم بأحسن الملذات، ومن يُعاقب بأعظم العقوبات.

 

 إن الفرق كبير بين مَن هو في روح وريحان وجنة نعيم، ومَن هو في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم.

 

 إن الفرق كبير بين مَن يُحْشَر مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ومَن يحشر مع فرعون وهامان وقارون.

 

 اللهم اشرح صدرونا للإسلام، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وإخواننا المسلمين، الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

التحذير من المعاصي والحث على التوبة.doc

التحذير من المعاصي والحث على التوبة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات