التحذير من المعاصي

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-05-23 - 1446/11/25 2025-09-01 - 1447/03/09
عناصر الخطبة
1/خطورة الذنوب 2/عواقب المعاصي وآثارها 3/من عقوبات الذنوب والمعاصي 4/معالجة آثار الذنوب والمعاصي.

اقتباس

ألا تسمع هذا وترى وتعتبر بحروب طاحنة، نيرانها تشتعل في عدد من الدول، بالأسلحة الفتاكة، والانفجارات المروعة، والقذائف المدمرة، وفي ضمن ذلك الأموال تُنهَب، والسكان يُعذبون ويقتلون ويشردون، ويصيرون عالة على غيرهم، كل ذلك بسبب الإعراض عن دين الله ومخالفة أمره...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله رب العالمين الملك العظيم، الذي وعد من أطاعه أجرًا عظيمًا، وتوعَّد من عصاه عذابًا أليمًا، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو الإله الحق والمعبود الحق، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بفعل أوامره واجتناب نواهيه، واعلموا -رحمكم الله- أن للطاعات آثارًا حميدة، وعواقب سعيدة، قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[سورة النحل: 97].

 

وأخبر -تعالى- أن للمعاصي آثارًا سيئة وعواقب شنيعة، فقال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[سورة الروم:41]، فهذه حالهم وهم يؤدبون على بعض كسبهم في هذه الحياة، فكيف إذا كانوا يجازون على جميعه في الآخرة، وقال -تعالى- (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[سورة الأعراف:130]، وفي الحديث: "وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، وما بخس قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بشدة المؤونة وجور السلطان".

 

 فلا شك أن المعاصي تُسبِّب قِصَر الأعمار، وانحباس الأمطار، وخراب الديار، وغور الآبار، وأن الفاجر إذا مات يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب، ويظهر هذا جليًّا في التأمل في أسباب عقوبات الله لبني آدم، قديمًا وحديثًا فيما حكى الله عنهم في كتابه وفيما أخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

فتأمل -أخي المسلم- في ذلك واعتبر، فما سبب إغراق قوم نوح بالطوفان، وما سبب إغراق فرعون وجنوده في البحر، وما سبب تسليط الريح العقيم على عاد، وما سبب إرسال الصيحة على ثمود، وما سبب إمطار الحجارة على قوم لوط، وقلب الديار عليهم، وما سبب الخسف بقارون، وما سبب عقوبة قوم شعيب، أليس ذلك بسبب الذنوب والمعاصي التي منها مخالفة ما جاء به الأنبياء والمرسلون.

 

 ألا تذكر يا عبد الله قوله -تعالى-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[سورة العنكبوت:40]، وقال -تعالى-: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)[سورة المائدة:49]، وقال -تعالى- (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)[سورة المرسلات:16-19].

 

 فما أعظمها من عقوبات عاجلة حلّت بالأمم الماضية! وما أعظم ما يقع في هذه الأزمنة من فواجع وعقوبات وابتلاءات، فهل مِن تائب إلى ربه، ومدرك وملازم للاستقامة، ألا تسمع هذا وترى وتعتبر بحروب طاحنة، نيرانها تشتعل في عدد من الدول، بالأسلحة الفتاكة، والانفجارات المروعة، والقذائف المدمرة، وفي ضمن ذلك الأموال تُنهَب، والسكان يُعذبون ويقتلون ويشردون، ويصيرون عالة على غيرهم، كل ذلك بسبب الإعراض عن دين الله ومخالفة أمره.

 

 ولا يخفى أيضًا أن من عقوبات الله العاجلة: ما يحصل من زلازل وفيضانات وأعاصير وأمراض فتاكة، وحوادث مروعة، برية وبحرية وجوية. ومن أعظم عقوبات الله العاجلة أيضًا: ظهور الظلمة في بعض الدول، فيكونوا جبابرة على الشعوب، وكذلك تكون الأحزاب المتعارضة، كما أخبر -تعالى- عن ذلك بقوله: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)[سورة الأنعام:65]، وقال -تعالى-: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ)[سورة النساء:90].

 

ومما أخبر عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما سيكون، ما روى الدارمي والطيالسي عن أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله بدأ هذا الأمر بنبُوّة ورحمة، وكائن خلافة ورحمة، وكائن ملكًا عضوضًا، وكائن عتوًّا وجبرية وفسادًا في الأمة، يستحلون الفروج والخمور والحرير، ويرزقون مع ذلك وينصرون حتى يلقوا الله".

 

فاتقوا الله -عباد الله- وتوبوا إلى ربكم، واستقيموا على شريعة نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، واحذروا غاية الحذر من مُوجبات سخط الله علينا، فنحن الآن في زمن كثرت فيه الفتن وتنوعت، وقل فيه الوازع الديني، وقل التعاون عليه، وزاد الميل إلى الراحة والرفاهية، وكثرت الغفلة عن الدار الآخرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[سورة الأعراف:179]، بارك الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

 

 وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي مع فضله وشرفه وحسن عمله وغفران ذنوبه فقد كان يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بالتوبة الصادقة وحسن الإنابة إليه، رغبة فيما عنده وخوفًا من أليم عقابه، واعلموا -رحمكم الله- أن فعلكم ذلك من أهم ما تُعالَج به المعاصي والذنوب، ومما تُعالَج به أيضًا بالإيمان الصحيح، وبالعمل الصالح، وحسن الاستقامة، قال -تعالى- (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[سورة طه:82]، وقال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[سورة هود:114]، وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[سورة الأنفال:33].

 

وفي الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم".

 

 ومما تُعالج به الذنوب أيضًا بالصدقة فإنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا النار ولو بشق تمرة".

 

وحين يقترف الإنسان الذنب على جهالة فعليه أن يبادر بالتوبة إلى ربه، ولا يؤجل ذلك؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)[سورة النساء:17-18].

 

 ولا يخفى عليكم أيضًا أن المعصية إذا خفيت لم تَضُرّ إلا صاحبها، وأنها إذا ظهرت عمت، ولذلك شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشرع تأديب العصاة المصرين على معاصيهم، فلا يُتْرَكُون يُخَرِّبون سفينة الحياة ويؤثمون غيرهم.

 

اللهم اهدِ ضال المسلمين وتب على التائبين، وارزقنا حسن الاستقامة على طاعتك، واجعل من خير أيامنا يوم لقائك، اللهم اجعلنا ممن يلاقيك وانت راض عنه، ولا تجعلنا ممن يلاقيك وانت ساخط عليه، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

 (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

التحذير من المعاصي.doc

التحذير من المعاصي.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات