الترغيب في المال الحلال والترهيب من الحرام

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-08-15 - 1447/02/21 2025-10-23 - 1447/05/01
عناصر الخطبة
1/وجوب الحرص على اكتساب المال الحلال 2/شؤم المال الحرام 3/النهي عن أكل المال بالباطل 4/عقوبات أكل المال الحرام في الدنيا والآخرة.

اقتباس

الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فمتى كان الأكل حلالاً فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً؟ ....

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله مُوفِّق مَن شاء مِن عباده لكسب الحلال، ومُعِينه بالقيام بصالح الأعمال، أحمده -سبحانه- حَمْد عبد عرف مولاه الحق وما مَنَّ به عليه فشكره في كل الأحوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العظمة والجلال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير قدوة لخير مآل، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآل، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- باكتساب المال الحلال؛ لأجل أن يطيب المطعم والمشرب والملبس، ويبارك لكم في الأعمال، في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله -تعالى- أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[سورة المؤمنون: 51]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[سورة البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك!".

 

قال ابن رجب -رحمه الله-: "ومن أعظم ما يحصل به طيبة الأعمال للمؤمن، من طيب مطعمه، وأن يكون من حلال، فبذلك يزكو عمله، وإن في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قبوله".

 

واستنبط -رحمه الله- من هذا الحديث بما فيه من القرآن "أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فمتى كان الأكل حلالاً فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً؟"، وأيده -رحمه الله- بما ضربه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مثال الأشعث، واستبعاد قبول دعائه مع الحرام.

 

 وفي مسند الإمام أحمد -رحمه الله-: عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يكتسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدق به فيتقبل منه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث".

 

 وسئل ابن عباس -رضي الله عنهما-: عمن كان على عمل فكان يظلم ويأخذ الحرام، ثم تاب فهو يحج ويعتق ويتصدق منه، فقال: "إن الخبيث لا يكفر الخبيث"، وكذا قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن الخبيث لا يكفر الخبيث ولكن الطيب يكفر الخبيث"، وعن وهب بن منبه قال: "مَن سرّه أن يستجيب الله دعوته فليطب مطعمه".

 

أيها المسلمون: حيث إن الأمر في المال كما ذكر، فأطيبوا -رحمكم الله- المطعم والمشرب والملبس بالمال الحلال، طاعة لله ولرسوله، ورغبة في قبول الأعمال وبركتها.

 

 بل إنه -تعالى- قد خص المؤمنين بالنهي عن أكل المال بالباطل، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[سورة النساء: 29]، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيرها: "ينهى -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل بأي أنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك، من سائر صنوف الحِيَل، وإن ظهرت في قالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا".

 

أيها المسلمون: إن المتأمل في أعمال الماضين الصالحين وآثارها الطيبة، وفي أعمال السيئين وآثارها عليهم وعلى غيرهم، ثم ينظر في واقع كثير من الناس في هذه الأمة، فلا شك أنه يستوحش ويتألم كثيراً، فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفس محمد بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر ولعب ولهو، فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم واتخاذهم القينات وشربهم الخمر، وأكلهم الربا ولبسهم الحرير".

 

 وروي عن أبي أمامة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يبيت قوم من هذه الأمة على مطعم وشرب ولهو ولعب، فيصبحون وقد ‌ُمُسِخُوا ‌قردة ‌وخنازير، وليصيبنهم خسف وقذف، حتى يصبح الناس، فيقولون: خُسِفَ الليلة بدار فلان، خُسِفَ الليلة ببني فلان، وليرسلن عليهم حجارة من السماء كما أرسلت على قوم لوط، على قبائل فيها، وعلى دور، وليرسلن عليهم الريح العقيم، التي أهلكت عاداً بشربهم الخمر، وأكلهم الربا، واتخاذهم القينات، ولبسهم الحرير".

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)[سورة الأعراف: 96-100].

 

بارك الله لي ولكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل لنبيه (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[سورة القصص: 56].

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير قدوة في الطاعة والامتثال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانت ميادينهم وتدريباتهم في الجهاد في سبيل الله لا في اللهو واللعب، وكسبهم من الحلال لا من الحرام، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بالوقوف عند حدوده، والابتعاد من انتهاك محارمه، فإنه -تعالى- يغار على انتهاك حرماته بالعقوبة العاجلة في الدنيا بما فيها من خزي وعار، وبالعقوبة في الآخرة، وهي أشد عقوبة وأعظم فضيحة.

 

 ومن ضمن عقوبات الدنيا: طمس القلوب عن الهدى، ووقوع الخسف، وتسليط الأعداء، وعدم استجابة الدعاء.

 

 ومن أول عقوبات الناس في الآخرة: أن بعضهم لا يقوم للبعث والجزاء إلا كالذي يتخبطه الشيطان من المس، وبعضهم يسود وجهه، ومنهم من يحشر على وجهه ويتقي به الحدب والشوك، عكس ما للمؤمنين من البياض والنجائب.

 

ومانعو الزكاة تُصفَّح أموالهم صفائح من نار فتكوى بها جباهم وجنوبهم وظهورهم، ويقال لهم: (هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[سورة التوبة: 35].

 

ومن عقوبات الآخرة: حرمان الماء والرزق؛ لأنهم اتخذوا دينهم لهواً ولعباً، وغرتهم الحياة الدنيا.

 

 اللهم إنا نعوذ بك من الأشر والبطر، ونعوذ بك من انتهاك حرماتك، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، ومن العمل ما تحب ترضى.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

الترغيب في المال الحلال والترهيب من الحرام.doc

الترغيب في المال الحلال والترهيب من الحرام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات