الفرار إلى الله .. فوز ونجاة

عبدالله الجهني

2025-09-19 - 1447/03/27 2025-09-20 - 1447/03/28
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/المهمة العظيمة للرسل عليهم السلام 2/مشاهد من يوم القيامة تدعو للتقوى والخشية 3/الوصية بتقوى الله وعبادته على علم وبصيرة

اقتباس

اتَّقِ اللهَ -أيُّها المسلمُ- عَلِّقْ آمالَكَ باللهِ وحدَهُ، والجأْ إليهِ في جميعِ الأمورِ، واستحضِرْ عظمةَ اللهِ وقدرتَهُ في كلِّ الأحوالِ، اطلبوا منهُ المددَ وقضاءَ الحوائجِ؛ فهو الذي بيدهِ مقاديرُ الأمورِ، وخزائنُ السماواتِ والأرضِ ومفاتيحُ كلِّ شيءٍ، وما سواهُ مِلكٌ للهِ ففِرُّوا إليهِ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ، أحمده وأستعينُهُ وأستغفِرُهِ وأستهدِيهِ، وأُؤمِنُ بهِ ولا أَكْفُرُهُ، وأُعادي مَن يَكْفُرُهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أرسَلَهُ بالهدى ودينِ الحقِّ والنورِ، والموعظةِ على فترةٍ منَ الرُّسُلِ، وقِلَّةٍ مِنَ العلمِ، وضلالةٍ مِنَ النّاسِ، وانقِطاعٍ منَ الزمانِ، ودنوٍّ مِنَ الساعةِ، وقُربٍ منَ الأجلِ، مَن يَطعِ اللهَ ورسولَهُ فقد رَشَدَ، ومَن يعصِ اللهَ ورسولَهُ فقد غَوى وفرَّطَ، وضلَّ ضلالًا بعيدًا.

 

أمَّا بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ الذي لم يَخلُقْكُمْ سُدًى، ولم يَتْرُكْ أمْرَكُمْ مُهمَلًا؛ فقد فازَ مَن أطاعَ ربَّهُ وتبتَّلَ إليهِ تبتيلًا، وأدَّى فرائضَه أداءً جميلًا، وخابَ وخَسِرَ مَنْ أذهبَ زمانَهُ باطلًا، وتركَ عمرَهُ منَ الطاعةِ خليًّا عاطِلًا.

 

أيُّها الناسُ: لَمَّا كانَ الإنسانُ لا بُدَّ لهُ مِنَ الانتقالِ من هذهِ الدنيا إلى الدَّارِ الآخرةِ، أرسَلَ ربُّ العالمينَ -جلَّ شأنُهُ- إلى عبادهِ رسُلًا منهم؛ لتعريفِهم بالدارِ التي سينتقلونَ إليها، وبصفةِ الطريقِ الْمُوصِلِ إليها، ولقد أنزلَ -تبارك وتعالى- على رسُولهِ محمَّدٍ -صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ تسليمًا- كثيرًا وصفًا مُوجَزًا، واضحًا شافيًا كافيًا، لقيامِ الساعةِ وفناءِ العالَمِ كلِّه، ولِمَا بعدَهُ من البعثِ حتى يدخلَ كلُّ إنسانٍ منزلتَهُ، قالَ اللهُ -تعالى- وهو أصدقُ القائلين، أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الزُّمَرِ: 68-75].

 

فتأمَّلْ -يا أخي المُسلِمَ- هذه الآياتِ من آخرِ سورةِ الزُّمرِ، وتعرَّفْ على ما دلَّت عليهِ، وتفَكَّرْ في عظمةِ اللهِ وكمالِ قُدرتِه، حتى تَتَيَقَّنَ بأنَّهُ واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمَدٌ، لم يَلِد ولم يُولَد، ولم يكن لهُ كفُوًا أحدٌ، حيٌّ قيُّومٌ ليس لهُ شريكٌ ولا مُعِينٌ ولا وزيرٌ؛ بل جميعُ الخَلْقِ في قبضتِه وتحتَ قهرِه، يراهم ويَسمعُ كلامَهم، ويعلَمُ سرَّهم ونَجْواهم؛ فلا يجوزُ لكَ -أيُّها المسلمُ- أن تجعلَ لك واسطةً بينَك وبينَ ربِّك -تبارَكَ وتعالَى-؛ فإنَّه قريبٌ إليكَ، أقربُ إليكَ من حبلِ الوريدِ، وهو -سبحانه- بائنٌ من خلقِه، مستوٍّ على عرشِه؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11].

 

فاتَّقِ اللهَ -أيُّها المسلمُ- عَلِّقْ آمالَكَ باللهِ وحدَهُ، والجأْ إليهِ في جميعِ الأمورِ، واستحضِرْ عظمةَ اللهِ وقدرتَهُ في كلِّ الأحوالِ، اطلبوا منهُ المددَ وقضاءَ الحوائجِ؛ فهو الذي بيدهِ مقاديرُ الأمورِ، وخزائنُ السماواتِ والأرضِ ومفاتيحُ كلِّ شيءٍ، وما سواهُ مِلكٌ للهِ ففِرُّوا إليهِ، لا يملِكون لأنفسِهم ضرًّا ولا نفعًا إلا ما شاءَ اللهُ، و(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فَاطِرٍ: 2].

 

واسألوا اللهَ الهدايةَ والتوفيقَ، فلا يملِكُهما أحدٌ سواهُ، اللهمَّ ألهمْنا رشْدَنا، وقِنا شرورَ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، اللهمَّ إنَّا نَسألُك شفاعةَ نبيِّك محمَّدٍ -صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلَّمَ تسليمًا- كثيرًا، فشفِّعْهُ فينا، اللهمَّ بارِكْ لَنا في القرآنِ العظيمِ، وانفَعْنا بما فيهِ منَ الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ.

 

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ، فاستغفِرُوهُ، إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على آلائه ونِعَمِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِه وأصحابِه ومَنْ تبِعَهُم بإحسانٍ.

 

أمَّا بعدُ: فإنَّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ نبيِّنا محمَّدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكلَّ مُحدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكلَّ بدْعَةٍ ضلالَةٌ، وكلَّ ضلالَةٍ في النارِ.

 

عبادَ اللهِ: تحصَّنُوا بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّهِ -عليهِ الصلاةُ والسلامُ-، من مُحدَثاتِ الأمورِ، واعبُدُوا اللهَ على علمٍ وبصيرةٍ، واتَّقُوا اللهَ وراقِبُوهُ؛ فإنَّهُ يَراكم ويَسمَعُكم، فاجعلوا هَوَاكُم تبعًا لِمَا جاءَ بهِ رسولُهُ -عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأتم التسليم-، وأكثِرُوا من قولِ: "لا إلهَ إلَّا اللهُ"؛ فإنَّها مِفتاحُ الجنَّةِ، وحقِّقوا معناها، وصلُّوا وسلِّموا على نبيِّنا الكريمِ، فقد أمَرَكم ربُّكم تبارَكَ و-تعالَى- بقولهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وهي من حقِّه على أمَّتِه، وبها تَنشَرحُ صدورُكم، وتُكفَوْنَ همومكم، وتُقضى حوائِجُكم، وتُغفَرُ ذنوبُكم، وتستَحقُّونَ شفاعتهُ لكم.

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِمْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمَّدٍ صاحبِ المقامِ المحمودِ، والحَوضِ المورودِ، وارْضَ اللهمَّ عَنِ الأربعةِ الخلفاءِ، الأئمَّةِ الحنفاءِ؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن بقيةِ الصحابةِ أجمعينَ، وعن التابعينَ ومَنْ تبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، اللهمَّ ارضَ عنَّا معهم يا أرحمَ الرّاحمينَ.

 

اللهمَّ أعزِّ الإسلامَ والمسلمينَ، واجمَعْ كلمةَ المسلمينَ على الحقِّ، ودمِّرْ أعداءَ الدينِ، واحمِ حوزةَ الإسلامِ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ أَدِمِ الأمنَ والاستقرارَ في أوطانِنا، واحفَظْ إمامَنا خادِمَ الحرمينِ الشريفينَ، ووليَّ عهدهِ الأمينَ، ووَفِّقهما لِمَا تُحبُّ وتَرضى من الأقوالِ والأفعالِ، ولِمَا فيهِ صلاحُ البلادِ والعبادِ، اللهمَّ أيِّدْهما بالإسلامِ، وانصُرْ بهما المسلمينَ، اللهمَّ واحفَظْ جميعَ وُلَاتِ أمورِ المسلمينَ، ووفِّقْهم للعملِ بكتابِك وبسُنَّةِ نبيِّك محمَّدٍ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تسليمًا-.

 

اللهمَّ أنجِ المُستضعفينَ منَ المسلمينَ في فلسطينَ، اللهمَّ إنَّا نَسألُك فرحةً تَغمُرُ قلوبَنا بتحريرِ المسجدِ الأقصى مِن أيديِ الصهاينةِ الغاصِبينَ.

 

اللهمَّ ادفَعْ عنَّا الغلا والوبا والرِّبا والزِّنا والزلازلَ والمِحَنَ وسوءَ الفِتَنِ، ما ظهَر منها وما بطنَ، عن بلادِنا هذهَ، وعن سائرِ بلادِ المسلمينَ.

 

اللهمَّ اغفِرْ لجميعِ المسلمينَ، الذين شهدوا لكَ بالوحدانيَّةِ، ولنبيِّكَ بالرسالةِ، وماتوا على ذلك.

 

اللهمَّ فرِّجْ هَمَّ المهمومينَ، ونفِّسْ كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عنِ المدينينَ، واشفِ مرضى المسلمينَ.

 

اللهمَّ اسقِنَا الغيثَ والرحمةَ، ولا تجعلنا منَ القانِطينَ، اللهمَّ إنَّا نستغفِرُك إنَّك كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السَّماءَ علينا مدرارًا، اللهمَّ إنَّا خلقٌ مِنْ خَلقِك فلا تمنَعْ عنَّا بذُنوبِنا فضلَكَ، اللهمَّ ارحَم عبادَك وبلادَك وبهائمَك، وانشُر رحمتَك، وأحيِ بلدَك الميتَ، إنَّكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

 

(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

المرفقات

الفرار إلى الله .. فوز ونجاة.doc

الفرار إلى الله .. فوز ونجاة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات