عناصر الخطبة
1/التحذير من التعدي على المال العام 2/تحريم الغلول وبيان شدة عقوباته 3/خطورة الفساد في الإدارة 4/التحذير من الرشوة ولعن المشاركين فيها.اقتباس
من أعظم الفساد في الأموال والفساد في الإدارة: الرشوة؛ التي ما دخلت بلدًا إلا وأفسدت عليهم عيشهم، وأبطأت عليهم أرزاقهم، واستحقوا بها لعائن الله -جَلَّ وَعَلا-، فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لعن بلعنة الله في الرشوة ثلاثة....
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، عباد الله: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى؛ فإن أجسادكم على النار لا تقوى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: ثبت في الصحيحين من حديث أبي حُميدٍ الساعدي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: بعث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- رجلاً على الصدقات يُقال له ابن اللتبية فأتى بالصدقات إليه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، ثم دفعها إليه وقال: هذا لكم وهذا أُهدي لي، فقام -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-، فحمد الله -عَزَّ وَجَلَّ- وأثنى عليه ثم قال: "ما بال الرجل نبعثه في الأمر، ثم يأتينا به فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي لي، هلا جلس في بيت أبيه وأمه ثم نظر أيُهدى إليه أم لا".
ثم قال عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام: "ألا من وليَ أمرًا ثم أخذ منه ما أخذ فيقدمن يوم القيامة على الله -جَلَّ وَعَلا- يحمله على ظهره، إن كان بعيرًا فله رغاء، وإن كان غنمًا فلها يعار، وإن كان بقرٌ فله خوار".
حديثٌ جليلٌ -أيها المؤمنون- ينبهنا على عظيم مسألةٍ من مسائل المال؛ وهو مال بيت المال ومال الدولة، فلا يستحله مستحلٌ بأن هذا له وبأنه أخذه، وأعظم من ذلك -والعياذ بالله- الغلول؛ وهو أن يأخذ من بيت المال أو من مصاريف الدولة ما لا يحق له ذلك، ولو كان بمحاباة أقاربه أو ضباطه أو رؤسائه أو أصحابه أو معاشره؛ (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[آل عمران: 161].
وفي مرجع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- من خيبر بعدما فتحها الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليه وعلى المؤمنين كان في الطريق أنه مات أحد مواليه -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-، فسُئل عنه قال: "إن الشملة التي غلها"؛ أي أخذ شملةً وهي شيءٌ لا يؤبه له، "إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه في قبره نارًا".
ألا فاتقوا الله، -عباد الله-، واحذروا سرقة المال العام، سواءٌ كان مباشرةً أو بحيلة أو بمحاباة أحد؛ فإنها وإن خفيت عن عين الرقيب فإنها لا تخفى على الله -جَلَّ وَعَلا-، وجميع المسلمين هم خصومٌ لك يوم القيامة بما غللته وأخذته من بيت مالهم من غير وجه حق.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.
أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله -جَلَّ وَعَلا-، اتقوه بتعظيم أمره ونهيه، بتعظيم أوامره وفرائضه بالمبادرة إليها، وتعظيم نواهيه ومساخطه بمجانبتها والابتعاد عنها.
واعلموا -عباد الله- أن من أعظم الفساد في الأموال والفساد في الإدارة: الرشوة؛ التي ما دخلت بلدًا إلا وأفسدت عليهم عيشهم، وأبطأت عليهم أرزاقهم، واستحقوا بها لعائن الله -جَلَّ وَعَلا-، فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لعن بلعنة الله في الرشوة ثلاثة.
فجاء في الصحيحين عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "لعن الله الراشي، ولعن الله المرتشي، ولعن الله الرائش"؛ والرائش: الساعي بينهم بهذه الرشوة، فالراشي ملعون لأنه يدفع هذا المال ليحصِّل ما لا يحق له، والمرتشي ملعون لأنه لا يمشي معاملات الناس ولا يقضي لوازمهم وأماناتهم التي استودعها عليه ولي الأمر إلا بدفع مال، والرائش هو الواسطة والسمسار بينهما.
فنعوذ بالله من غضبه وموجبات عقوبته، ونعوذ بالله من أسباب سخطه ولعائنه.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم رحمةً ترحم بها حالنا، وترحم بها شيوخنا، وترحم بها بهائمنا.
اللهم إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، اللهم فارحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الركع والبهائم الرتع، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللاً.
اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب، اللهم أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك، يا ذا الجلال والإكرام، لبلدنا هذا خاصة، ولبلاد المسلمين عامةً، يا رب العالمين.
اللهم عزًا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الشرك والكفر وأهله، يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته ومستشاريه إلى البر والتقوى، اللهم اجعلنا وإياهم هداةً مهديين ممن يقولون بالحق وبه يعدلون.
اللهم من ضارنا أو ضار المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، يا خير الماكرين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، في بلاد الشام، وفي كل مكانٍ، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كن لهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم أفرغ عليهم الصبر إفراغًا.
اللهم إن هؤلاء تتابعوا عليهم، اللهم ولا ناجي لهم ولا منجي ولا حسب إلا أنت، أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم كن لجنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم سدد رأيهم ورميهم، وأعذنا وإياهم من عدوك وعدونا يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم