عناصر الخطبة
1/الفيصل بين المؤمنين والمنافقين 2/بيان القرآن لحقيقة المنافقين ومخططاتهم 3/خطورة شرك المقاصد والقلوب والنيات 4/خوف الصالحين من النفاق وخصاله 5/من أبرز علامات المنافقين.اقتباس
من صفات المنافقين التي نضحت بها قلوبهم ونفثت بها سموم ألسنتهم وكتاباتهم: حبّهم وفَرَحهم بهزيمة الإسلام والمسلمين، واعتزازهم بالكفر والكافرين، يفرحون بمعصية الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ويعظّمون نواهيه بالمبادرة إليها والمسارعة إليها، ويغمطون عباد الله وأولياءه بالحط منهم سخريةً واستهزاءً أحيانًا، وسبًّا وذمًّا أحيانًا أخرى....
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الإيمان فيصلاً بين أعدائه وأوليائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إعظامًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله ذلكم الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم رضوانه.
أما بعد؛ عباد الله: فأوصيكم ونفسي بوصية الله للأولين والآخرين؛ أن اتقوا الله -جَلَّ وَعَلا-؛ (وَلَقَدْ وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[لنساء: 131]؛ تقوى الله هي تعظيمه -سبحانه- في قلوبكم، وتعظيمه في أقوالكم وأعمالكم بامتثال أوامره، والانتهاء عن نواهيه، ومخافته ورجائه -جَلَّ وَعَلا-.
عباد الله: جعل الله -عَزَّ وَجَلَّ- الإيمان فيصلاً بين المؤمنين وبين المنافقين، والمنافقون وُجدوا على عهد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فأضمروا بُغْض الدين وأهله وبُغْض الرسول وشرعته، وأظهروا متابعته وموافقته، ولا يزال شأن النفاق يزداد ويعظم إلى أن يقضي الله أمره بزوال هذه الدنيا وانتهائها.
والمنافقون –يا عباد الله- فضحهم الله -جَلَّ وَعَلا- في سور القرآن؛ فثمة سور سُميت باسمهم كسورة المنافقون، وثمة سورة هي الفاضحة لشأنهم ومخططاتهم والفاضحة لما أكنّته صدورهم وقلوبهم وهي سورة براءة، وبين يدي ذلك آياتٌ متناثراتٌ في سورة البقرة وفي سورة النساء، وفي غيرها، يحذرنا -جَلَّ وَعَلا- من النفاق وطرائقه.
وأعظم الشرك -يا عباد الله- شرك المقاصد والقلوب والنيات، وهذا الذي دارت عليه رحى النفاق والمنافقين، دارت عليه رحى النفاق والمنافقين كما قال -جَلَّ وَعَلا- فاضحًا لهم في أواخر سورة النساء: (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً)[النساء: 142]، لما توعدهم بقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)[النساء: 145].
فاحذروا -عباد الله- النفاق حذرًا عظيمًا بليغًا، واجعلوه بين عيونكم، لتحذروه وتتقوه، فهؤلاء كُمَّل المؤمنين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- من صحابة خير المرسلين -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- كانوا يخشون على أنفسهم النفاق، ليس النفاق العملي وإنما النفاق الأكبر الاعتقادي.
وهذا أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرضاه- يخشى على نفسه النفاق، فيلح على حذيفة بن اليمان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- صاحب سر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أن يُعْلِمه: "أأنا يا حذيفة ممن سَمَّاني لك رسول الله؟"، فأبى حذيفة أن يجيبه، فقال له عمر: نشدتك بالله، أأنا ممن سماني لك رسول الله؟ فقال حذيفة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "لا يا أمير المؤمنين، ولا أخبر بهذا أحدًا بعدك"؛ فإذا خشي عمر على نفسه النفاق فمن يأمنه منا بعد ذلك يا عباد الله؟ من يأمنه منا.
والأمر إنما يحتاج إلى أمرين عظيمين:
الأمر الأول: أن تعمر قلبك بمخافة الله وتوحيده، فإن المنافقين يراؤون الناس بأقوالهم وأعمالهم.
والأمر الثاني –يا رعاكم الله-: أن تحذر النفاق وتتقيه، وتهرب منه وتتجنبه، كهروبك من الذئب وهروبك من الأسد، وهروبك من الأمراض الفتاكة.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كما أمر، أحمده -سبحانه- وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا بربوبيته وإيمانًا بألوهيته وأسمائه وصفاته مراغمًا بذلك من عاند به أو جحد وكفر، وأصلي وأسلم على سيد البشر الشافع المشفع في المحشر نبينا محمد صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.
أما بعد؛ عباد الله: إن الله -جَلَّ وَعَلا- لما فضح المنافقين فضحهم بصفاتهم وأعمالهم أكثر مما فضحهم بأعيانهم وأسمائهم، وإن صفات النفاق -يا عباد الله- صفاتٍ كثيرة يضيق هذا المقام عن تعداد بعضها، وألفت انتباهكم الكريم إلى ثلاث علامات.
فمنها –يا عباد الله- أن المنافقين أهل رياء يراؤون الناس بأقوالهم وأعمالهم، لينالوا منهم منحةً، أو ينالوا منهم عدم مذمةٍ ومنقصة، فمن راءى فإنما هو شابهٌ للمنافقين إن لم يكن منهم، عياذًا برب العالمين.
والعلامة الثانية -يا عباد الله- في صفاتهم في صلاتين عظيمتين يُفقَد فيهما المنافق؛ وهما صلاة العشاء وصلاة الفجر، وكانتا في ليل فالعشاء في إقبال عتمة الليل، والفجر في غلس الفجر وفي آخر الليل وسحره، يقول -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها من الأجر لأتوهما ولو حبوًا".
الصفة الثالثة والتي نضحت بها قلوبهم ونفثت بها سموم ألسنتهم وكتاباتهم حبهم وفرحهم بهزيمة الإسلام والمسلمين، واعتزازهم بالكفر والكافرين، ولا سيما إذا تقابلوا مع المؤمنين في شتى المحافل، يفرحون بمعصية الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ويعظمون نواهيه بالمبادرة إليها والمسارعة إليها، ويغمطون عباد الله وأولياءه بالحط منهم سخريةً واستهزاءً أحيانًا، وسبًّا وذمًّا أحيانًا أخرى.
وهذا لا يضر واللهِ أهل الإيمان، إنما يفضح هؤلاء المنافقين أيما فضيحة؛ (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)[التوبة: 64- 65].
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم أرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم رحمةً ترحم بها حالنا، وترحم بها شيوخنا، وترحم بها بهائمنا.
اللهم إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، اللهم فارحمنا برحمتك الواسعة، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الركع والبهائم الرتع، اللهم أغثنا، اللهم غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سحًا طبقًا مجللاً.
اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب، اللهم أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك، يا ذا الجلال والإكرام، لبلدنا هذا خاصة، ولبلاد المسلمين عامةً، يا رب العالمين.
اللهم عزًا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الشرك والكفر وأهله، يا قوي يا عزيز، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته ومستشاريه إلى البر والتقوى، اللهم اجعلنا وإياهم هداةً مهديين ممن يقولون بالحق وبه يعدلون.
اللهم من ضارنا أو ضار المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، يا خير الماكرين، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، في بلاد الشام، وفي كل مكانٍ، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كن لهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم أفرغ عليهم الصبر إفراغًا.
اللهم إن هؤلاء تتابعوا عليهم، اللهم ولا ناجي لهم ولا منجي ولا حسب إلا أنت، أنت حسبنا ونعم الوكيل، اللهم كن لجنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم سدد رأيهم ورميهم، وأعذنا وإياهم من عدوك وعدونا يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.
عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم