عناصر الخطبة
1/أرسل نبينا ليبدد ظلام الجاهلية 2/من الأمور التي خالف فيها النبي أهل الجاهلية 3/الحث على لزوم السنةاقتباس
من أمور الجاهلية: نصرة الإنسان لقبيلته وقريبه، ولو كان قريبه هو الظالم، فتجد أنه يعين أقاربه على ظلمهم ويتستر عليهم، ويقول: "أبناء عمي"، وتجد كثيراً من الناس إذا لم يساعدهم قريبهم في ظلمهم قالوا: "هذا ما فيه خير لبني عمه وقبيلته...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعين به، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[الصف: 9]، أما بعد:
عباد الله: من أعظم نعم الله -سبحانه وتعالى- أن أرسل إليهم الرسل؛ ليخرجوا العباد من الظلمات إلى النور بإذن الله -سبحانه وتعالى-، وكان آخر هؤلاء الرسل محمد -صلى الله عليه وسلم-، أرسله الله -سبحانه وتعالى- على فترة من الرسل بعد ما انتشر الجهل والضلال وحرفت الشرائع، قال -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آل عمران: 164].
ولقد خالف النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل الجاهلية في أمور كثيرة من الاعتقادات والعبادات والعادات، فالواجب على المسلم التمسك بما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وترك ما كان عليه أهل الجاهلية مما خالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه، فمن هذه الأمور:
أولاً: الشرك في عبادة الله -سبحانه وتعالى-، فهذا من أعظم الأمور التي خالف النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها أهل الجاهلية، فأهل الجاهلية كان الشرك منتشرًا عندهم، وتنوعت عباداتهم، فمنهم من يعبد الأحجار، ومنهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الصالحين، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الرسل، ومنهم يعبد الكواكب، فدعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- للتوحيد وحذرهم من الشرك، وقاتلهم عليه؛ حتى لا يعبد إلا الله -سبحانه-، ويكون الدين لله قال -تعالى-: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)[البقرة: 193]، ومن تأمل واقع المسلمين وجد أن الشرك ينتشر في كثير من بلاد المسلمين، شرك في الاعتقادات، وشرك في الأقوال، وشرك في الأفعال -والعياذ بالله-.
ثانياً: من أمور الجاهلية: أنهم يودون الكفر والكافرين، أي: يحبونهم، قال -تعالى-: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)[المائدة: 80]، والواجب موالاة المؤمنين وبغض الكافرين، فكل من لم يدخل دين الإسلام فهو كافر، هذه التسمية الصحيحة، هكذا سماهم الله -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)[النساء: 144]، وقال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[المائدة: 51].
وليس معنى هذا أن نعتدي على أموالهم أو أنفسهم ما دام أنهم ليسوا حربيين، يعني ليس بيننا وبينهم حرب، فنحن نبغضهم من أجل ما هم عليه من الكفر، ومُحادةِ الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، يقول -سبحانه وتعالى-: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[المجادلة: 22].
ثالثاً: من مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل الجاهلية: عدم طاعة ولي الأمر، واعتقادهم أن مخالفة ولي الأمر فضيلة، وأن السمع والطاعة له مهانة ومذلة، وهذا أمر موجود عند بعض الناس، يرون أن الذي يأمر بطاعة ولي الأمر في غير معصية الله أنه مداهن، وأنه من علماء السوء، والذي يتكلم في ولاة الأمر في المجالس وعلى المنابر وفي مواقع الانترنت وفي الصحف أن هذا يقول كلمة الحق، وهذا كله من أمور الجاهلية؛ فهم لا يجمعهم إمام ولا أمير، جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوله، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، يموت وفيه من صفات أهل الجاهلية؛ لأنهم لا يرون طاعة لولي الأمر.
والواجب على المسلم طاعة ولي الأمر في غير معصية الله -سبحانه وتعالى-، وإن وقع منهم ظلم أو وقع منهم تقصير، ويدعى لهم بالصلاح، ويناصحون سراً ولا يشهر بهم في المجالس؛ فإن هذا ليس من النصيحة لهم جاء، في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
ولو تأمل الإنسان واقع المسلمين لوجد الجهل الكبير بهذه النصوص التي فيها خير عظيم، فتجد أنهم إذا أرادوا من ولي أمرهم شيئاً، أو لم يعجبهم شيء؛ خرجوا في مسيرات واحتجاجات، يقودها الجهال وأهل الأهواء ومقلدة الكفار، ويترتب عليها من الشر والخلل بالأمن الشيء الكبير.
رابعاً: من أمور الجاهلية: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري: أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ".
ووصف النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الدعوى بأنها منتنة، أي: كريهة، ففي صحيح البخاري: أن رجلاً من المهاجرين كسع رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ -ومعنى كسعه أي: ضربه بقدمه في مقعدته- فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ -أي: طلب الإعانة من المهاجرين وطلب الآخر الإعانة من الأنصار- فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟!"، أي: ما شأنها، وهذا إنكار من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: "دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ"، أي: كلمة خبيثة قبيحة، وفي صحيح البخاري: أن أبا ذر عير رجلاً بأمه فقال له: "يا ابن السوداء"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعيرته بأمه؟"، فقال: "إنك امرؤُ فيك جاهلية".
فعلينا -عباد الله- أن نحذر من هذه العادات ومن من يدعو إليها، كحال بعض القنوات وبعض الشعراء وبعض المسابقات، التي تثير في النفوس هذه النعرات الجاهلية.
والله -سبحانه- ذكر في كتابه فوائد معرفة النسب، فقال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13]، فالمقصود من معرفة الأنساب التعارف، فيعرف من يرث ومن لا يرث، ويعرف الإنسان أقاربه فيصلهم، وليس المقصود أن يفخر بعضهم على بعض؛ ولذلك قال بعدها: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعين به، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
كذلك خامساً: من أمور الجاهلية: نصرة الإنسان لقبيلته وقريبه، ولو كان قريبه هو الظالم، فتجد أنه يعين أقاربه على ظلمهم ويتستر عليهم، ويقول: "أبناء عمي"، وتجد كثيراً من الناس إذا لم يساعدهم قريبهم في ظلمهم قالوا: "هذا ما فيه خير لبني عمه وقبيلته"، وغير ذلك من الكلمات، وهذا كله من أمور الجاهلية التي خالفها الإسلام؛ ولذلك أمر الله -سبحانه وتعالى- بالتعاون على البر والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، فقال -تعالى-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2]، وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟! قَالَ: "تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ".
سادساً: من أمور الجاهلية التي خالفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها: تقليد الآباء والأجداد فيما هم عليه ولو كان مخالفاً للحق، فبعض الناس إذا قلت له: إن هذا الأمر محرم ولا يجوز، قال: نحن تعودنا على هذا الأمر، وهذه عاداتنا وعادة أبي وجدي، وهذا فيه شبه من أهل الجاهلية، قال -تعالى-: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)[الزخرف: 22]، (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)[الزخرف: 23].
والواجب على المسلم العاقل أن ينظر لما هو عليه، فإن كان يخالف كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يتركه ولو خالف آباءه وأجداده.
سابعاً: من مسائل الجاهلية: النظرة الخاطئة للدنيا والمال، فيظنون أن إعطاءهم الأولاد والأموال دليل على رضا الله -سبحانه وتعالى- عنهم، قال -تعالى-: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)[سبأ: 35]، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[سبأ: 36].
لا يعلمون أن هذا ابتلاء وامتحان من الله -سبحانه وتعالى-؛ ولذلك قال بعدها: (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)[سبأ: 37]، فالمال إذا كان لا يقرب الإنسان إلى الله فهو وبال على صاحبه، ونحن نسمع من بعض الناس يقول: "هنيئاً لفلان أو ما أسعده"؛ لأنه رجل غني، وفلان هذا يأكل الربا ويأكل الحرام، فكيف يغبطه الإنسان على هذا الآثام؟!.
المؤمن الذي ينظر إلى الدنيا نظرة صحيحة، يتمنى أنه مثل فلان الذي عنده أموال أكتسبها من الحلال، ولم تشغله عن طاعة الله، فهو ينفق منها آناء الليل وأطراف النهار.
أسأل الله -تعالى- أن يجنبنا طريقَ أهلِ الجاهلية وأن يوفقنا للزوم السنة، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعلي، وعن الصحابة أجمعين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم