عناصر الخطبة
1/بيان ذم الإسلام للسرقة وعقوبة السارق 2/الحكمة من إقامة الحد على السارق 3/بعض صور السرقة وأسبابها ووسائل الحد منها.اقتباس
هَذَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مَتَى طَبَّقَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَحَافَظُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ حِفْظَ الْأَمْوَالِ، وَاسْتِقْرَارَ الْأَمْنِ وَقُوَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقِرَّ لَهَا قَرَارٌ إِلَّا بِتَنْفِيذِ أَحْكَامِ اللَّهِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفَّذَ هَذَا الْحُكْمَ؛ طَاعَةً...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ:١]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأَحْزَابِ: ٧٠-٧١]؛ أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ جَاءَتْ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي تُرْسِي دَعَائِمَ الْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ، وَتَقْضِي عَلَى الْفَسَادِ، وَتُوَجِّهُ الْمُجْتَمَعَ إِلَى الْجِدِّ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الْمَسَالِكِ الْمُحَرَّمَةِ لِجَلْبِ الرِّزْقِ، وَالطُّرُقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا.
وَمِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ عُقُوبَةً لَهُ، هَذِهِ الْيَدُ الَّتِي لَوْ جُنِيَ عَلَيْهَا لَوَجَبَ فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ، فَإِذَا سَرَقَتْ وَخَانَتْ هَانَتْ وَحُكِمَ بِقَطْعِهَا، حَتَّى يَرَاهَا الْآخَرُونَ فَيَعْتَبِرُوا وَيَتَّعِظُوا وَيَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا مَآلُ السَّارِقِينَ وَجَزَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا أَضْعَافُ ذَلِكَ؛ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الْمَائِدَةِ:٣٨].
هَذَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مَتَى طَبَّقَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَحَافَظُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ حِفْظَ الْأَمْوَالِ، وَاسْتِقْرَارَ الْأَمْنِ وَقُوَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقِرَّ لَهَا قَرَارٌ إِلَّا بِتَنْفِيذِ أَحْكَامِ اللَّهِ.
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفَّذَ هَذَا الْحُكْمَ؛ طَاعَةً لِلَّهِ، وَتَحْكِيمًا لِشَرْعِهِ، وَرَدْعًا لِمَنْ تُسَوِّلُ لَهُ نَفْسُهُ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ؛ فَفِي عَهْدِ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُرِقَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ رِدَاؤُهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ، فَأُتِيَ بِالسَّارِقِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَتْ قِيمَةُ الرِّدَاءِ لَا تُجَاوِزُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَأَمَرَ النَّبِيُّ بِقَطْعِ يَدِ ذَلِكَ السَّارِقِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقْطَعُ يَدَهُ فِي رِدَاءٍ! هُوَ لَهُ؟" قَالَ: "هَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ". فَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِهِ.
وَامْرَأَةٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا تَسْرِقُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَطْعِ يَدِهَا؛ فَهَمَّ قُرَيْشًا أَمْرُهَا، وَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَمَا رَأَوْا إِلَّا أُسَامَةَ حِبَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنَ حِبِّهِ، وَمَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَشْفَعَ لِيُسْقِطَ هَذَا الْحَدَّ حَتَّى لَا تَفْتَضِحَ الْقَبِيلَةُ بِأَنْ قُطِعَتْ يَدُ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِمْ. فَلَمَّا كَلَّمَهُ غَضِبَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُسَامَةَ، وَقَالَ: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!" ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا". ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ يَدُهَا.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: حُدُودُ اللَّهِ عَدْلٌ وَخَيْرٌ، حُدُودُ اللَّهِ مَصْلَحَةٌ لِلْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، حُدُودُ اللَّهِ لَا ظُلْمَ فِيهَا وَلَا جَوْرَ.
كَمَا أَنَّ حُدُودَ اللَّهِ جَامِعَةٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: رَدْعٍ لِلْمُجْرِمِينَ، وَإِيقَافٍ لَهُمْ عِنْدَ حَدِّهِمْ، حَتَّى يَرْتَدِعُوا وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا مَنَاصَ مِنْ تَنْفِيذِ حُدُودِ اللَّهِ؛ فَهَذَا أَدْعَى إِلَى ارْتِدَاعِ الْمُجْرِمِينَ وَإِمْسَاكِهِمْ عَنْ شَرِّهِمْ.
وَثَانِي ذَلِكَ: أَنَّ الْحُدُودَ طُهْرَةٌ لِمَنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ، تُمحِّصُهُ وَتُطَهِّرُهُ مِنْ جَرِيمَتِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: قَدْ يَظُنُّ الْبَعْضُ مِنَ النَّاسِ أَنَّ مَفْهُومَ السَّرِقَةِ مَحْصُورٌ فَقَطْ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ حِرْزِهِ، وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَكَفَى، وَلَكِنَّ مَفْهُومَ السَّرِقَةِ أَعْمَقُ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ؛ فَقَدْ تَفَنَّنَ النَّاسُ فِيهَا، وَاخْتَرَعُوا اخْتِرَاعَاتٍ، حَتَّى صَارَتْ أَنْوَاعًا وَدَرَجَاتٍ بَعْضُهَا أَظْلَمُ وَأَعْقَدُ مِنْ بَعْضٍ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:
مَا تَفْعَلُهُ بَعْضُ دُورِ النَّشْرِ وَالتَّحْقِيقِ الَّتِي لَا ضَمِيرَ لَهَا، وَكَذَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي هَذَا الْمَجَالِ فَمَصَائِبُهُمْ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.
وَمِنْ أَنْوَاعِ السَّرِقَاتِ: ذَلِكَ الْمُدِيرُ الَّذِي يَسْرِقُ جُهُودَ مُوَظَّفِيهِ وَيَنْسِبُهَا إِلَيْهِ، وَكَذَا الَّذِي يَسْرِقُ عَرَقَ عُمَّالِهِ، ذَلِكَ الْعَامِلُ الَّذِي تَحَمَّلَ الْغُرْبَةَ عَنْ أَهْلِهِ وَبَلَدِهِ، وَكَمْ فِي قَلْبِهِ مِنْ لَوْعَةٍ، يَأْتِي إِلَى هَذَا الْبَلَدِ فَيَظُنُّ الْخَيْرَ، وَلَكِنْ يُصَادِفُ بِكَفِيلٍ تَجَرَّدَ عَنِ الرَّحْمَةِ، فَيَسْلُبُهُ رَاتِبَهُ، ثُمَّ يُفَاوِضُهُ عَلَى التَّنَازُلِ مُقَابِلَ نَقْلِ كَفَالَتِهِ، أَلَا خَسِئَتْ مِثْلُ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ.
وَمِنها ما يَكونُ في مَجالِ التِّجارَةِ وَالصِّناعَةِ، وَما يَقَعُ فيها مِن غِشٍّ وَتَزْويرٍ، وَتَحايُلٍ وَخِداعٍ؛ سَواءٌ في الوَزْنِ أَوِ الجَوْدَةِ أَوِ التَّاريخِ، أَوْ ما يَحْصُلُ مِنَ الْمُبالَغَةِ في الثَّناءِ مِن أَجْلِ تَسْويقِ السِّلْعَةِ وَتَرويجِها، كُلُّ ذٰلِكَ مِن أَجْلِ الحُصولِ على مَبيعاتٍ أَكْثَرَ وَأَرباحٍ.
وَإِنْ كانَتْ هٰذِهِ الأَمْثِلَةُ وَغَيْرُها مِن صُوَرِ التَّحايُلِ على أَمْوالِ الغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِمَّا لا يُقامُ على صاحِبِها حَدُّ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ لا بُدَّ مِنْ أَنْ تَتَوَفَّرَ لَهُ شُروطٌ، وتَنْتَفِي مَعَهُ مَوانِعُ، وَلٰكِنْ صاحِبُها آثِمٌ، وَلِلْقَضاءِ وَالْجِهاتِ الْمَسْؤُولَةِ أَنْ تَتَخَيَّرَ في حَقِّهِ مِنَ الْعُقوباتِ ما يَتَناسَبُ مَعَ جِنايَتِهِ، وَيَرْدَعَهُ عَنْ تَحايُلِهِ وَبَغْيِهِ، وَبِما يَصونُ حَقَّ الغَيْرِ وَيَحْفَظُهُ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ؛ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: السَّرِقَةُ دَاءٌ عُضَالٌ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَاتَفَ الْجَمِيعُ لِلْحَدِّ مِنْهَا وَمُعَالَجَةِ أَسْبَابِهَا؛ فَلَيْسَتِ الْمَسْؤُولِيَّةُ مُلْقَاةً عَلَى الْجِهَاتِ الْأَمْنِيَّةِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هِيَ جُزْءٌ مِنَ الْحَلِّ، وَالْمُشْكِلَةُ لَهَا جَوَانِبُهَا الشَّرْعِيَّةُ، وَالِاجْتِمَاعِيَّةُ، وَالِاقْتِصَادِيَّةُ، وَالتَّرْبَوِيَّةُ؛ فَالْمُجْتَمَعُ مَسْؤُولٌ بِأَكْمَلِهِ عَنْ حَلِّهَا، وَمِنَ الْخَطَأِ وَالظُّلْمِ أَنْ يَتَنَصَّلَ أَحَدٌ مِنَ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَسْؤُولِيَّةُ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ؛ فَالْأُسْرَةُ مَسْؤُولَةٌ تَرْبَوِيًّا، وَالْمَدْرَسَةُ مَسْؤُولَةٌ تَعْلِيمِيًّا، وَالْمُجْتَمَعُ مَسْؤُولٌ عَنْ تَوْفِيرِ فُرَصِ عَمَلٍ لِلْحَدِّ مِنَ الْبَطَالَةِ، وَالْعُلَمَاءُ وَالْمُرَبُّونَ دَوْرُهُمْ إِرْشَادُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى خُطُورَةِ السَّرِقَةِ دِينِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا.
وَمِنْ أَسْبَابِ انْتِشَارِ السَّرِقَاتِ: الْبَطَالَةُ، وَالْفَقْرُ الشَّدِيدُ، وَقِلَّةُ ذَاتِ الْيَدِ، وَهِيَ إِنْ لَمْ تَكُنْ سَبَبًا مُبَاشِرًا، وَلَكِنَّهَا عَامِلٌ مُسَاعِدٌ عَلَى الْجَرِيمَةِ؛ فَكَمْ مِنْ فَقِيرٍ -وَهُمْ الْأَكْثَرُ- لَمْ يُفَكِّرْ مُجَرَّدَ التَّفْكِيرِ فِي الِانْحِرَافِ، وَلَكِنْ أَحْيَانًا مَعَ قِلَّةِ الدِّينِ، أَوْ تَفَكُّكِ الْأُسْرَةِ، أَوْ إِغْرَاءِ أَصْدِقَاءِ السُّوءِ، أَوِ الْوُقُوعِ فِي مُصِيبَةٍ، أَوِ الرَّغْبَةِ فِي الْمُتْعَةِ، وَحَتَّى لَا يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَيَلْجَأُ إِلَى الِاخْتِلَاسِ وَالنَّصْبِ وَالِاحْتِيَالِ وَالرِّشْوَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِذَا كَانَ انْتِشَارُ السَّرِقَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ مُصِيبَةً؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ لِلْوِقَايَةِ مِنَ السَّرِقَةِ، فَتَحْصِينُ الْمُسْلِمِ لِنَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ وَبَيْتِهِ بِالْأَذْكَارِ وَالْأَوْرَادِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي دَفْعِ مِثْلِ هَذِهِ الْمَصَائِبِ وَغَيْرِهَا.
وَلْيَعْلَمِ الْعَبْدُ: أَنَّ مَا سُرِقَ مِنْهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ مُحْتَسَبَةٌ بِإِذْنِ اللَّهِ؛ فَيَنْبَغِي أَلَّا نُسَهِّلَ مَهَمَّةَ اللُّصُوصِ؛ فَالْمَالُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي حِرْزٍ أَمِينٍ كَانَ ذَلِكَ تَفْرِيطًا وَغَفْلَةً مِنْ صَاحِبِهِ؛ فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ تَرَكَ سَيَّارَتَهُ وَمُحَرِّكُهَا يَدُورُ ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يَجِدْهَا؟ وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ وَضَعَ مَالًا فِي سَيَّارَتِهِ ثُمَّ عَادَ وَلَمْ يَجِدْهُ؟
نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ، وَسَيِّئِ الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُجَنِّبَ مُجْتَمَعَاتِنَا مَا يَضُرُّهَا؛ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأَحْزَابِ: ٥٦].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم