حال المسلمين في ذكرى مولد النبي الأمين

الشيخ محمد سليم محمد علي

2025-08-29 - 1447/03/06 2025-09-02 - 1447/03/10
التصنيفات الفرعية: الدعوة والتربية
عناصر الخطبة
1/منة الله تعالى ببعثة خير البرية 2/من بركات بعثة النبي صلى الله عليه وسلم 3/خيرات وبركات بعثة النبي صلى الله عليه وسلم للعرب 4/بشارات إلهية باليسر والفرج 5/الحث على التمسك بسنة النبي وهديه 6/حال المرابطين في ذكرى ميلاد الهادي البشير

اقتباس

أيها المرابطون: لا تذهبوا بعيدًا في ذكرى ميلاد حبيب رب العالمين، وحبيبكم محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو بينكم ومعكم، بما ترك فيكم من كتاب وسُنَّة نبويَّة، وهو معكم بسيرته، فاقتدوا بها، واقتفوا أثره، والزموا هديه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، سمَّى خُلُقَ النبيِّ عظيمًا؛ لأنَّه لم تكن له همة سوى الله، فقال -سبحانه-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[الْقَلَمِ: 4]، فهل همتكم -يا مسلمون- كهمة رسولكم -صلى الله عليه وسلم-؟ وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، سمَّاكم مسلمينَ، في الكتب السماوية، وفي القرآن، ليكون الرسول شهيدًا على تبليغه إيَّاكُم، دين الإسلام، فقال: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)[الْحَجِّ: 78].

 

فيا عبادَ اللهِ: استجيبوا لربكم الذي أمركم فقال: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[الْحَجِّ: 78].

 

وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، رفع يديه داعيًا وقال: "اللهمَّ أمتي، اللهمَّ أمتي، اللهمَّ أمتي"، وبكى، فقال الله -تعالى- لجبريل: "اذهب إلى محمد فقل له: إن الله يقول لك: إنَّا سنرضيك في أمتك"، فأحبوا رسولكم، واتبعوا هديه، وسنته، حتى تكونوا من المرضيين يوم القيامة.

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وعلى آله الطاهرين، وعلى أصحابه الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان، إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: في ذكرى ميلاد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- نُذكِّر الأمم بما قاله أحدُهم قبلَ عشرات السنين، قال: "لو كان محمد موجودًا بيننا لَحَلَّ مشاكلَ العالَم وهو يَحتَسِي فنجانًا من القهوة"، ونقول لهم جميعًا: إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- موجود بينكم وفيكم، في دين الإسلام، فلماذا تكفرون به؟! وإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- موجود فيكم وبينكم، بأمته، وهي خير منكم عند الله، فلماذا تعادونها وتمكرون ليلكم ونهاركم لنهب خيراتها والاستبداد في أوطانها؟! وإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- موجود بينكم بدينه وشريعته وسنته، وهو ملاذكم من الظلم والطغيان؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ)[النِّسَاءِ: 170].

 

أيها الناسُ: لقد أنعم الله عليكم بميلاد محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال الله في هذه النعمة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 107]، فلو لم يولد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ولو لم يبعث لرأينا هلاككم العام، دولًا، وأممًا، بسبب الطغيان والعربدة، والظلم والكفر، والعلو في الأرض بغير الحق، فمن منكم يكون من أُولِي الألباب الذين يشكرون نعمة الله عليهم بمولد وبعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-؟! فيؤمن بالإسلام الذي بُعِثَ به محمدٌ، والذي جاء به مَنْ سبقَه من الرسل جميعًا، أم أنَّها سُنَّة الله فيكم؛ ليبلوكم فيما آتاكم؟!

 

وأنتم أيها العرب، عامتكم وخاصتكم: إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- موجود فيكم، بمولده، وبعثته، ودينه الذي ورثكم إيَّاه؛ فلماذا الردة على الأعقاب بعد إذ هداكم الله؟! هل تعجبكم ذلتكم من غير محمد ودينه؟! لقد صرتم بميلاد محمد -صلى الله عليه وسلم- أحرارًا، فلماذا تقبلون العبودية للأمم بغير شريعته وهديه؟!

 

أيها العرب: أنعَم الله عليكم بمولد محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث كان ميلاده إيذانًا بهزيمة الكفر ومحقه، فنصركم بمحمد، ونصركم بميلاده، في وقت لم يكن لكم فيه حول ولا قوة، فكان هلاك أبرهة مع جيشه بالطير الأبابيل، ثم خرجتم بعد ذلك فاتحين، وحاملين للدين، وأنتم اليوم وغدا وفي كل زمان أذلة بغير محمد، أذلة بغير دينه، فلا ترتدوا على أعقابكم، فتنقلبوا خاسرين.

 

جرَّبتُم العقائدَ الضالةَ، والأخلاقَ الفاسدةَ، والأفكارَ المنحطةَ، وعشتُم في تيهها، ولازلتُم تركضون خَلفَها، فمتى ترفعون شأنكم وتخرجون من تيهكم باتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، والاحتفاء بميلاده؛ اتباعًا واهتداءً واقتداءً؟!

 

أيها العرب: وأنعَم الله عليكم فلم يقبض إليه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- حتى أقام به اعوجاجكم، فأخرجَكم من عبادة الأصنام إلى عبادة الله وحده، وأخرجكم من الكفر إلى الإيمان حتى صرتُم خيرَ أمة، وتحقَّق قولُه: ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء؛ بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فلماذا عادت العرب إلى اعوجاجها، واستدبرت شريعة ربها، وصارت إمعة الأمم، تقوم حيث تقوم، وتبيت حيث تبيت؟! ألهذا خلقتم أيها العرب، والله برسوله -صلى الله عليه وسلم- جعلكم قادة للناس، فأين العرب الذين يقودون الركب بشريعة أنزلها الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟! وهم يعيشون ذكرى ميلاده الشريف، ومتى ينتهي هذا الغثاء العربيّ ويصير بحرًا يبهر العقول؟! أما آن لكم أن توقفوا نزيف استذلاكم؟! أما آن لكم أن تعودوا في ذكرى ميلاد رسولكم إليه فتحملوا رسالته لتكونوا قادة الأمم بالخير والعدل والسلام؟!

 

أيها المسلمون، يا أُمَّةَ الإسلامِ: نعمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وشرفه فيكم باقٍ إلى يوم القيامة، فأثنوا عليه حق الثناء، واحفظوا سُنَّتَه؛ فأدوا السنن كما تؤدون الفرائض، وأطيعوا الرسول كما تطيعون الله، يقول ربنا -تعالى- ذِكْرُه: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)[التَّغَابُنِ: 12].

 

أيها المؤمنون: محمد عبد الله ورسوله، هو الإمام الأعظم، طاعته واجبة فأطيعوه ولا تقولوا: هذا فرض نعمله، وهذه سُنَّة نتركها، فهذا نقص في الإيمان، وجهل بالدين.

 

يا أُمَّةَ الإسلامِ: إنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- من جنسكم، ومن صميم العرب، وخالصها، وهذا فخرٌ لكم، فافتخِرُوا به واتَّبِعوه، فهو -صلى الله عليه وسلم- حريصٌ عليكم أن تؤمنوا، شحيحٌ بأن تدخلوا النار، يعز عليه مشقتكم، كثير الرأفة والشفقة عليكم، لا يهمه إلا شأنكم، ولا يرضيه إلا دخولكم الجنة؛ فلماذا تتفلَّتون مما جاءكم به؟! ولماذا تَقبَلون الدنيةَ في دنياكم؟! ألم يقل ربكم -سبحانه-: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)[التَّوْبَةِ: 128-129]؟! فحسبنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ على مَنْ تولَّى عن محمد ودينه، وحسبنا الله ونعم الوكيل على من عاداه وعادى أولياءه.

 

أيها المؤمنون: ضرب الله المثل لأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أن عددهم قليل، وأنَّهم ضعفاء، ولكنهم سيكثرون كثرة مباركة مؤمنة عاملة لدينها، فقال -سبحانه- في هذا المثل: (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ في التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ في الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ)[الْفَتْحِ: 29].

 

فيا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: مهما يكن بكم من قِلَّة عدد وضعف فسيبارك الله في عددكم، وفي إيمانكم، وفي طاعاتكم له، وسوف تكون العاقبة لكم، فأنتم زرع الله في أرضه، فأنبتوا أنفسكم نباتًا حسنًا لتنالوا وعد الله مغفرة وأجرا عظيمًا، كما وعدكم فقال: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الْفَتْحِ: 29].

 

أبشري يا أمة الإسلام، أبشري باليُسْر والفَرَج، وزوال المحنة، فقد وعَد اللهُ رسولَه محمدًا باليُسْر بعدَ الشدة فقال له: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشَّرْحِ: 5-6]، ووعدُ اللهِ لرسولِه باليُسرِ بعد العُسْر هو وعدٌ وبشارةٌ لكم أيضًا؛ ولهذا لما كتَب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعًا من الروم، وما يتخوَّف منهم، كتب إليه عمر -رضي الله عنهما-: "أَمَّا بَعْدُ، ‌فَإِنَّهُ ‌مَهْمَا ‌يَنْزِلْ ‌بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مَنْزِلِ شِدَّةٍ، يَجْعَلِ اللَّهُ بَعْدَهُا فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ".

 

يا مسلمون: ووعد الله رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضُّحَى: 5]، فأراه ما يفتح على أمته من بعده؛ من فتوح الشام والعراق، والروم وغيرها من الفتوحات، فلما أخبره جبريل بذلك فرح، وسر، -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا، ووعدُ اللهِ لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم- باقٍ إلى يوم القيامة، ومنه الفتوحات القادمة، ربما يشهدها جيلُنا، أو تشهدها الأجيالُ التي تَخلُفُنا، فاللهُ وحدَه الغالبُ، واللهُ وحدَه الفعَّالُ لما يريد، فارتقِبُوا وعود الله لكم تنزل فيكم، فقد أعطاكم الله مفاتيح الأرض مما فتح الله على محمد وأصحابه، وما سيفتح الله عليكم فيما تبقى من الزمان، قال -عليه الصلاة والسلام-: "‌وبَينا ‌أَنا ‌نائمٌ ‌رأيتُني ‌أُوتيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَوُضِعَتْ في يَدِي"، وها أنتم -يا مسلمون- تملكون هذه المفاتيح، فلا تضيعوها، ألم يبشركم صاحب الذكرى العطرة أنكم ستملكون مشارق الأرض ومغاربها فقال لكم: "‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌زَوَى ‌لِيَ ‌الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا"، فألقوا باليأس خلف ظهوركم، فلا زال وعد رسولكم -صلى الله عليه وسلم- لكم جيلًا بعد جيل، فتوحات ونصرًا مؤزرا، حتى يأتي الله بأمره.

 

أيها المؤمنون: رفع الله ذكرَ رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عند الملائكة للسماء، وفي الأرض عند المؤمنين، وفي الآخرة بما يعطيه من المقام المحمود، ورفيع الدرجات، قال الله في ذلك: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ)[الشَّرْحِ: 4]، وهذه بشارة أخرى نزفها إليكم، بمناسبة ميلاد حبيبنا ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهي أن الله قد رفع لكم ذكركم، بثباتكم على الحق والدين، وبصبركم على اللأواء، وبصبركم على تنكر أبناء الجلدة والدين لكم، وذكركم مرفوع عند الله في السماء، وذكركم مرفوع عند الأمم في الأرض، فهنيئًا لنا بمولد رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، وهنيئًا لنا ببعثته فينا، وهنيئًا لنا بأننا أتباعه -صلى الله عليه وسلم-، نحبه ويحبنا، ونشتاق إليه ويشتاق إلينا.

 

أيها المؤمنون: إن رسولنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أورَثَه اللهُ المسجدَ الأقصى الذي أَذِنَ ببنائه خالصًا للمسلمين من دون الناس، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- هو صاحب الإسراء، إلى بَيْت الْمَقدسِ، وهو ذو القبلتين المسجد الأقصى والمسجد الحرام، وبمولده -صلى الله عليه وسلم- أورثنا ذلك كله، فنحن أهله وأصحابه، فنعم الميلاد ميلاد محمد، ونعم البعثة بعثة محمد، ونِعْمَ الدينُ الدينُ الذي بُعِثَ به محمد، ونعمَتْ أمةٌ تأبى أن تنقاد لغير محمد وشريعته وسُنَّته.

هو رحمةُ اللهِ التي أَسدَى بها *** كلَّ العوالمِ منةً إحسانَا

صلى عليه الله خيرَ صلاته *** دونَ انقطاعٍ برهةً وزمانَا

 

أيها المؤمنون: وبمناسبة ذكرى ميلاد رسولنا -صلى الله عليه وسلم- نُذكِّرُكم بقول الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 31]، فمحبتكم لله وللرسول تعني طاعتكم لهما، واتباعكم أمرهما، ومحبة الله لكم أن يُنعِم اللهُ عليكم بالمغفرة، فاللهمَّ اغفر لنا ذنوبنا، اللهمَّ اغفر لنا إسرافنا في أمرنا، اللهمَّ تولنا برعايتك، وعنايتك، ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

عبادَ اللهِ: جاء في الحديث الشريف: "إن الله لا يستجيب دعاء مِنْ قلبٍ غافلٍ ساهٍ لاهٍ"، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، أرسَل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يتلو علينا آيات القرآن، ويُزكِّينا بالإيمان، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه، لا شريكَ له، قال في كتابه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 164]، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أورَثَنا الفقهَ في الدين، وقال عن نفسه: "بُعِثتُ من خير بني آدم، قرنًا فقرنًا، حتى كنتُ من القرن الذي كنتُ فيه"، صلى الله عليه، وعلى آله، وعلى أصحابه، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ، فيا أيها المؤمنون: وفي قبوركم ستُسألون عن رسولكم -صلى الله عليه وسلم-، فمن حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فأما فتنة القبر فبي تفتنون، وعني تسألون"، فما هي إجاباتكم عن سؤالكم عن نبيكم؟! هل ستجيبون: محمد هو رسول الله، صدقناه؟ هل صدَّقَه المُخذِّلون؟! هل صدَّقَه المنافقون؟! هل صدَّقَه المُرجِفون؟! وهل صدَّقَه مَنْ يَبِيع عِرْضَه ودِينَه وحقَّه وأرضَه؟! وهل صدَّقَتْه نساءُ اليومِ المتبرجاتُ واللواتي لا يتركنَ مكانًا فيه فسادٌ، أو ضياعُ خُلُق ودين إلا كن فيه؟! وهل صدقتموه وفيكم من لا يعرف تكافلا ولا ولاء لمسلم أو دين؟! وهل صدقتم رسولكم وهو يقول لكم: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، ما هي إجاباتكم يا أهل بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه؟! ما هي إجاباتكم على هذا السؤال؟! عن إفسادكم وتحللكم من قيم الدين؟! في حفلات الخطوبة والزواج؟! بالله عليكم ماذا ستجيبون رسولكم وربكم يوم القيامة عن هذا السؤال؟! هل صدقتم رسولكم -صلى الله عليه وسلم- في ذكرى ميلاده؟! بتجديد العهد معه على المُضيّ على ما كان عليه؟! أم لا زال الالتفات على الدنيا وحطامها الزائل؟! هل صدقتم رسولكم وأنتم في شقاق واختلاف؟!

 

يا أُمَّةَ الإسلامِ: ما أصعبَ السؤالَ! يا أُمَّةَ الإسلامِ: ما أصعبَ الإجابةَ!

 

سيكون وقوف الْمَلَك معَكم عندَ هذا السؤال طويلًا، فأَعِدُّوا إجابةً تُرضي ربَّكم، وتُفرِح رسولَكم -صلى الله عليه وسلم-.

 

يا عبادَ اللهِ: وصاحبُ ذكرى المولدِ -صلى الله عليه وسلم- أطلَعَه اللهُ على الجنَّة والنار، وكان ممَّا قاله: "نَظَرْتُ ‌إِلَى ‌الْجَنَّةِ ‌فَإِذَا ‌أَكْثَرُ ‌أَهْلِهَا ‌الْمَسَاكِينُ، ‌وَنَظَرْتُ إِلَى النَّارِ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ"، فماذا أعدَّت العربُ للجنة من أعمال صالحة؟! كرفع الظلم ونصرة المظلوم، وهل رِدَّتُها عن دينها وولاؤها للشيطان وحربه طريقٌ إلى الجنة أم طريق إلى النار؟!

 

وأنتم يا عبادَ اللهِ: ماذا أعددتُم للجنة من إيمان صادق وأعمال صالحة؟! وماذا فعلتُم كي تتقوا نارَ جهنم التي وقودها الناس والحجارة؟! فالله -سبحانه وتعالى- لم يَخلُق محمدًا إلا لنجاتكم من النار، وحتى تتَّبِعُوه فتدخلوا الجنةَ معَه وفي معيتِه وصحبتِه، وذاكَ -واللهِ- هو الشرفُ الذي ما بعدَه شرفٌ، فاحرِصُوا عليه، واعملوا كلَّ ما يُدْنِيكُم مِنْ قُربِه، ويقربكم من صحبته ومعيته؛ فرسولُنا -صلى الله عليه وسلم- الذي نترقَّب ذِكرى مولدِه في الأيام القادمة هو أولُ مَنْ تنشقُّ عنه الأرضُ يومَ القيامةِ، ويُعطى لواءَ الحمدِ، وأولُ مَنْ يَدخُل الجنة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض".

 

أيها المرابطون: لا تذهبوا بعيدًا في ذكرى ميلاد حبيب رب العالمين، وحبيبكم محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو بينكم ومعكم، بما ترك فيكم من كتاب وسُنَّة نبويَّة، وهو معكم بسيرته، فاقتدوا بها، واقتفوا أثره، والزموا هديه، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- معكم وفيكم وبينكم، في المسجد الأقصى، الذي أورثكم إيَّاه، فلا تضيعوا ميراثه، وهو معكم في شد الرحال إلى بَيْت الْمَقدسِ، يحثكم عليه، ويغريكم بعظيم الثواب لمن شد الرحال إلى بَيْت الْمَقدسِ، ولمن حافظ على قدسيته، وحرمته، ولم ينتهكها، فقوموا وشدوا رحالكم إلى قبلة رسولكم الأولى، وإلى موطن إسرائه ومعراجه، وإلى مهوى قلبه وفؤاده.

 

اللهمَّ سلِّمْنا، اللهمَّ نَجِّنَا، اللهمَّ تُبْ علينا، اللهمَّ اصرف عَنَّا كيدَ الأعداءِ أجمعينَ، من الإنس والجنِّ والظالمينَ والحاسدينَ، اللهمَّ اصرف عَنَّا الهمَّ، اللهمَّ اصرف عَنَّا الغمَّ، اللهمَّ اصرف عَنَّا البلاءَ، اللهمَّ اصرف عَنَّا النَّكالَ، اللهمَّ اصرف عَنَّا الأمراضَ، يا وليَّ الصالحينَ، ويا أمانَ الخائفينَ، ويا مجيبَ دعوةِ المضطرينَ، إليكَ ابتهالنا، ولكَ خضوعنا وسؤالنا، فانصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلِكَ كلمتَي الحقِّ والدينِ، واجعل أقصانا آمِنًا بأمانِكَ، مَنصُورًا بنصرِكَ، محفوظًا بحفظِكَ، اللهمَّ تولَّ أمرَنا، اللهمَّ فرِّجْ كربَنا، اللهمَّ اقضِ الدَّينَ عن المَدِينِينَ، وأَطلِقْ سراحَ الأسرى والمعتقَلينَ، اللهمَّ ارحَمْ موتانا وموتى المسلمين، اللهمَّ رُدَّ عَنَّا ظلمَ الظالمينَ، وأَحسِنْ خلاصَنا يا أرحمَ الراحمينَ، واغفر لنا وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم، وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

المرفقات

حال المسلمين في ذكرى مولد النبي الأمين.doc

حال المسلمين في ذكرى مولد النبي الأمين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات