خصائص نمو المراهق

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2025-05-30 - 1446/12/03 2025-07-16 - 1447/01/21
عناصر الخطبة
1/المقصود بالمراهقة وزمنها والواجب فيها 2/أهم صفات المراهق وخصائص نموه والتعامل معها 3/الآثار الحسنة للتعامل بإيجابية مع المراهق 4/أدوار المدرسة ومحاضن التعليم في تربية المراهق 5/حتى لا تتحول خصائص المراهقة إلى عقبات وعوائق.

اقتباس

يَا أَهْلَ التَّرْبِيَةِ مِنْ آبَاءٍ وَأُمَّهَاتٍ، وَمُعَلِّمِينَ وَمُعَلِّمَاتٍ: افْقَهُوا مَرْحَلَةَ الْمُرَاهَقَةِ، وَاعْتَنُوا بِإِدْرَاكِ مَرَاحِلِهَا وَخَصَائِصِهَا، وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ أَهْلِهَا، وَاعْمَلُوا بِأَدَبِيَّاتِهَا فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِكُمْ وَتَلَامِيذِكُمْ؛ حَتَّى يَتَخَرَّجَ عَلَى أَيْدِيكُمْ جِيلٌ صَالِحٌ فِي نَفْسِهِ، نَافِعٌ لِأُمَّتِهِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الرُّومِ:54].

 

تُشِيرُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ إِلَى تَقَلُّبِ حَالِ الْإِنْسَانِ الدُّنْيَوِيَّةِ بَيْنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ مُنْذُ خَلْقِهِ إِلَى نِهَايَةِ حَيَاتِهِ؛ فَالْإِنْسَانُ كَانَ نُطْفَةً ثُمَّ أَصْبَحَ جَنِينًا مُكْتَمِلَ الْخِلْقَةِ، ثُمَّ وُلِدَ طِفْلًا، ثُمَّ صَارَ شَابًّا، ثُمَّ كَهْلًا، ثُمَّ رَجُلًا، ثُمَّ شَيْخًا، ثُمَّ هَرِمًا؛ (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)[الْمُؤْمِنُونَ:14].

 

وَاعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- أَنَّ مِنَ الْأَطْوَارِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْمَرَاحِلِ طَوْرًا يَكُونُ فِي الذُّكُورِ مَا بَيْنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ، وَالسَّنَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَفِي الْإِنَاثِ مَا بَيْنَ السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ وَالسَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ، هَذَا الطَّوْرُ يُسَمَّى بِالْمُرَاهَقَةِ؛ وَلَعَلَّ كَثِيرًا مِنْكُمْ يَسْمَعُ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ: الْمُرَاهَقَةِ، وَالْمُرَاهِقِ، فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَمَا الْمَقْصُودُ بِهَا؟

 

الْمُرَاهَقَةُ مَعْنَاهَا: الِانْتِقَالُ مِنْ مَرْحَلَةِ الطُّفُولَةِ، وَالِاقْتِرَابُ مِنَ الْإِدْرَاكِ وَالنُّضْجِ الْجِسْمِيِّ، وَالْعَقْلِيِّ، وَالنَّفْسِيِّ، وَالِاجْتِمَاعِيِّ.

 

وَالْوَاجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُعَلِّمِينَ أَنْ يَعْرِفُوهَا وَيَفْهَمُوهَا؛ حَتَّى يُحْسِنُوا تَرْبِيَةَ أَهْلِهَا، وَلَا يَسْتَغْرِبُوا التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنْهُمْ فِيهَا.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِنُمُوِّ الْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ مِنْ عُمْرِهِ صِفَاتٍ وَخَصَائِصَ، جَدِيرٌ بِأَهْلِ التَّرْبِيَةِ أَنْ يُدْرِكُوهَا، فَمِنْ ذَلِكَ:

النُّمُوُّ الْجِسْمِيُّ؛ فَلَمَّا كَانَ مِنْ عَادَةِ الْخَلْقِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ: أَنَّ الطِّفْلَ إِذَا وَدَّعَ حَيَاةَ الطُّفُولَةِ وَانْتَقَلَ إِلَى عَالَمِ الْكِبَارِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُهَيِّئُ جِسْمَهُ لِهَذَا الْعَالَمِ الْجَدِيدِ بِخَلْقِ أَشْيَاءٍ فِيهِ، وَاتِّسَاعِ أَشْيَاءٍ، وَتَقْوِيَةِ أَشْيَاءٍ أُخْرَى، فَيَحْصُلُ فِي جِسْمِ الْمُرَاهِقِ نُمُوَّانِ: نُمُوٌّ دَاخِلِيٌّ، وَنُمُوٌّ خَارِجِيٌّ؛ فَمِنَ النُّمُوِّ الدَّاخِلِيِّ: نُمُوُّ الْغُدَدِ الْجِنْسِيَّةِ؛ وَلِهَذَا يَبْدَأُ بِالشُّعُورِ الْفِطْرِيِّ إِلَى الْجِنْسِ الْآخَرِ؛ وَلِأَجْلِ هَذَا يَنْبَغِي التَّشْجِيعُ عَلَى الزَّوَاجِ الْمُبَكِّرِ؛ حَتَّى لَا يَسْلُكَ الْمُرَاهِقُ مَسَالِكَ الْحَرَامِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: "هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا"، زَادَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ، مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: "قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ... وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَجْهِي؛ أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ"(ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ).

 

وَأَمَّا النُّمُوُّ الْخَارِجِيُّ؛ فَيَكُونُ بِنُمُوِّ الْأَعْضَاءِ وَزِيَادَةِ الْوَزْنِ وَخُشُونَةِ الصَّوْتِ وَظُهُورِ الشَّعْرِ فِي أَمَاكِنَ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْجِسْمِ، وَبُرُوزِ الثَّدْيَيْنِ لَدَى الْفَتَاةِ.

 

وَنُنَبِّهُ -أَيُّهَا الْإِخْوَةُ- فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ النُّمُوِّ عَلَى أَنَّ التَّعَامُلَ الصَّحِيحَ مَعَهُ هُوَ: الْبُعْدُ عَنْ تَعْيِيرِ الْمُرَاهِقِ بِهَذِهِ الْمَظَاهِرِ الْجَدِيدَةِ عَلَى جَسَدِهِ، فَقَدْ نُشَاهِدُ وَنَسْمَعُ فِي الْبُيُوتِ نَبَرَاتِ الْإِضْحَاكِ وَالْمُحَاكَاةِ السَّاخِرَةِ لِلْمُرَاهِقِ مِنْ بَعْضِ إِخْوَانِهِ أَوْ أَخَوَاتِهِ، لَاسِيَّمَا فِي خُشُونَةِ الصَّوْتِ.

 

وَمِنْ خَصَائِصِ نُمُوِّ الْمُرَاهِقِ: النُّمُوُّ الْعَقْلِيُّ؛ فَفِي مَرْحَلَةِ الْمُرَاهَقَةِ يَتِمُّ نُمُوُّ الذَّكَاءِ لَدَى الْمُرَاهِقِ حِينَ يَكْتَمِلُ لَدَيْهِ نُمُوُّ الْمُخِّ الْعُضْوِيُّ، وَلَكِنَّ هَذَا الذَّكَاءَ يَبْدَأُ بِالتَّنَاقُصِ لَدَى الْمُرَاهِقِ فِي الْمُتَوَسِّطِ عِنْدَ سِنِّ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ، وَتُصْبِحُ الْفُرُوقُ بَعْدَ ذَلِكَ عَائِدَةً إِلَى الْخِبْرَةِ؛ فَمَا أَجْمَلَ أَنْ تَرَوْا أَوْلَادَكُمْ -أَيُّهَا الْآبَاءُ- تَظْهَرُ عَلَيْهِمْ صُوَرُ الذَّكَاءِ وَالنَّبَاهَةِ وَالنَّجَابَةِ، فَشَجِّعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَوَظِّفُوا هَذَا الذَّكَاءَ فِي أَحْسَنِ الْمَسَالِكِ، فَهَذَا مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

نِعَمُ الْإِلَهِ عَلَى الْعِبَادِ كَثِيرَةٌ *** وَأَجَلُّهُنَّ نَجَابَةُ الْأَوْلَادِ

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ النُّمُوِّ الْعَقْلِيِّ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ: ظُهُورُ الْقُدُرَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِالتَّفْكِيرِ؛ كَالتَّفْكِيرِ بِأُمُورٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَكُنْ يُفَكِّرُ الْمُرَاهِقُ فِيهَا مِنْ قَبْلُ؛ كَالتَّفَكُّرِ بِالْكَوْنِ وَالْحَيَاةِ وَالْخَلْقِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: إِثَارَةُ أَسْئِلَةٍ جَدِيدَةٍ لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهَا مِنْ قَبْلُ، وَهَذِهِ ظَاهِرَةٌ صِحِّيَّةٌ لَدَى الْمُرَاهِقِ؛ لِأَنَّهُ -مِنْ خِلَالِ السُّؤَالِ- يَصِلُ إِلَى الْمَعْلُومَاتِ الْجَدِيدَةِ، وَهَذَا مَحْمُودٌ؛ (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ:7].

 

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ -أَيِ: الْجَهْلِ- السُّؤَالُ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْعِلْمُ خِزَانَةٌ، مِفْتَاحُهَا السُّؤَالُ".

 

وَإِذَا كَثُرَتْ -أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ- الْأَسْئِلَةُ مِنَ الْمُرَاهِقِينَ فَإِيَّاكُمْ أَنْ تُصِمُّوا آذَانَكُمْ عَنْهُمْ، أَوْ تَأْمُرُوهُمْ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ السُّؤَالِ عَنْهَا، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ أَسْئِلَةً مُحْرِجَةً؛ كَالْأَسْئِلَةِ الْجِنْسِيَّةِ، بَلْ كُونُوا لَهَا آذَانًا مُصْغِيَةً، وَأُجِيبُوا عَلَيْهَا بِمَا تَرَوْنَهُ مُنَاسِبًا، وَحَاوِرُوهُمْ وَاطْلُبُوا مِنْهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَمَّا يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ فَهْمُهُ؛ حَتَّى تُفِيدُوهُمْ، وَتُخَفِّفُوا عَنْهُمْ وَطْأَةَ الْإِشْكَالَاتِ، وَتَهْدُوهُمْ مِنْ عَمَى الْمَسَائِلِ الْمُعْضِلَاتِ.

 

قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا كُنْتَ فِي بَلَدٍ جَاهِلًا *** وَلِلْعِلْمِ مُلْتَمِسًا فَاسْأَلِ

فَإِنَّ السُّؤَالَ شِفَاءُ الْعَمَى *** كَمَا قِيلَ فِي الْمَثَلِ

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ خَصَائِصِ نُمُوِّ الْمُرَاهِقِ: النُّمُوُّ الِانْفِعَالِيُّ؛ وَهُوَ مَا يَحْمِلُهُ الْفَرْدُ عَنْ نَفْسِهِ مِنَ الْمَشَاعِرِ، وَمَا يَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالٍ أَوْ أَفْعَالٍ إِيجَابِيَّةٍ أَوْ سَلْبِيَّةٍ، وَمِنْ مَظَاهِرِ هَذَا النُّمُوِّ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْحُبِّ وَالْبُغْضِ، فَالْمُرَاهِقُ إِذَا أَحَبَّ أَوْ أَبْغَضَ أَفْرَطَ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِهِ أَيْضًا: شِدَّةُ الْغَضَبِ وَالْعُنْفِ وَكَثْرَةُ الصُّرَاخِ، وَإِحْدَاثُ الْمُشْكِلَاتِ مَعَ الْأَبَوَيْنِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَالْجِيرَانِ وَالزُّمَلَاءِ، وَالتَّمَرُّدُ عَلَى قَوَانِينِ الْعَائِلَةِ وَالْمَدْرَسَةِ، وَانْعِكَاسُ الصِّفَاتِ مِنْ طَالِبٍ مُجِدٍّ نَشِطٍ، إِلَى طَالِبٍ كَسُولٍ، وَالْعَكْسُ قَدْ يَحْصُلُ أَيْضًا.

 

وَإِزَاءَ هَذِهِ الِانْفِعَالَاتِ النَّفْسِيَّةِ الْمُزْعِجَةِ نَقُولُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالْمُعَلِّمِينَ: تَحَلَّوْا بِالْحِكْمَةِ وَالصَّبْرِ، وَلَا تُقَابِلُوا الْعُنْفَ بِالْعُنْفِ، وَالْخَطَأَ بِالْعُقُوبَةِ دَائِمًا، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ:200].

 

وَاطْمَئِنُّوا؛ فَهَذِهِ الِانْفِعَالَاتُ الْمَكْرُوهَةُ سَتَزُولُ مِنَ الْمُرَاهِقِينَ بِالتَّدَرُّجِ، فَمَنْ صَبَرَ مِنْ أَهْلِ التَّرْبِيَةِ سَيَجِدُ لِعَاقِبَةِ صَبْرِهِ فِي وَلَدِهِ أَوْ تِلْمِيذِهِ خَيْرًا كَثِيرًا، قَالَ الشَّاعِرُ:

يَقُولُ لَكَ الْأَثْبَاتُ أَهْلُ التَّجَارِبِ: *** تَصَبَّرْ؛ فَعُقْبَى الصَّبْرِ نَيْلُ الْمَآرِبِ

وَنَصُّ كِتَابِ اللَّهِ بِالصَّبْرِ آمِرٌ *** وَقَدْ وُعِدَ الصُّبَّارُ حُسْنَ الْعَوَاقِبِ

 

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَمِنْ خَصَائِصِ نُمُوِّ الْمُرَاهِقِ: النُّمُوُّ الِاجْتِمَاعِيُّ؛ فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ يَبْدَأُ الْمُرَاهِقُ بِالشُّعُورِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالِانْدِفَاعِ الْكَبِيرِ لِقَضَايَا الْمُجْتَمَعِ، وَالْحِرْصِ عَلَى مُسَاعَدَةِ الْآخَرِينَ، وَهَذَا مَظْهَرٌ رَائِعٌ لَهُ آثَارٌ حَمِيدَةٌ عَلَى حَيَاةِ النَّاسِ إِذَا كَانَ مُتَّزِنًا؛ فَكَمْ حَصَلَ مِنْ خَيْرٍ كَثِيرٍ وَانْدَفَعَ مِنْ شَرٍّ مُسْتَطِيرٍ بَيْنَ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذَا الِانْفِعَالِ عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ.

 

وَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ أَيْضًا يَتَعَلَّقُ الْمُرَاهِقُ بِالْأَصْدِقَاءِ، وَيَقْضِي مُعْظَمَ أَوْقَاتِهِ مَعَهُمْ، بَلْ قَدْ يَصْطَفِي الصَّدِيقَ الْحَمِيمَ مِنْهُمْ؛ لِيَرْتَبِطَ بِهِ ارْتِبَاطًا قَوِيًّا، فَيَتَحَدَّثَانِ مَعًا، وَيَذْهَبَانِ مَعًا، وَرُبَّمَا يُحَاكِي الْوَاحِدُ مِنْهُمُ الْآخَرَ فِي لِبَاسِهِ وَتَعَامُلِهِ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ أَوْلَادِكُمُ الشُّعُورَ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ وَالِانْدِفَاعَ نَحْوَ مُسَاعَدَةِ النَّاسِ، فَحَفِّزُوهُمْ عَلَيْهَا، وَوَجِّهُوا ذَلِكَ الْوُجْهَةَ الصَّحِيحَةَ؛ فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالطَّيَالِسِيُّ).

 

وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُبْعِدُوهُمْ عَنِ الْأَصْدِقَاءِ وَالْجُلُوسِ مَعَهُمْ، بَلْ دَعُوهُمْ يَتَّخِذُوا الْأَصْدِقَاءَ وَيَجْلِسُوا مَعَهُمْ، وَلَكِنْ حُثُّوهُمْ عَلَى اخْتِيَارِ أَصْدِقَاءِ الْخَيْرِ، وَبَيِّنُوا لَهُمْ ثَمَرَاتِ الْجُلُوسِ مَعَهُمْ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لَا يَعْدِمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيْرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَنَا وَيُصْلِحَ ذُرِّيَّاتِنَا.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلْمَدْرَسَةِ وَسَائِرِ مَحَاضِنِ التَّعْلِيمِ دَوْرًا كَبِيرًا فِي تَرْبِيَةِ الْمُرَاهِقِ، إِذَا أَدَّتْ رِسَالَتَهَا كَمَا يَنْبَغِي، فَمِنْ تِلْكَ الْأَدْوَارِ:

دَوْرُ التَّشْجِيعِ وَالتَّوْجِيهِ، وَالْإِصْلَاحِ وَالتَّقْوِيمِ؛ فَحِينَ يَرَى الْمُعَلِّمُ أَوِ الْمُرَبِّي مِنَ الْمُرَاهِقِ عَمَلًا حَسَنًا، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى إِلَى تَحْفِيزِهِ؛ كَابْتِسَامَةٍ، أَوْ مَسْحِ رَأْسٍ، أَوْ ثَنَاءٍ، أَوْ مُكَافَأَةٍ مَادِّيَّةٍ، وَانْظُرُوا إِلَى تَشْجِيعِ رَسُولِ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ"، قَالَ سَالِمٌ: "فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا".

 

وَإِذَا قَامَ الْمُرَاهِقُ بِعَمَلٍ حَسَنٍ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنَ الِاعْوِجَاجِ قَوَّمَهُ الْمُرَبِّي وَوَجَّهَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الصَّحِيحِ؛ كَمَا وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ- حِينَ كَانَ يَسْرُدُ الصِّيَامَ وَيَقُومُ حَتَّى يُصْبِحَ، فَأَمَرَهُ بِصِيَامِ يَوْمٍ، وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، وَقِيَامِ بَعْضِ اللَّيْلِ، وَنَوْمِ بَعْضِهِ الْآخَرِ.

 

إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ: إِنَّ خَصَائِصَ الْمُرَاهَقَةِ لَيْسَتْ عَقَبَاتٍ وَعَوَائِقَ أَمَامَ الْأَبَوَيْنِ وَالْمُرَبِّينَ مَادَامَ الْوَعْيُ بِهَذِهِ الْمَرْحَلَةِ حَاضِرًا، وَمَادَامَ أَهْلُ التَّرْبِيَةِ مُتَحَلِّينَ بِالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ اقْتِدَاءً بِمَنْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- عَنْهُ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[الْقَلَمِ:4].

 

يَا أَهْلَ التَّرْبِيَةِ مِنْ آبَاءٍ وَأُمَّهَاتٍ، وَمُعَلِّمِينَ وَمُعَلِّمَاتٍ: افْقَهُوا مَرْحَلَةَ الْمُرَاهَقَةِ، وَاعْتَنُوا بِإِدْرَاكِ مَرَاحِلِهَا وَخَصَائِصِهَا، وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ أَهْلِهَا، وَاعْمَلُوا بِأَدَبِيَّاتِهَا فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِكُمْ وَتَلَامِيذِكُمْ؛ حَتَّى يَتَخَرَّجَ عَلَى أَيْدِيكُمْ جِيلٌ صَالِحٌ فِي نَفْسِهِ، نَافِعٌ لِأُمَّتِهِ؛ فَأَنْتُمْ مِعْرَاجُ الْإِصْلَاحِ وَالتَّقْوِيمِ، وَسُلَّمُ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ؛ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الْفُرْقَانِ:74].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

خصائص نمو المراهق.doc

خصائص نمو المراهق.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات