خطبة الأضحى 1446هـ

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2025-06-13 - 1446/12/17 2025-06-28 - 1447/01/03
التصنيفات: الأضحى
عناصر الخطبة
1/يوم النحر أعظم أيام السنة 2/الحث على حفظ الجوارح من المحرمات 3/الأضحية وبيان بعض أحكامها 4/أعمال صالحة ينبغي الإكثار منها 5/وصايا وتوجيهات للمرأة المسلمة

اقتباس

واعلموا أن الصلاة والمحافظة عليها في المساجد من أسباب البركة في الأرزاق، فلا يَشغلكم عنها حطامُ الدنيا الفاني، فإذا جاء وقت الصلاة توجهوا للمساجد، يقول...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -سبحانه وتعالى-، والجد والاجتهاد في طاعة الله، خاصة في الأزمان الفاضلة؛ فالعمل فيها محبوب عند الله ومضاعف، وإن من الأيام الفاضلة عشر ذي الحجة، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"(أخرجه البخاري).

 

ولقد مضى من هذه العشر تسعة أيام، وهذا اليوم الذي نعيشه هو عاشر هذه الأيام، وهو أفضلها بل هو أفضل أيام السنة، ويسمى يوم النحر، جاء في سنن أبي داود من حديث ابن عمر بإسناد صحيح، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم الحج الأكبر يوم النحر"، وجاء كذلك في سنن أبي داود بإسناد جيد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أعظم الأيام عند الله -تعالى- يوم النحر".

 

 وهو أحد أعياد المسلمين الثلاثة، عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم الجمعة، وأما ما سواها فأعياد مبتدعة، أخرج أبو داود في سننه والحديث صحيح، عن أنس قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟"، قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر".

 

ويأتي بعد هذا اليوم أيام فاضلات وهي أيام التشريق: اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر واليوم الثالث، سميت بهذا الاسم لأنهم كانوا يذبحون فيه الأضاحي ويشرقون لحومها، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث نُبيشة الهذلي، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنها: "أيام أكل وشرب وذكر لله"، فهي ليست أيام غفلة، بل هي أيام ذكر لله -سبحانه وتعالى-، فعلينا -عباد الله- أن نسارع ونسابق إلى ما يحبه الله ويرضاه.

 

عباد الله: احفظوا الله يحفظكم، أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عباس وكان غلاماً صغيراً فقال له: "يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك"، وإن من أعظم ما تحافظون عليه عقيدتكم وتوحيدكم، فاعبدوا الله وحده لا شريك له، أخلصوا له العبادة، وتعلموا التوحيد بتفاصيله، وتعلم ما يضاد التوحيد وهو الشرك وأنواعه.

 

ومما يجب المحافظ عليه الصلاة، فهي عمود الدين، فمن ضيعها فلا حظ له في الإسلام، فأدوها في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ومروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، واعلموا أن الصلاة والمحافظة عليها في المساجد من أسباب البركة في الأرزاق، فلا يَشغلكم عنها حطامُ الدنيا الفاني، فإذا جاء وقت الصلاة توجهوا للمساجد، يقول -تعالى-: (قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[الجمعة: 11].

 

عباد الله: احفظوا آذانكم عن سماع ما حرم الله -سبحانه وتعالى-، كالغيبة والنميمة وسماع الغناء والمعازف، واحفظوا ألسنتكم عن السخرية والاستهزاء، وعن الكذب والغيبة النميمة، وقول الزور وشهادة الزور؛ (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].  

 

عباد الله: احفظوا بطونكم عن أكل الحرام، احذروا الربا فهو ممحوق البركة، قال -تعالى-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)[البقرة: 276]، احذروا الرشوة؛ "لعن الله الراشي والمرتشي"، احذروا غش الناس؛ "من غش فليس منا".

 

عباد الله: ربوا أبناءكم تربية صحيحة، ربوهم على الكتاب والسنة، حببوا إليهم فعل الطاعات، وابعدوا عنهم المنكرات، لا تغشوهم وتدخلوا عليهم الشرور، فالله -سبحانه وتعالى- سيسألكم عن رعيتكم، ثبت في صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية، لم يحطها بنصحه؛ إلا حرم الله عليه الجنة".

 

عباد الله: إن من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها الإنسان إلى الله -سبحانه وتعالى-، وهي سنة مؤكدة لا ينبغي لمن كان قادراً أن يتركها هي ذبح الأضاحي، ولا بأس أن يستدين الإنسان إذا كان يرجو سداداً.

 

ويشترط في الأضحية: أن تكون من الإبل أو البقر أو الغنم، ويشترط فيها: أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، الإبل خمس سنوات فأكثر، والبقر سنتين فأكثر، والمعز سنة فأكثر، وأما الضأن فإذا بلغت ستة أشهر فأكثر فإنه يضحى بها، ويشترط: أن تكون خالية من العيوب الأربعة، العوراء البين عورها، وأشد منها العمياء، والعرجاء البين ضلعها، وأشد منها مقطوعة اليد أو الرجل، والمريضة البين مرضها، والهزيلة، وأما ما سوى ذلك كمكسورة القرن، ومقطوعة الأذن، ومكسورة الأسنان، والتي نشف ثديها، وغير ذلك، فيجوز التضحية بها، والأحسن بغيرها.

 

ومن شروط الأضحية: أن يكون الذبح بعد صلاة العيد، ويستمر إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، كل هذا وقتٌ لذبح الأضاحي.

 

وتجزي الذبيحة عن الرجل وأهل بيته الذين يعيشون معه، أما من كان مستقلاً ببيت فالسنة أن يضحي عنه وعن أهله.

 

والأفضل في الأضحية أنها تقسم إلى ثلاثة أقسام، كما جاء عن الصحابة -رضي الله عنهم-، ثلث يهديه، وثلث يتصدق به، وثلث يأكله، والأفضل أن الإنسان يذبح أضحيته بنفسه إن كان يحسن ذلك، أو يشهد ذبحها ويقول: "بسم الله، الله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبل مني".

 

وله أن يشرك في ثوابها من شاء من الأحياء والأموات، فقد ثبت أن -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم هذا عني وعن آل محمد"، فلك أن تقول: "اللهم هذا عني وعن والدي، أو عن أقاربي"، فلهم أجر -بإذن الله-.

 

وإن من الأعمال الصالحة: كثرة الذكر والتكبير، وقراءة القرآن، وصلة الأرحام، وإطعام الطعام، إلى غير ذلك من الأعمال التي يحبها الله -سبحانه وتعالى-، ولا تنسوا الدعاء لإخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: لقد كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخص النساء بموعظته في العيد،

فأوصيك -أمة الله- بتقوى الله -تعالى-، واعلمي أنك إن كنت صالحة فإن الله -تعالى- وعدك بالحياة الطيبة، قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].

 

أوصيك -أيتها الأخت المسلمة- بالتمسك بهذا الدين، والمحافظةِ على الحجاب؛ فالمحافظة عليه حفظ لك في الدنيا والآخرة، يقول -تعالى- وهو يبين شيئاً من حكم الحجاب: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 59]، أي: يعرفن أنهن شريفات فلا يؤذين من الفساق.

 

أيتها الأخت المسلمة: احذري من اللعن، وكفران العشير، أي: جحد حق الزوج؛ فإنهما من أسباب دخول النار، ففي الحديث الصحيح لما خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- العيد، مضى حتى أتى المُصَلَّى فَمَرَّ عَلى النِّساءِ فَقَالَ: "يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنّي أُريتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"، فَقُلْنَ: وَبِمَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشيرَ".

 

ومما أريد التنبيه عليه -عباد الله- أن في هذه السنة وافق العيد يوم الجمعة، فمن صلى العيد فإنه يترخص بترك صلاة الجمعة، ويصلي ظهراً في بيته، أما من لم يصل صلاة العيد فيجب عليه أن يشهد صلاة الجمعة، فهي من فروض الإسلام، ويجب على خطباء الجمعة أن يقيموا صلاة الجمعة؛ حتى يشهدها من لم يصلِ صلاة العيد، وحتى يشهدها من يريد الأفضل والأجر الأعظم؛ لأن الأفضل لمن صلى صلاة العيد أن يشهد صلاة الجمعة.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].

 

المرفقات

خطبة الأضحى 1446هـ.doc

خطبة الأضحى 1446هـ.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات