روافد الفكر القبوريِ (4)

ماجد بن سليمان الرسي

2025-08-08 - 1447/02/14 2025-08-26 - 1447/03/03
عناصر الخطبة
1/دعوى المحافظة على التراث 2/ذم من عمل بخلاف علمه 3/تقليد الآباء والأجداد 4/قلة العلم وكثرة الجهل

اقتباس

ومن عوامل بقاء الفكر القبوري العامل الثامن: وهو دعوى المحافظة على التراث، فبعض المثـقفين يطالبون بالمحافظة على تلك الأضرحة التي يُشرَك عندها بالله العظيم، بدعوى المحافظة على التراث، مصادِمين بذلك أمر الله وأمر رسوله بهدم ما بُني...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنه -تعالى- خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، كما قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، وأرسل الرسل لذلك قال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25]، ونهى عباده عن أن يشركوا معه في عبادته أحدًا غيره فقال: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الزمر: 65 - 66]، وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب فقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[النساء: 48].

 

أيها المؤمنون: تقدم في الخطب الماضية ذكر سبعة روافد من روافد الفكر القبوري في الأمة الإسلامية، والتي يجب العلم بها، واليوم نتكلم بما يسر الله عن الروافد الأربعة المتبقية.

 

عباد الله: ومن عوامل بقاء الفكر القبوري العامل الثامن: وهو دعوى المحافظة على التراث، فبعض المثـقفين يطالبون بالمحافظة على تلك الأضرحة التي يُشرَك عندها بالله العظيم، بدعوى المحافظة على التراث، مصادِمين بذلك أمر الله وأمر رسوله بهدم ما بُني على القبور المعظمة وطمس معالمها.

 

أيها المؤمنون: ومن عوامل بقاء الفكر القبوري العامل التاسع: وهو تناقل هذا التـراث العلمي الهَدَّام الذي يقرر الغلو بالقبور جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، في الكتب والرسائل وغيرها، والمحتوي على الشبهات العقلية والأحاديث الضعيفة والموضوعة، التي تُقرر الغلو بالقبور، وبثها بين الناس، الذين هم أصناف، منهم الذي يطلب الحق ولا يعرف أين يجده؟ ومنهم الذي يطلب الحق ويعرف أين يجده؟ ومنهم الجاهل الذي يطلب الحق وعنده مَن يدله عليه، ومنهم الجاهل الذي يطلب الحق وليس عنده مَن يدله عليه، ومنهم العالم الذي يعرف الحق ويدل عليه، ومنهم العالم الذي يعرف الحق ويعرض عنه، ومنهم العالم الذي يعرف الحق ويعرض عنه ويصد الناس عنه تعصبًا لهواه وشيطانه.

 

عباد الله: ومما ساعد على انتشار تراث القبورية الهدام عدم وجود الرقابة العلمية على التراث من قِبل كثير من الدول الإسلامية، والتي من واجبها منع الكتب التي تخالف عقيدة الإسلام.

 

أيها المسلمون: ومن عوامل بقاء الفكر القبوري العامل العاشر: وهو قلة العلم وكثرة الجهل، فالجهل رافد قوي من روافد انتشار الخرافة، لا سِيَّما الجهل بمعنى توحيد العبادة وشروطه ونواقضه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله لا يَقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالـمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، فسُــئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضَلُّوا وأَضَلُّوا"(متفق عليه).

 

وعن عبد الله بن مسعود وأبي موسى -رضي الله عنهما- قالا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ بين يدي الساعة لأيامًا يَنـزل فيها الجهلُ، ويُرفع فيها العلم، ويكثر الـهَرج"(متفق عليه)، أي: القتل، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "كيف أنتم إذا لبستكم فتنة، يَهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سُنَّة، فإذا غُـيِّرت قالوا: غُـيِّرت السُّنةُ؟!  قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمـٰن؟ قال: إذا كثرت قراؤكم، وقَلَّت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقَلَّت أمناؤكم، والتُـسمت الدنيا بعمل الآخرة"(رواه الدارمي).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن من عوامل بقاء الفكر القبوري العامل الحادي عشر: وهو تقليد الآباء والأجداد، وهذا العامل من أقوى العوامل التي يتمسك بها العوام في السير على ما هم عليه، سواء كان حقًّا أم باطلًا، والواجب هو معرفة الحق بدليله، وألا يكون الإنسان إمَّعة، إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء، قال الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود -رحمهما الله تعالى-: "والعادة ملَّاكة، تَــقلب الشَّين زينًا، ولم تُـعادَ الرسل بشيءٍ قط أعظم من العادة"(الدرر السنية).

 

وصدق -رحمه الله-، فقد قال -تعالى- واصفًا حال المشركين وحجتهم في شركهم؛ (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)[الزخرف: 22 - 24]، وقال -تعالى- عنهم: (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ)[الأنبياء: 53]، قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعْدِي -رحمه الله-: "وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين بتقليدهم لآبائهم الضالين، ليس المقصود به اتباع الحق والهدى؛ وإنما هو تعصُّبٌ محضٌ يُراد به نُصرة ما معهم من الباطل"(تفسير السعدي).

***

عباد الله: تم بهذه الخطبة ذكر روافد وبواعث فكر تعظيم القبور الذي دخل على الأمة الإسلامية لاسيما في القرون المتأخرة، وعددها أحد عشر رافدا، ومن أعظم تلك الروافد التفريط في تطبيق الحديث النبوي الذي زجر عن أعظم مظاهر تعظيم القبور، وهو اتخاذها مساجد وأماكن صلاة ودعاء وذبح ونذر، كحديث جندب بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت النبـي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس يقول: "ألا وإنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبـيائهم وصَالِحِيهم مساجد، ألا فلا تَــتَّخِذوا القبورَ مساجدَ، إنِّي أنهاكم عن ذلك"(مسلم).

 

ومن الأحاديث أيضا: حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبـيائهم مساجد"، قالت: "لولا ذلك أُبرز قبـره، غير أنه خُشِي أن يُتَّخذ مسجدًا"(متفق عليه).

***

ثم اعلموا -رحمكم الله- أن الله -سبحانه وتعالى- أمركم بأمر عظيم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].

المرفقات

روافد الفكر القبوريِ (4).doc

روافد الفكر القبوريِ (4).pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات