عناصر الخطبة
1/الماء نعمة ربانية وضرورة حياتية 2/الماء كما يكون نعمة فقد يكون نقمة.اقتباس
ويبقى الماء ضروريا وملازما للإنسان مهما كان غنيا أو فقيرا، صغيرا او كبيرا، في حالة الحضر والسفر أو حتى في حالتي الحرب والسلام؛ لذلك تجد البشر يتتبع مواقع الماء، ويفارق مناطق الجفاف؛ فيشيد العمران على ضفاف الوديان والأنهار، وسواحل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنزل من السماء ماء بقدر، طاهرا من الشوائب والكدر؛ فعم به البادية والحضر، ولا يستغني عنه أحد من بني البشر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عيه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ:70-71]؛ أما بعد:
أيها المسلمون والمسلمات: مما هو معلوم أن الإنسان لا يدرك حقيقة النعمة المسداة إليه حتى تزول عنه؛ فإذا فقدها صارت مطلبا وذات قيمة؛ فاللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمك، ببعض إعراض الناس عن ذكرك وعصيانك.
وإن من أجل النعم، وأكبر الآيات التي تدوم وتستمر بها الحياة، وتعيش بها جميع الكائنات: نعمة الماء، وهي نعمة لا يحصيها العد والتي ربط الله -تعالى- بها حياة كل شيء موجود؛ فقال -سبحانه-: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)[الأنبياء: 30]
فهل تساءل كل واحد منا عن نصدر هذه النعمة؟ وهل تساءل كل واحد منا عندما يشتد به العطش؛ فيشرب ما يروي عطشه.
من أين جاء هذا الماء؟
وهل استحضر السؤال نفسه من وجد الماء ليغسل به جسده وأطرافه، أو يتوضأ، أو يتناول استعماله في مختلف أغراضه؟ ـ
ومن رحمة الله الخالق بنا ورفعه للحرج عنا في البحث عن الجواب، أجاب -سبحانه- بقوله: (أفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)[الواقعة: 68 -70].
ولقد حظيت هذه النعمة بأهمية كبيرة في كتاب الله -تعالى- والتي جاء ذكرها في 63 موضعا.
ويبقى الماء ضروريا وملازما للإنسان مهما كان غنيا أو فقيرا، صغيرا او كبيرا، في حالة الحضر والسفر أو حتى في حالتي الحرب والسلام؛ لذلك تجد البشر يتتبع مواقع الماء، ويفارق مناطق الجفاف؛ فيشيد العمران على ضفاف الوديان والأنهار، وسواحل البحار، ويهجر الصحاري والقفار لتعذر البقاء والاستقرار بها. ولم يكن الماء مجرد مادة للشرب؛ بل تعم الحاجة إليه لينبت به كل شيء؛ يقول -تعالى-: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)[لقمان:10].
وكما أن وجود الماء نعمة؛ فإن فقدانه نقمة، لأن الماء مصدر لراحة الإنسان وابتهاجه وسعادته، فبالماء تأخذ الأرض زينتها وتخضر بعد نزول الغيث رحمة من الله للعباد من بعد اليأس والقنوط، ليتأكدوا بأن الماء آية من آيات الله ودليل على وجوده ووحدانيته -سبحانه-.
وفي كل شيء آية *** تدل على أنه الواحد
قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الروم: 24].
وإذا كان الماء نعمة من نعم الدنيا تستوجب شكر الله والمحافظة عليها بحسن استعمالها وتدبيرها؛ فإنه كذلك نعمة من نعم الآخرة حيث ينعم المؤمنون بالماء في العرصات، وموقف الحساب حين يشتد بالناس العطش؛ فيكرم الله -تعالى- البعض منهم بشربة من حوض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يظمأون بعدها أبدا، وفي الجنة كذلك بالماء ينعمون؛ قال -تعالى-: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ)[محمد: 15].
وقد يكون الماء نقمة ووسيلة للهلاك والعذاب حين ينهمر بأمر الله فيضانا وطوفانا، وفي أنباء قوم نوح -عليه السلام- عظة وعبرة.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبكلام سيد المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين أسبغ على عباده النعم ليكونوا من الشاكرين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه- ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
عباد الله: يقول الحق -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15].
إن حاجة الإنسان للماء ملحة لاستمرار حياته غنيا كان أو فقيرا، وبدون ماء يفقد الناس معنى الحياة؛ فلا يهنأ لهم حال، ولا يرتاح لهم بال، ولنا في إخواننا من أهل غزة ما يؤرق كل ذي إيمان وضمير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكيف ينعم بالعيش من يعلم بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
وخرجَ رسولُ اللهِ في ساعَةٍ لا يخرجُ فيها ولا يلقاهُ فيها أحدٌ؛ فأتاهُ أبو بكرٍ فقال: "ما جاء بِكَ يا أبا بكرٍ؟ قال: خرجْتُ ألقى رسولَ اللهِ وأنظرُ في وجهِهِ والتسليمَ عليهِ. فلمْ يلبثْ أنْ جاء عمرُ؛ فقال: ما جاء بِكَ يا عمرُ؟ قال: الجوعُ يا رسولَ اللهِ! قال: وأنا قد وجَدْتُ بعضَ ذلكَ. فانطلقوا إلى منزلِ أبي الهيثمِ بنِ التَّيْهانِ الأنصاريِّ، وكان رجلًا كثيرَ النخلِ والشَّاءِ ولمْ يكنْ لهُ خَدَمٌ فلمْ يجدوهُ، فَقَالوا لامرأتِهِ: أين صاحبُكِ؟ فقالتْ: انطلقَ يَسْتَعْذِبُ لَنا الماءَ؛ فلمْ يَلبَثوا أنْ جاء أبو الهيثمِ بِقِرْبَةٍ يَزْعَبُها فوضعَها، ثُمَّ جاء يلتزمُ النبيَّ ويُفَدِّيهِ بأبيهِ وأُمِّهِ، ثُمَّ انطلقَ بِهمْ إلى حديقتِهِ فبسطَ لهُمْ بِساطًا، ثُمَّ انطلقَ إلى نخلةٍ، فَجاء بِقِنْوٍ فوضعَهُ، فقال النبيُّ: فلا تَنَقَّيْتَ لَنا من رُطَبِهِ؟ فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي أردْتُ أنْ تَختاروا أوْ تَخَيَّرُوا من رُطَبِهِ وبُسْرِهِ فأكلوا وشَرِبُوا من ذلكَ الماءِ، فقال: هذا والذي نَفسي بيدِهِ مِنَ النعيمِ الذي تسألونَ عنهُ يومَ القيامةِ، ظِلٌّ بارِدٌ، ورُطَبٌ طَيِّبٌ، وماءٌ بارِدٌ ....".
فهل أعد المسلمون اليوم جوابا على ما سيسألون عنه من النعيم؟ وهل تمسكوا بخير ما ترك لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم بدلوا وغيروا؟
واسمعوا -رحمكم الله-: "أتَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المَقْبُرَةَ؛ فقالَ: السَّلامُ علَيْكُم دارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بكُمْ لاحِقُونَ، ودِدْتُ أنَّا قدْ رَأَيْنا إخْوانَنا قالوا: أوَلَسْنا إخْوانَكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أنتُمْ أصْحابِي وإخْوانُنا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فقالوا: كيفَ تَعْرِفُ مَن لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِن أُمَّتِكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، فقالَ: أرَأَيْتَ لو أنَّ رَجُلًا له خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ ألا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: فإنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأنا فَرَطُهُمْ علَى الحَوْضِ ألا لَيُذادَنَّ رِجالٌ عن حَوْضِي كما يُذادُ البَعِيرُ الضَّالُّ أُنادِيهِمْ ألا هَلُمَّ فيُقالُ: إنَّهُمْ قدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ؛ فأقُولُ سُحْقًا سُحْقًا، وفي رواية: فَلَيُذادَنَّ رِجالٌ عن حَوْضِي".
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم