ونبلو أخباركم

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2025-10-03 - 1447/04/11 2025-10-21 - 1447/04/29
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/مركب الإيمان أشرف المراكب 2/من حكم الله في الابتلاء 3/الصبر والثبات عدة المؤمنين 4/ابتلاء بني إسرائيل ونجاتهم 5/موقف المنافقين من الابتلاء

اقتباس

وفي مَواقِفِ الشِّدَةِ الابْتِلاءِ لَنْ يُدْرِكَ هذهِ المَعانِيْ إِلا مَنْ كانَ مُؤْمِناً حَقاً، ولَنْ يَثْبُتَ على الإِيْمانِ إِلا مَنْ كانَ مُؤْمِناً صِدْقاً، وأَما مَنْ كانَ في قَلْبِهِ رَيْبٌ أَو نِفاقٌ أَو دَخَلٌ فإِنَّهُ وَقُودَ فِتْنَةٍ، ومُتَرَدِيْ غِوايَةٍ، يَتَخَبَّطُ في الجَهالةِ، ويَتَرَنَّحُ في النِّفاق...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أيها المسلمون: مَراكِبُ الشَّرَفِ لا تَحْمِلُ إِلا الشُّرَفاء، وطُرُقُ الكَرامَةِ لا يَسْلُكُها إِلا الأَكْرَمُون، ومَنْ خَبُثَ أَصْلُهُ أَلِفَ مَواطِنَ الخَبَث، ومَنْ طَهُرَ سَارَ في رِكابِ الطَّاهِرِيْن.

 

ولَمَّا كَانَ مَرْكَبُ الإِيْمانِ أَشْرَفُ مَرْكَبٍ، وسَبِيْلُ الإِيْمانِ أَهْدَى سَبِيْل، مَنْ سَلَكَهُ بَلَغَ أَكْرَمَ مُنْتَهى، ومَنْ سَارَ فِيهِ نَزَلَ أَشْرَفَ مُقَام، يَحُطُّ رِحالَهُ في مَنازِلِ النَّعِيْمِ في جِوارِ الرَّبِ الكَرِيْم؛ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)[القمر: 54- 55].

 

لَمَّا كَانَ مَرْكَبُ الإِيْمانِ مَرْكَبٌ كَرِيْم، اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ أَنْ لا يَبْقَى فِيهِ إِلا مَنْ كانَ صَادِقَ الإِيْمانِ مُخْلِصَ الدِيْن، فَلا مَكانَ في مَرْكِبِ الكَرامَةِ لِكَاذِبٍ، ولا مَقْعَدَ فيهِ لِمُنافِقٍ ولا لِمُتَرَدِّدٍ ولا لِمرْتَابٍ، يُنْزِلُ اللهُ بَلاءَهُ بالمُؤْمِنِيْنَ، فَيَتَساقَطُ مَنْ مَرْكَبِ الإِيْمانِ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ رَيْبٌ ومَنْ كانَ في قَلْبِهِ مَرَض، ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ بلاءً، إِثْرَ بَلاءٍ، إِثْرَ بَلاءٍ، فَلا يَزالُ مَرْكَبُ الإِيْمانِ يَتَطَهَّرُ، ولا يَزالُ يَتَسَاقَطُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ نِفاقٌ وخَبَث، ولا يَثْبُتُ في مَرْكَبِ الإِيْمانِ إِلا مَنْ كَان قَوِيِّ الدِّيانَةِ صَادِقَ الإِيْمان؛ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[العنكبوت: 2 - 3]، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)[محمد: 31].

 

يَبْتَلِيْ اللهُ المُؤْمِنِيْنَ بأَصْنافٍ مِنْ البَلاءِ، وِفْقَ ما تَقْتَضِيْهِ حِكْمَتُهُ -سُبْحانَهُ-، فَيَبْتَلِيْ مَنْ شاءَ بالسَّرّاءِ ويَبْتَلِيْ مَنْ شَاءَ بالضَّرَّاء، ويَبْتَلِيْ مَنْ شَاءَ بالشِّدَةِ ويَبْتَلِيْ مَنْ شاءَ بالرَّخاءِ، ومَا مِنْ راكِبٍ في مَرْكَبِ الإِيْمانِ إِلا وكُتِبَ عَليهِ حَظُّهُ مِن الابْتِلاءِ مُدْرِكُهُ لاَ مَحَالَةَ، فَصَادِرٌ مِنَ البَلاءِ أَكْرَمَ مَصْدَرٍ قَدْ نُقِيَ مَنْ كُلِّ شائِبَةٍ، وصَادِرٌ مِنْ البَلاءِ أَسوأَ مَصْدَرٍ قَدْ انْتَكَصَ على عَقِبَيْه؛ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ)[الحج: 11]، أَيْ: ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَدْخُلُ في دِيْنِ اللهِ شاكٌّ مُتَرَدِّدٌ مُرْتابٌ، فَإِنْ أَصابَهُ في هذا الطَرِيْقِ رَاحَةٌ، وأَدْرَكَ في دَنْياهُ مَغْنَماً، وسَلِمَتْ لَهُ مَكاسِبُ دُنْياه اسْتَمَرَّ، وإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ وابْتِلاءٌ واخْتِبارٌ ونَزَلَ بِهِ كَرْبٌ أَو شِدَّةٌ أَو أَذى، تَنازَلَ عَنْ دِيْنِهِ، وانْحَرَفَ عَنْ مَسِيْرِهِ؛ (انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الحج: 11].

 

والابْتِلاءاتُ التِيْ يُنْزِلُها اللهُ بِعِبادِهِ، مِنْها صِغارٌ ومِنْها كِبار، ومِنْها ما هو خَاصٌ بالفَرْدِ، ومِنْها ما هو عَامٌّ بالأَمَةِ، وفي القُرآنِ بَيَّنَ اللهُ للمُؤْمِنِيْنَ أَنَّ الابْتِلاءَ سُنَّةٌ أَجْرَاها في الأُمَمِ السَّابِقَةِ، وهُوَ سُنَّةٌ سَتَبْقَى باقِيَةٌ في العِبادِ إلى يَومِ القِيامَةِ.

 

ثُمَّ أَرْشَدَ اللهُ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يَلْزَمُوا مَقامَ الصَّبْرِ في الابْتِلاءِ، وأَنْ يَلزَمُوا مَقامَ الثَباتَ في النَّوازِلِ والأَزَمَات؛ لِيُدْرِكُوا في الدَّارَيْنِ كَرامَةً، ولِيَنالُوا في الدَّارَيْنِ حُسْنَى؛ (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[البقرة: 214].

 

عَظُمَ البَلاءُ بِقَومِ مُوسَى واشْتَدَ الكَرْبُ بِهِم، أَنْزَلَ فِرْعَونُ بِهِمْ بَطْشَهُ، وأَعْمَلَ فِيْهِم سَيْفَهُ، ونَكَّلَ بِهِم كُلَّ نَكَال، في جَبَرُوتٍ وتَسَلُّطٍ وطُغْيانٍ، وغَطْرَسَةٍ وتَكَبُّرٍ وعُدْوان، يُقَتِّلُ أَبْناءَهُم ويَسْتَحْيي نِساءَهُم، في فَسادٍ عَرِيْضٍ لا نَظِيْرَ لَه.

 

ظَلَّ فِرْعَونُ على ذَلِكَ الإِجْرامِ عُقُوداً مِنَ الزَمَنِ، وُلِدَ مُوسَى -عليهِ السَلامُ- وفِرْعَونُ يُعْمِلُ القَتْلَ بِكُلِّ مَولُودٍ لِبَنِيْ إِسْرائِيْل، كَبُرَ مُوسَى -عليهِ السَلامُ- والقَتْلُ لَمْ يَزَلْ يُعْمَلُ في بَنِيْ إِسْرائِيْل، خَرَجَ مُوسى -عليهِ السَلامُ- إِلى مَدْيَنَ وعادَ بَعْدَ عَشْرِ سِنِيْنَ رَسُولاً نَبِيّاً، والقَتْلُ لَمْ يَزَلْ يُعْمَلُ في بَنِيْ إِسْرائِيل؛ (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)[الأعراف: 127].

 

ابْتِلاءٌ طَالَ وامْتَدَّ أَمَدُه، واشْتَدُّ وعَظُمَ وَقْعُهُ، واللهُ مُطَّلِعُ واللهُ مُحِيْط، واللهُ قَوِيٌّ واللهُ قَدِيْر، قَدْ يُطِيْلُ البَلاءَ بقَومٍ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ؛ لِيَرفَعَهُم إِلى مَنازِلَ قَدْ ارْتَضاها لَهُم، ويُطِيْلُ الإِمْهالَ للظَالِمِيْنَ لِيُحِلَّ بِهِم أَقْسَى عِقابٍ قَدْ أَعَدَّهُ لَهُم؛ (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ)[آل عمران: 178]، لا يَحْسَبُوا أَنَّ تَمْكِيْننا لَهُم في الأَرْضِ، وتأَخِيْرَ عُقُوبَتِنا عَنْهُم أَنَّ ذَلِكَ مِنْ إِكْرَامِنا لَهُم، أَو غَفْلَتِنا عَنْهُم، (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[آل عمران: 178].

 

وعلى قَدْرِ الازْدِيادِ مِنْ الآثامِ، تَعْظُمُ العُقُوبَةُ ويَقْسُو العِقاب، قَامَتِ السَماواتُ والأَرْضُ بأَمْرِه، وقَامَتْ السَماواتُ والأَرْضُ بِعَدْلِه، فَلَنْ يَدُومَ ظَالِمٌ ولَنْ يُهْمَلَ، ولَنْ يُنْسَى مَظْلُومٌ ولَنْ يُخْذَل، يُنْزِلُ اللهُ نَصْرَهُ لِعِبادِهِ المُسْتَضْعَفِيْنَ في زَمَنٍ احْلَولَكَ ظَلامُهُ وطَالَ لَيْلُه، فَلَمْ يُرَ للفَرَجِ فيهِ بَوادِرَ فَجْرٍ، ولَمْ يُرَ فيهِ للنَصْرِ بَرْقٌ يَلُوح، يُنْزِلُ اللهُ النَّصْرَ والقُلُوبَ قَدْ غَشِيَتْها لَفَحاتُ اليأَسِ، ولَطَمَتْ بِها أَمْواجُ الوَهَن، فَلا تَسَلْ عَنْ فَرَجٍ جَاءَ على حِيْنِ يأَسٍ، فَلا تَسَلْ نَصْرٍ نَزَلَ على حِيْنِ فَاقَة.

 

وقَفَ مُوسَى -عليهِ السَلامُ- وَقَومُهُ في آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظاتِ القَهْرِ مَوقِفاً عَصِيْباً، يَسْتَعْصِيْ على العُقُولِ إِدْراكَ دَربِ للنَجاةِ فِيْه، أَبْصَرُوا أَمَامَهُم بَحْراً تَتَلاطَمُ أَمْواجُهُ فأَنَّى لَهُم أَنْ يَعْبُرُوه؟! وأَبْصَرُوا خَلْفَهُم عَدُواً يَتَلاطَمُ غَيْظُهُ فأَنَى لَهُم أَنْ يَقْهَرُوه؟! فَصَاحُوا يائِسِينَ: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)[الشعراء: 61]، فَنادَى فِيْهِم مُوسَى -عليهِ السَلامُ- نِداءَ الوَاثِقِ بِوعْدِ اللهِ، الوَاثِقِ بِتأَيِيْدِه وقُدْرَتِهِ نَصْرِه؛ (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء: 62]، قَالَها مُوسَى -عليهِ السَلامُ- وهُو لا يَعْلَمُ مِنْ أَيِّ طَرِيْقٍ سَيُنْزِلُ اللهُ عليهم نَصْرَه، ولا مِنْ أَيِّ سَبِيْلٍ سَيأَتِيْ بِالفَرَج؟!.

 

فَجاءَهُ الأَمْرُ الإِلهِيُّ سَرِيْعاً: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)[الشعراء: 63]، سَلَكَ مُوسَى -عليهِ السَلامُ- وقَومُهُ طَرِيقاً في البَحْرِ يَبَساً، وسَلَكَهُ فِرْعَونُ وجُنُودُهُ على إِثْرِهِم، قَالَ اللهُ: (وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)[الشعراء: 65 - 68]، عَزِيْزٌ يَنْتَقِمُ مِن أَعْدَائِهِ، رَحِيْمٌ يَنْتَصِرُ لأَولِيائِه؛ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[غافر: 51 - 52].

 

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.

 

أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: يَنْصُرُ اللهُ المُسْتَضْعَفِيْنَ حِيْنَ يَبْلُغُ بِهِمُ الضَّعْفُ والهَوانُ مَبْلَغَه، ويأَتِيْ اللهُ بالفَرَجِ حِيْنَ يَبْلُغُ الكَرْبُ والقَهْرُ مُنْتهاه؛ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)[يوسف: 110]، ويُنْزِلُ اللهُ بَطْشَهُ بالمُجْرِمِينَ وهُمْ في أَقْوَى مَراحِلِ قُوَّتِهِم، ويُحِلُّ بِهِم نَكَالَهُ وهُمْ في أَشَدَّ مَراحِلِ اسْتِكْبارِهِم.

 

فالجَبَارُ يَقْهَرُ الجَبَّارِيْنَ أَعْظَمَ ما يَبْلُغُونَ في جَبَرُوتِهِم، والقَوِيُّ يَقْصِمُ الأَقْوِياءَ المُتَسَلَّطِيْنَ أَعْظَمَ ما يَكُونُونَ في تَسَلُّطِهِم، فَيَرَى العِبادُ قُوَّةَ اللهِ فِيْمَنْ كَانَ بالأَمْسِ مُسْتَقْوياً، ويَرَى العِبادُ بَطْشَ اللهِ فِيمَنَ كَانَ بالأَمْسِ جَبَّاراً؛ (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ)[فصلت: 15- 16]، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[الفجر: 6 - 14].

 

وفي مَواقِفِ الشِّدَةِ الابْتِلاءِ لَنْ يُدْرِكَ هذهِ المَعانِيْ إِلا مَنْ كانَ مُؤْمِناً حَقاً، ولَنْ يَثْبُتَ على الإِيْمانِ إِلا مَنْ كانَ مُؤْمِناً صِدْقاً، وأَما مَنْ كانَ في قَلْبِهِ رَيْبٌ أَو نِفاقٌ أَو دَخَلٌ فإِنَّهُ وَقُودَ فِتْنَةٍ، ومُتَرَدِيْ غِوايَةٍ، يَتَخَبَّطُ في الجَهالةِ، ويَتَرَنَّحُ في النِّفاق؛ (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 49]، (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)[الأحزاب: 12].

 

تَتَكَشَّفُ سَوْءاتُهُم، وتَتَعَرَّى مَبادِؤُهُم؛ (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)[آل عمران: 167]، (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)[آل عمران: 154]، يظُنَّونَ أَنَّ اللهُ لَنْ يَنْصُرَ دِيْنَهُ، ولَنْ يُعلِيَ شَرِيْعَتَه، ولَنْ يُمَكِنَ لأَوليائِهِ، ولَنْ يُحَقِّقَ للمُؤْمِنِيْنَ ما وعَد.

  

وطائِفَةٌ ارْتَكَسَتْ في الفِتْنَةِ، وانْتَكَسَتْ عَنِ الإِيْمانِ، يَشْتَدُّ بِهِم الهَلَعُ في النَّوازِلِ، فَيَرْمُونَ المُؤْمِنِيْنَ بأَسْبابِ البَلاءٍ؛ (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ)[النساء: 78]، (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[الأعراف: 131]، (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 39 - 40].

 

اللهم انصر عبادك المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم.

 

المرفقات

ونبلو أخباركم.doc

ونبلو أخباركم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات