الخطب المنبرية من العقيدة الواسطية (3)

محمد بن عبدالله التميمي
1447/05/01 - 2025/10/23 21:44PM

 

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ؛ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا. أما بعد:

[فاتقوا الله عباد الله، وحقِّقوا رأس التقوى توحيدَ الله، وكمِّلوا أصول الإيمان التي كان في بيانِ جُمْلَةٍ منها خُطبتان، وإنَّ مِنْ أصولِ اعتقاد أهل السنة والجماعة أنهم] يُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»، وَقَالَ أَيْضًا لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ؛ وَقَدْ شَكَا إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَنِي هَاشِمٍ؛ فَقَالَ ﷺ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي». وَقَالَ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ كَنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كَنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».

وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُقِرُّونَ: بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْآخِرَةِ، خُصُوصًا:

«خَدِيجَةَ» رضيَ اللهُ عنها أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلَادِهِ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاضَدَهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَلِيَّةُ.

«وَالصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ» رضيَ اللهُ عنهما الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ ﷺ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».

وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْ: طَرِيقَةِ «الرَّوَافِضِ» الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ.

وَطَرِيقَةِ «النَّوَاصِبِ»، الَّذِينَ يُؤْذُونَ «أَهْلَ الْبَيْتِ»، بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

[فالرافضة تَطْعَنُ في جميعِ الصَّحابةِ إلا نَفَرًا قليلًا بضعةَ عشر. وأما الناصبة فتُبغض عَلِيًّا، وأصحابَه، بل كانوا: يُكَفِّرُونَ عَليًّا، أو يُفَسِّقُونَه، أو يَشُكُّونَ في عدالته، فأهلُ السنةِ والجماعةِ سَالِمُونَ من هاتين الضَّلَالَتَين؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ فَضَائِلِهِم، ولأَنَّ القَدحَ فيهم قدحٌ في القرآن والسنة].

وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ: التَّصْدِيقُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ. وَمَا يُجْرِي اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ؛ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، فِي: أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْمُكَاشَفَاتِ، وَأَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرَاتِ. وَكَالْمَأْثُورِ عَنْ سَالِفِ الْأُمَمِ، فِي «سُورَةِ الْكَهْفِ» وَغَيْرِهَا. وَعَنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ قُرُونِ الْأُمَّةِ. وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

[وقد أخبر الله - سبحانه - أنَّ أَولياءَهُ هم المؤمنونَ المتَّقُونَ، وذلك في قولِهِ تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}، وهذه الكَرَامَاتُ إِنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ ﷺ، وتَكُونُ حجةً ولِحَاجَةِ نَصْرِ الدِّين، أمَّا مَا يَكُونُ لِلسَّحَرَةِ والكُهَّان فمن أحوال الشيطان، التي تَبْطُلُ أو تَضعُفُ إذا ذُكِرَ اللهُ وتوحيدُه وقُرِئَت قوارعُ القرآن -لا سيما آية الكرسي-]

ثُمَّ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: اتِّبَاعُ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَاطِنًا وَظَاهِرًا. وَاتِّبَاعُ: سَبِيلِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَاتِّبَاعُ: وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حَيْثُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ».

وَيَعْلَمُونَ: أَنَّ أَصْدَقَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ. فَيُؤْثِرُونَ: كَلَامَ اللَّهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ أَصْنَافِ النَّاسِ. وَيُقَدِّمُونَ: هَدْيَ مُحَمَّدٍ ﷺ عَلَى هَدْيِ كُلِّ أَحَدٍ. وَبِهَذَا سُمُّوا: «أَهْلَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ».

وَسُمُّوا «أَهْلَ الْجَمَاعَةِ»؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ الاجْتِمَاعُ. وَضِدُّهَا الْفُرْقَةُ.

وَالْإِجْمَاعُ: هُوَ الْأَصْلُ الثَّالِثُ؛ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ. وَهُمْ يَزِنُونَ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ، مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ.

• ثُمَّ هُمْ مَعَ هَذِهِ الْأُصُول: يَأْمُرُونَ: بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، عَلَى مَا تُوجِبُهُ الشَّرِيعَةُ.

وَيَرَوْنَ إِقَامَةَ: الْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَالْجُمَعِ، وَالْأَعْيَادِ؛ مَعَ الْأُمَرَاءِ؛ أَبْرَارًا كَانُوا، أَوْ فُجَّارًا.

وَيُحَافِظُونَ عَلَى: الْجَمَاعَاتِ. وَيَدِينُونَ: بِالنَّصِيحَةِ لِلْأُمَّةِ. وَيَعْتَقِدُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ﷺ. وَقَوْلِهُ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ؛ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ؛ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ».

وَيَأْمُرُونَ: بِالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ. وَالشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ. وَالرِّضَا بِمُرِّ الْقَضَاءِ.

وَيَدْعُونَ إلَى: مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ. وَيَعْتَقِدُونَ: مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا». وَيَنْدُبُونَ إِلَى: أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك. وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك. وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك.وَيَأْمُرُونَ: بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ. وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ. وَحُسْنِ الْجِوَارِ. وَالْإِحْسَانِ إِلَى: الْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ. وَالرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ.

وَيَنْهَوْنَ عَنْ: الْفَخْرِ، وَالْخُيَلَاءِ. وَالْبَغْيِ، وَالِاسْتِطَالَةِ عَلَى الْخَلْقِ بِحَقِّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَيَأْمُرُونَ: بِمَعَالِي الْأَخْلَاقِ. وَيَنْهَوْنَ عَنْ: سِفْسَافِهَا [أي: رديئِها] [اللهم اهْدِنِا لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْت، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم].


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلَى سَائِرِ الْمُرْسَلِينَ وَالنَّبِيِّينَ، وَآلِ كُلٍّ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ. أما بعد:

[فإنَّ أهلَ السنةِ والجماعةِ] مُتَّبِعُونَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَطَرِيقَتُهُمْ: هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا ﷺ. لَكِنْ لَمَّا أَخْبَرَ ﷺ أَنَّ أُمَّتَهُ «سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً؛ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً؛ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ». وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: «هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»؛ صَارَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِالْإِسْلَامِ الْمَحْضِ الْخَالِصِ عَنْ الشَّوْبِ هُمْ «أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ».

وَفِيهِمُ: الصِّدِّيقُونَ، وَالشُّهَدَاءُ، وَالصَّالِحُونَ. وَمِنْهُمْ: أَعْلَامُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى. أُولُوا الْمَنَاقِبِ الْمَأْثُورَةِ، وَالْفَضَائِلِ الْمَذْكُورَةِ.

وَمِنْهُمُ: الْأَئِمَّةُ؛ الَّذِينَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ.

وَهُمُ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ؛ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلَا مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».

فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ. وَأَنْ لَا يَزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَيَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً؛ إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ.

[ثم اعلموا عباد الله أن الصَّلَاةَ والسلام عَلَى النَّبِيِّ ﷺ إعظَامٌ لِقَدْرِهِ، وَأَدَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ، إِذْ هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِه {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}].

 

* هذه الخطبة بها تمام العقيدة الواسطية، وما كان في أثناء جُملها من كلام فمن إيضاح شيخ الإسلام ابن تيمية من كتبه الأخرى

 

* رابط الخطبة المنبرية من العقيدة الواسطية (1)

https://khutabaa.com/ar/discussions/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9-1

* رابط الخطبة المنبرية من العقيدة الواسطية (2)

https://khutabaa.com/ar/discussions/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D8%A9-1

 

المرفقات

1761245070_الخطب المنبرية من العقيدة الواسطية 3.docx

1761245070_الخطب المنبرية من العقيدة الواسطية 3.pdf

المشاهدات 115 | التعليقات 0