حَقارة الدُّنيا وهَوانِها على اللهِ
عايد القزلان التميمي
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْقَائِلِ ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْقَائِلَ (( مَا لي وَللدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا))
أما بعد
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))
أَيُّهَا المؤمنون:
بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ بِأَحَدِ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، إِذْ مَرَّ بِجَدْيٍ -وهو الذَّكرُ مِن وَلدِ المَعزِ- أَسَكَّ مَيِّتٍ - أي صَغيرُ الأُذنِ أَو مُقطوعُ الأُذنِ - فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ - وكان الدِّرهمُ أقلَّ النَّقدِ عندَهم حينئذٍ، -؟» فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟» قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ - أي مقطوعُ الأُذُنِ - فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: « فَوَاللَّه للدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلى اللَّه مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ». أخرجه مسلم.
وفي هذا الحديثِ بَيانُ حَقارةِ الدُّنيا وهَوانِها على اللهِ سُبحانَه وتَعالَى.
عباد الله
وفي كِتابِ اللهِ بَيَّن ربُّنا حَقِيقَة الدُّنْيا ،فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾
وَلَقَدْ حَذَّرَنَا رَبُّنَا مِنَ الِانْشِغَالِ بِالدُّنْيَا عَنْ عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ فقال: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ * وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ ﴾
عِبَادَ اللَّهِ، مَنْ كَانَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا فَهُوَ فِي غَفْلَةٍ عَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ أَجْلِهِ، وَهُوَ عِبَادَتُهُ وَشُكْرُهُ، فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ أَوَّلًا بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَالتَّنَافُسِ فِي طَاعَتِهِ، فَالْإِسْلَامُ جَاءَ بِصَلَاحِ الدِّينِ أَوَّلًا وَالدُّنْيَا ثَانِيًا، وَجَاءَ بِمَا يُسْعِدُ الْإِنْسَانَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمِنْ أَعْظَمِ أَدْعِيَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ وَلَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ ، ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ ، قال الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنْيَا)
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ....
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ،
فَالْمُرَادُ بِحُبِّ الدُّنْيَا هُوَ التَّعَلُّقُ بِهَا وَبِشَهَوَاتِهَا وَبِمَا فِيهَا مِنَ الْمَتَاعِ، وَتَفْضِيلُهَا عَلَى الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ﴾
وَلَكِنِ الْمَقْصُودُ أَنْ نَجْعَلَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةً نَحْصُدُ ثِمَارَهَا فِي الْآخِرَةِ.
فَهَنِيئًا لِمَنْ عَرَفَ اللَّهَ فَأَطَاعَهُ، وَعَرَفَ الشَّيْطَانَ فَعَصَاهُ، وَعَرَفَ الْحَقَّ فَاتَّبَعَهُ، وَعَرَفَ الْبَاطِلَ فَاتَّقَاهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ((تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )).
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ الْمُوقِنَ بِلِقَاءِ اللَّهِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ يُؤْثِرُ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَهَذَا كَلَامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَصِفُ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ فَيَقُولُ (( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)).
وكيف لا تكونُ الجنةُ خيرًا وأعظمَ وأطيبَ، والنَّبيُ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم يَقُول (( لَقَابُ قَوْسٍ فِي الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ ((رواه البخاري.
عِبَادَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ لَنْ تَعِيشُوا عُمْرَ نُوحٍ، فَاحْذَرُوا غَرْغَرَةَ الرُّوحِ، وَتَسَابَقُوا إِلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ قَبْلَ الْمَمَاتِ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ فِي مُحْكَمِ الْآيَاتِ، فَقَالَ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }
المرفقات
1760645148_حَقارة الدُّنيا وهَوانِها على اللهِ.docx
1760645149_حَقارة الدُّنيا وهَوانِها على اللهِ.pdf